الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما اصابهم القرح - محمود شلبي

( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ )
اضغط على الصورة للتكبير
Click on photo to see it big

Click the link (shown below )  To know more about  ALLAH swt ( The Almighty GOD ) , the Holy Quran , the sayings of  the honourable Prophet Muhammad saw  ( Hadiths ) , and the Religion of Islam ;

اضغط على الرابط بالاسفل لمعرفة المزيد من المعلومات عن  الله الاله العظيم وخالق الكون وكل الوجود  تبارك وتعالى  و لمعرفة المزيد عن تفسير سور القران الكريم والاحاديث النبوية الشريفة  ودين الاسلام الحنيف

https://allglorytoallah.blogspot.com/?m=1

للاطلاع على  تفسير وشرح جميع سور القران الكريم  ابتداءا من سورة الناس وحتى سورة الغاشية الكريمة  اضغط على الرابط بالاسفل

To see translation and interpretations of other chapters of Holy Quran , click the link below

https://allglorytoallah.blogspot.com/p/holy-quran-chapters-in-photos.html

لقراءة وتنزيل  القران الكريم كاملا  مترجما الى  جميع لغات العالم ( 40 لغة )   اضغط على الرابط بالاسفل

To read and download  Translations of  Holy Quran into all known languages of world, please   the link below click

https://allglorytoallah.blogspot.com/p/noble-quran-in-all-languages.html

الله سبحانه وتعالى  رب العالمين  ذو الجلال والاكرام  ورب العرش العظيم  وملك السموات والارض تبارك وتعالى

اضغط على الرابط بالاسفل لمعرفة المزيد عن اسماء الله تبارك وتعالى وصفاته  التي وردت في القران الكريم والسنة النبوية

Click the link ( shown below ) to know more about  ALLAH  swt  ,The  Almighty GOD , The LORD of the Heavens and the Earth , and The Great LORD of The Worlds  (Glorified and Exalted in HE )!

And to know  more details about the 99 Holy Names of ALLAH swt and His Supreme attributes  mentioned in Holy Quran and Hadiths of  the Honourable Prophet (saw )

https://allglorytoallah.blogspot.com/p/allah.html


الايات الكريمة :

بسم  الله الرحمن الرحيم
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (168) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) ۞ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) 
[ آل عمران 166 – 173 ]

تفسير الايات الكريمة :

وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)
ثم أكد- سبحانه- عموم قدرته وإرادته فقال: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ، وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ.
أى: وما أصابكم- أيها المؤمنون- من قتل وجراح وآلام يوم التقى جمعكم وجمع أعدائكم في أحد، فَبِإِذْنِ اللَّهِ أى فبإرادته وعلمه، إذ ما من شيء يقع في هذا الكون إلا بتقدير الله وعلمه، فعليكم أن تستسلموا لإرادة الله، وأن تعودوا إلى أنفسكم فتهذبوها وتروضوها على تقوى الله وطاعته، حتى تكونوا أهلا لنصرته وعونه.
و «ما» موصولة بمعنى الذي في محل رفع بالابتداء، وجملة أَصابَكُمْ صلة الموصول، وقوله فَبِإِذْنِ اللَّهِ هو الخبر. ودخلت الفاء في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط. وقوله وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ بيان لبعض الحكم التي من أجلها حدث ما حدث في غزوة أحد.
والعلم هنا كناية عن الظهور والتقرر في الخارج لما قدره- سبحانه- في الأزل أى أراد الله أن يحدث ما حدث في غزوة أحد ليظهر للناس ويميز لهم المؤمنين من غيرهم.

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)
وقوله: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا حكمة ثانية لما حدث في غزوة أحد. أى: حدث ما حدث في غزوة أحد ليعلم- سبحانه- المؤمنين من المنافقين علم عيان ورؤية وظهور يتميز معه عند الناس كل فريق عن الآخر تميزا ظاهرا.
إذ أن نصر المسلمين في بدر فتح الطريق أمام المنافقين للتظاهر باعتناق الإسلام. وعدم انتصارهم في أحد، كشف عن هؤلاء المنافقين وأظهرهم على حقيقتهم، فإن من شأن الشدائد أنها تكشف عن معادن النفوس، وحنايا القلوب.
ثم بين- سبحانه- بعض النصائح التي قيلت لهؤلاء المنافقين حتى يقلعوا عن نفاقهم، وحكى ما رد به المنافقون على الناصحين فقال: وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا، قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ.
أى فعل- سبحانه- ما فعل في أحد ليميز المؤمنين من المنافقين الذين قيل لهم من النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن بعض أصحابه: تعالوا معنا لتقاتلوا في سبيل الله، فإن لم تقاتلوا فادفعوا أى فانضموا إلى صفوف المقاتلين، فيكثر عددهم بكم فإن كثرة العدد تزيد من خوف الأعداء.
أو المعنى: تعالوا معنا لتقاتلوا من أجل إعلاء كلمة الله، فإن لم تفعلوا ذلك لضعف إيمانكم، واستيلاء الشهوات والأهواء على نفوسكم، فلا أقل من أن تقاتلوا لتدفعوا عن أنفسكم وعن مدينتكم عار الهزيمة.
أى إن لم تقاتلوا طلبا لمرضاة الله، فقاتلوا دفاعا عن أوطانكم وعزتكم.
قال الجمل: وهذه الجملة وهي قوله- تعالى- وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا تحتمل وجهين.
أحدهما: أن تكون مستأنفة، أخبر الله أنهم مأمورون إما بالقتال وإما بالدفع أى تكثير سواد المسلمين- أى عددهم.
والثاني: أن تكون معطوفة على نافَقُوا فتكون داخلة في خبر الموصول. أى وليعلم الذين حصل منهم النفاق والقول المذكور وإنما لم يأت بحرف العطف بين تعالوا وقاتلوا، لأن المقصود أن تكون كل من الجملتين مقصودة بذاتها .
وقوله قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ حكاية لردهم القبيح على من نصحهم بالبقاء مع المجاهدين.
أى قال المنافقون- وهم عبد الله بن أبى وأتباعه- لو نعلم أنكم تقاتلون حقا لسرنا معكم، ولكن الذي نعلمه هو أنكم ستذهبون إلى أحد ثم تعودون بدون قتال لأى سبب من الأسباب.
أو المعنى- كما يقول الزمخشري- «لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا لَاتَّبَعْناكُمْ يعنون أن ما أنتم فيه لخطأ رأيكم وزللكم عن الصواب ليس بشيء، ولا يقال لمثله قتال، إنما هو إلقاء بالنفس إلى التهلكة، لأن رأى عبد الله بن أبى كان في الإقامة بالمدينة وما كان يستصوب الخروج» .
وقال ابن جرير: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أحد في ألف رجل من أصحابه وحتى إذا كانوا بالشوط بين أحد والمدينة، انخذل عنهم عبد الله بن أبى ابن سلول بثلث الناس وقال.
أطاعهم، أى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج وعصاني. والله ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس؟ فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق والريب، فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام- أخو بنى سلمة- يقول لهم. يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم- وقاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا- فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكننا لا نرى أن يكون قتال.
فلما استعصوا عليه، وأبوا إلا الانصراف عن المؤمنين قال لهم. أبعدكم الله يا أعداء الله فسيغنى الله رسوله عنكم، ثم مضى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
هذا هو موقف المنافقين في غزوة أحد، وهو موقف يدل على فساد قلوبهم، وخبث نفوسهم، وجبنهم عن لقاء الأعداء.
ولقد كان المؤمنون الصادقون على نقيض ذلك، فلقد خرجوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وثبتوا إلى جانبه فكانوا ممن قال الله فيهم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ولقد حكى لنا التاريخ أن بعض المؤمنين الذين كانت لهم أعذارهم التي تسقط عنهم الخروج للجهاد، كانوا يخرجون مع المجاهدين لتكثير عددهم.
فعن أنس بن مالك قال: «رأيت يوم القادسية- عبد الله بن أم مكتوم- وكان رجلا أعمى-وعليه درع يجر أطرافها وبيده راية سوداء، فقيل له: أليس قد أنزل الله عذرك؟ فقال: بلى ولكني أحب أن أكثر المسلمين بنفسي .
هذا، وقد أصدر- سبحانه- حكمه العادل على أولئك المنافقين فقال: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ. يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ.
أى هم يوم أن قالوا هذا القول الباطل قد بينوا حالهم، وهتكوا أستارهم وكشفوا عن نفاقهم لمن كان يظن أنهم مؤمنون، لأنهم قبل أن يقولوا: «لو نعلم قتالا لاتبعناكم» كانوا يتظاهرون بالإيمان، وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم، فلما انخذلوا عن عسكر المؤمنين وقالوا ما قالوا تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر.
أو المعنى: هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان، لأن تقليلهم سواد المسلمين بالانخذال فيه تقوية للمشركين.
قال الجمل: «وقوله هُمْ مبتدأ، وقوله أَقْرَبُ خبره، وقوله لِلْكُفْرِ وقوله لِلْإِيمانِ متعلقان بأقرب، لأن أفعل التفضيل في قوة عاملين. فكأنه قيل: قربوا من الكفر وقربوا من الإيمان، وقربهم للكفر في هذا اليوم أشد لوجود العلامة وهي خذلانهم للمؤمنين» .
وقوله يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ جملة مستأنفة مبينة لحالهم مطلقا لا في ذلك اليوم فحسب.
أى أن هؤلاء القوم من صفاتهم الذميمة أنهم يقولون بألسنتهم قولا يخالف ما انطوت عليه قلوبهم من كفر، وما امتلأت به نفوسهم من بغضاء لكم- أيها المؤمنون-.
قال صاحب الكشاف: وذكر الأفواه مع القلوب تصوير لنفاقهم، وأن إيمانهم موجود في أفواههم معدوم في قلوبهم، بخلاف صفة المؤمنين في مواطأة قلوبهم لأفواههم» .
وقوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ تذييل قصد به زجرهم وتوعدهم بسوء المصير بسبب نفاقهم وخداعهم.
أى والله- تعالى- أعلم منكم- أيها المؤمنون- بما يضمره هؤلاء المنافقون من كفر ومن كراهية لدينكم، لأنه- سبحانه- يعلم ما ظهر وما خفى من أمورهم، وقد كشف الله لكم أحوالهم لكي تحذروهم، وسيحاسبهم يوم القيامة على أعمالهم، وسينزل بهم ما يستحقونه من عذاب مهين.

الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (168)
ثم حكى- سبحانه- لونا آخر من أراجيفهم وأكاذيبهم التي قصدوا من ورائها الإساءة إلى المؤمنين، والتشكيك في صدق تعاليم الإسلام فقال- تعالى-: الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا، لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا.
أى أن هؤلاء المنافقين لم يكتفوا بما ارتكبوه من جنايات قبيل غزوة أحد وخلالها، بل إنهم بعد انتهاء المعركة قالوا لإخوانهم الذين هم مثلهم في المشرب والاتجاه،: قالوا لهم وقد قعدوا عن القتال: لو أن هؤلاء الذين استشهدوا في أحد أطاعونا وقعدوا معنا في المدينة لما أصابهم القتل، ولكنهم خالفونا فكان مصيرهم إلى القتل.
ويجوز أن تكون اللام في قوله «لإخوانهم» للتعليل فيكون المعنى: أنهم قالوا من أجل إخوانهم الذين استشهدوا في غزوة أحد، لو أن هؤلاء الذين قتلوا أطاعونا ولم يخرجوا لبقوا معنا على قيد الحياة، كما هو حالنا الآن، ولكنهم لم يستمعوا إلى نصحنا وخرجوا للقتال فقتلوا.
وعلى كلا التفسيرين فقولهم هذا يدل على خبث نفوسهم، وانطماس بصيرتهم وجهلهم بقدرة الله ونفاذ إرادته، وشماتتهم فيما حل بالمسلمين من قتل وجراح يوم أحد.
ولذا فقد رد الله عليهم بما يخرس ألسنتهم، ويدحض قولهم، ويكشف عن جهلهم وسوء تفكيرهم فقال- تعالى- «قل فادرأوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين» .
أى قل لهم يا محمد على سبيل التوبيخ والتهكم بعقولهم الفارغة: إذا كنتم تظنون أنكم دفعتم عن أنفسكم الموت بقعودكم في بيوتكم، وامتناعكم عن الخروج للقتال، إذ كنتم تظنون ذلك فَادْرَؤُا أى ادفعوا عن أنفسكم الموت المكتوب عليكم، والذي سيدرككم ولو كنتم في بروج مشيدة.
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة الرد عليهم بما يبطل أقوالهم عن طريق الحس والمشاهدة، وذلك ببيان أن القعود عن الجهاد لا يطيل الحياة، كما أن الخروج إلى ساحات القتال لا ينقص شيئا من الآجال، فكم من مجاهد عاد من جهاده سالما، وكم من قاعد أتاه الموت وهو في عقر داره.
فزعم هؤلاء المنافقين بأن أولئك الذين استشهدوا في أحد لو أطاعوهم ولم يخرجوا للقتال لما أصابهم القتل زعم باطل، وإلا فإن كانوا صادقين في هذا الزعم فليدفعوا عن أنفسهم الموت الذي سينزل بهم حتما في الوقت الذي يشاؤه الله. ولا شك أنهم لن يستطيعوا دفعه فثبت كذبهم وافتراؤهم.
وقوله تعالى الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ في محل نصب بدل من قوله الَّذِينَ نافَقُوا.
أو في محل رفع بدل من الضمير في قوله يَكْتُمُونَ فكأنه قيل: والله أعلم بما يكتم هؤلاء الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا ...
وقوله وَقَعَدُوا حال من الضمير في قالُوا بتقدير حرف قد أى قالوا ما قالوا والحال أنهم قد قعدوا عن القتال.
وجواب الشرط في قوله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ محذوف لدلالة ما قبله عليه وهو قوله فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ.
والتقدير: إن كنتم صادقين في زعمكم أن الذين قتلوا في أحد لو أطاعوكم وقعدوا كما قعدتم لما أصابهم القتل، إن كنتم صادقين في هذا الزعم فادرأوا عن أنفسكم الموت عند حلوله.
قال الآلوسى. والمراد أن ما ادعيتموه سببا للنجاة ليس بمستقيم، ولو فرض استقامته فليس بمفيد، أما الأول: فلأن أسباب النجاة كثيرة. غايته أن القعود والنجاة وجدا معا وهو لا يدل على السببية.
وأما الثاني: فلأن المهروب عنه بالذات هو الموت الذي القتل أحد أسبابه فإن صح ما ذكرتم فادفعوا سائر أسبابه، فإن أسباب الموت في إمكان المدافعة بالحيل وامتناعها سواء، وأنفسكم أعز عليكم، وأمرها أهم لديكم» .
وقال ابن القيم: وكان من الحكم التي اشتملت عليها غزوة أحد، أن تكلم المنافقون بما في نفوسهم، فسمعه المؤمنون، وسمعوا رد الله عليهم، وجوابه لهم، وعرفوا مراد النفاق، وما يؤول إليه، كيف يحرم صاحبه سعادة الدنيا والآخرة فالله الله كم من حكمة في ضمن هذه القصة بالغة، ونعمة على المؤمنين سابغة، وكم فيها من تحذير وتخويف وإرشاد وتنبيه، وتعريف بأسباب الخير والشر ومآلهما وعاقبتهما «2» .
وبعد هذا الحديث الكاشف عن طبيعة المنافقين وعن أحوالهم، انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن الشهداء وفضلهم وما أعده الله لهم من نعيم مقيم فقال- تعالى-:

وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)
فقوله- تعالى- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ كلام مستأنف ساقه الله- تعالى- لبيان أن القتل في سبيل الله الذي يحذره المنافقون ويحذرون الناس منه ليس مما يحذر، بل هو أجل المطالب وأسناها، إثر بيان أن الحذر لا يدفع القدر، لأن من قدر الله له القتل لا يمكنه الاحتراز عنه. ومن لم يقدر له ذلك لا خوف عليه منه.
فهذه الآيات الكريمة رد على شماتة المنافقين إثر الردود السابقة، وتحريض للمؤمنين على القتال، وتقرير لحقيقة إسلامية ثابتة هي أن الاستشهاد في سبيل الله ليس فناء بل هو بقاء.
والخطاب في قوله «ولا تحسبن» للنبي صلّى الله عليه وسلّم أو لكل من يتأتى له الخطاب.
والحسبان: لظن، والنهى بلا هنا منصب على هذا الظن، أى أنهاكم عن أن تظنوا أنهم أموات، ونون التوكيد في قوله «ولا تحسبن» لتأكيد هذا النهى.
أى: لا تحسبن أيها الرسول الكريم، أو أيها المؤمن أن الذين قتلوا في سبيل الله، من أجل إعلان كلمته، لا تحسبنهم أمواتا لا يحسون شيئا ولا يلتذون ولا يتنعمون، بل هم أحياء عند ربهم، يرزقون رزق الأحياء، ويتنعمون بألوان النعم التي أسبغها الله عليهم، جزاء إخلاصهم وجهادهم وبذلهم أنفسهم في سبيل الله.
وقوله الَّذِينَ مفعول أول لقوله: تَحْسَبَنَّ وقوله أَمْواتاً مفعوله الثاني وقوله أَحْياءٌ خبر لمبتدأ محذوف أى بل هم أحياء.
وقوله عِنْدَ رَبِّهِمْ يصح أن يكون خبرا ثانيا للمبتدأ المقدر أو صفة لأحياء أو ظرفا له لأن المعنى: يحيون عند ربهم.
والمراد بالعندية هنا المجاز عن القرب والإكرام والتشريف، أى هم أحياء مقربون عنده، قد خصهم بالمنازل الرفيعة، والدرجات العالية، وليس المراد بها القرب المكاني لاستحالة ذلك في حق الله- تعالى-.
وقوله يُرْزَقُونَ صفة لقوله أَحْياءٌ وحال من الضمير فيه أى يحيون مرزوقين.
هذا وقد وردت أحاديث متعددة تصرح بأن هذه الآيات الكريمة قد نزلت في شهداء أحد، ويدخل في حكمهم كل شهيد في سبيل الله، ومن هذه الأحاديث ما أخرجه أبو داود وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها، وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش.
فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب. فقال الله- تعالى-: «أنا أبلغهم عنكم. قال: فأنزل الله هؤلاء الآيات وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً ... إلخ الآيات.
وأخرج الترمذي وابن ماجة عن جابر بن عبد الله قال: لقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا جابر مالي أراك منكسا مهتما» ؟ قلت يا رسول الله استشهد أبى- في أحد- وترك عيالا وعليه دين.
فقال: ألا أبشرك بما لقى الله- عز وجل- به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: إن الله أحيا أباك وكلمه كفاحا- أى مواجهة ليس بينهما حجاب- وما كلم أحدا قط إلا من وراء حجاب، فقال له يا عبدى تمن أعطك. قال يا رب فردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية. فقال الرب- تعالى- إنه قد سبق منى أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله- تعالى- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً ... الآية.
قال القرطبي- بعد أن ساق هذين الحديثين وغيرهما- ما ملخصه: «فقد أخبر الله- تعالى- في هذه الآيات عن الشهداء أنهم أحياء في الجنة يرزقون. والذي عليه الكثيرون أن حياة الشهداء محققة. ثم منهم من يقول: ترد إليهم الأرواح في قبورهم فينعمون، كما يحيا الكفار في قبورهم فيعذبون. وصار قوم إلى أن هذا مجاز، والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعم في الجنة. وقال آخرون أرواحهم في أجواف طير خضر وأنهم يرزقون في الجنة ويأكلون ويتنعمون. وهذا هو الصحيح من الأقوال، لأن ما صح به النقل فهو الواقع. وحديث ابن عباس- الذي سقناه قبل قليل- نص يرفع الخلاف» .
والذي تطمئن إليه النفس: أن الآية الكريمة تنبه على أن للشهداء مزية خاصة تجعلهم يفضلون الموتى المعروفين لدى الناس، وهي أنهم في حياة سارة، ونعيم لذيذ، ورزق حسن عند ربهم. وهذه الحياة الممتازة ترفعهم عن أن يقال فيهم كما يقال في غيرهم: أموات، وإن كان المعنى اللغوي للموت- بمعنى مفارقة الروح للجسد في ظاهر الأمر- حاصلا للشهداء كغيرهم من الموتى.
إلا أن هذه الحياة البرزخية التي أخبر الله بها عن الشهداء نؤمن بها كما ذكرها الله- تعالى- ولا ندرك حقيقتها، إذ لا يمكن إدراكها إلا من طريق الوحى، فقد قال- تعالى- في آية أخرى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ أى ولكن لا تحسون ولا تدركون حال هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله بمشاعركم وحواسكم، لأنها من شئون الغيب التي لا طريق للعلم بها إلا بالوحي.

فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)
ثم بين- سبحانه- ما هم فيه من مسرة وحبور فقال: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أى فرحين فرحا عظيما بعد انتقالهم من الدنيا، بما أعطاهم الله في حياتهم الجديدة من ضروب النعم المتعددة التي من بينها الثواب العظيم، والنعيم الدائم، والسعادة التي ليس بعدها سعادة.
وقوله فَرِحِينَ يصح أن يكون حالا من الضمير في يُرْزَقُونَ أو من الضمير في «أحياء» وقوله مِنْ فَضْلِهِ متعلق بآتاهم.
ومِنْ يصح أن تكون للسببية أى الذي آتاهم متسبب عن فضله. أو لابتداء الغاية وقوله
وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ معطوف على فرحين لتأويله بيفرحون. أو هو حال من الضمير في فَرِحِينَ بتقدير وهم يستبشرون ...
وأصل الاستبشار: طلب البشارة وهو الخبر السار الذي تظهر آثاره على البشرة إلا أن المراد هنا السرور استعمالا للفظ في لازم معناه.
أى: أن هؤلاء الشهداء فرحين بما آتاهم الله من فضله من شرف الشهادة، ومن الفوز برضا الله، ويسرون بما تبين لهم من حسن مآل إخوانهم الذين تركوهم من خلفهم على قيد الحياة، لأن الأحياء عند ما يموتون شهداء مثلهم سينالون رضا الله وكرامته، وسيظفرون بتلك الحياة الأبدية الكريمة كما ظفروا هم بها. فالمراد بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم: رفقاؤهم الذين كانوا يجاهدون معهم في الدنيا ولم يظفروا بالشهادة بعد، لأنهم ما زالوا على قيد الحياة.
وفي هذا دلالة على أن أرواح هؤلاء الشهداء قد منحها الله- تعالى- من الكشف والصفاء ما جعلها تطلع على ما يسرها من أحوال الذين يهمهم شأنهم في الدنيا.
وقيل: إن معنى لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم.
وقوله مِنْ خَلْفِهِمْ متعلق بمحذوف حال من فاعل يَلْحَقُوا أى لم يلحقوهم متخلفين عنهم باقين بعد في الدنيا. أو متعلق بقوله يَلْحَقُوا ذاته على معنى أنهم قد يقوا بعدهم وهؤلاء الشهداء قد تقدموهم.
وقوله أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ بدل اشتمال من قوله بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مبين لكون استبشارهم بحال إخوانهم لا بذواتهم.
والمعنى: ويستبشرون بما تبين لهم من حال الذين تركوهم من خلفهم في الدنيا من رفقائهم المجاهدين، وهو أنهم لا خوف عليهم في المستقبل ولا هم يحزنون على ما تركوه في الدنيا، بل هم سيكونون آمنين مطمئنين بعد فراقهم للدنيا وعند ما يبعثون يوم القيامة.
ونفى عنهم الخوف والحزن، لأن الخوف يكون بسبب توقع المكروه النازل في المستقبل.
والحزن يكون بسبب فوات المنافع التي كانت موجودة في الماضي. فبين- سبحانه- أنه لا خوف عليهم فيما سيأتيهم من أحوال القيامة، ولا حزن لهم فيما فاتهم من متاع الدنيا.

۞ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)
وقوله يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ استئناف مبين لما هم عليه من سرور يتعلق بذواتهم. بعد أن بين- سبحانه- سرورهم بحال الذين لم يلحقوا بهم.
والمعنى أن هؤلاء الشهداء يستبشرون بحال إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم.
كما أنهم يستبشرون أيضا لأنفسهم بسبب ما أنعم الله به عليهم من نعم جزيلة وبسبب ما تفضل به عليهم من زيادة الكرامة، وسمو المنزلة.
وهذا يدل على أن هؤلاء الشهداء لا يهتمون بشأن أنفسهم فقط. وإنما يهتمون أيضا بأحوال إخوانهم الذين تركوهم في الدنيا، وفي ذلك ما فيه من صفاء نفوسهم، وطهارة قلوبهم، حيث أحبوا الخير لغيرهم كما أحبوه لأنفسهم، بل إن تقديم استبشارهم بحال إخوانهم على استبشارهم بما يتعلق بأنفسهم ليشعر بأن اهتمامهم بحال إخوانهم أشد من اهتمامهم بحال أنفسهم.
ويرى بعضهم أن الضمير في قوله يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ يعود على الذين لم يلحقوا بهم فتكون جملة يَسْتَبْشِرُونَ حالا من الذين لم يلحقوا بهم. وعليه يكون المعنى: أن هؤلاء الذين لم يلحقوا بهم لا خوف عليهم ولا حزن، فهم مستبشرون بنعمة من الله وفضل..» .
وقوله وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ معطوف على بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ، وهذا على قراءة الجمهور بفتح همزة أن على معنى وبأن.
والتقدير: يستبشرون بنعمة من الله وفضل وبأن الله- تعالى- لا يضيع أجر المؤمنين، وإنما سيعطيهم النصر والعزة والكرامة جزاء جهادهم.
وقرأ الكسائي «وإن الله لا يضيع أجر المؤمنين» ، بكسر همزة إن على الاستئناف والمقصود من الآية الكريمة بيان أن كل مؤمن يخاف مقام ربه وينهى نفسه عن الهوى، ويجاهد في سبيل إعلاء كلمة الله فإن الله- تعالى- لا يضيع شيئا من أجره، بل يعطيه من الجزاء الحسن- بفضله وإحسانه- أكثر مما يستحق.

الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)
ثم مدح- سبحانه- المؤمنين الصادقين الذين لم تمنعهم جراحهم وآلامهم عن الاستجابة لأمر رسولهم صلى الله عليه وسلّم فقال- تعالى-: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ.
قال الفخر الرازي ما ملخصه: اعلم أن الله- تعالى- مدح المؤمنين على غزوتين تعرف إحداهما: بغزوة حمراء الأسد، والثانية: بغزوة بدر الصغرى، وكلتاهما متصلة بغزوة أحد.
أما غزوة حمراء الأسد فهي المرادة من هذه الآية، فإن الأصح في سبب نزولها أن أبا سفيان وأصحابه بعد أن انصرفوا من أحد وبلغوا الروحاء، ندموا وقالوا: إنا قتلنا أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل فلم تركناهم؟ بل الواجب أن نرجع ونستأصلهم، فهموا بالرجوع.
فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأراد أن يرهب الكفار ويريهم من نفسه ومن أصحابه قوة.
فندب أصحابه إلى الخروج في طلب أبى سفيان وقال: لا أريد أن يخرج الآن معى إلا من كان معى في القتال- في أحد-.
فخرج الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع قوم من أصحابه حتى بلغوا حمراء الأسد. وهي مكان على بعد ثمانية أميال من المدينة.
فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فانهزموا.
وروى أنه كان فيهم من يحمل صاحبه على عنقه ساعة، ثم كان المحمول يحمل الحامل ساعة أخرى. وكان كل ذلك لإثخان الجراح فيهم، وكان فيهم من يتوكأ على صاحبه ساعة ويتوكأ عليه صاحبه ساعة.
وقوله اسْتَجابُوا بمعنى أجابوا. وقيل: استجابوا، أصلها طلبوا الإجابة لأن الأصل في الاستفعال طلب الفعل. والقرح: الجراح الشديدة.
والمعنى: أن الله- تعالى- لا يضيع أجر هؤلاء المؤمنين الصادقين، الذين أجابوا داعي الله وأطاعوا رسوله، بأن خرجوا للجهاد في سبيل عقيدتهم بدون وهن أو ضعف أو استكانة مع مآبهم من جراح شديدة، وآلام مبرحة.
ثم بين- سبحانه- جزاءهم فقال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ أى الذين أحسنوا منهم بأن أدوا جميع المأمورات، واتقوا الله في كل أحوالهم بأن صانوا أنفسهم عن جميع المنهيات، لهؤلاء أجر عظيم لا يعلم كنهه إلا الله- تعالى-.
وقوله الَّذِينَ اسْتَجابُوا في موضع رفع على الابتداء وخبره قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ويجوز أن يكون في موضع جر على أنه صفة للمؤمنين في قوله: وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ.
قال صاحب الكشاف: و «من» في قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ للتبيين مثلها في قوله- تعالى- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً. لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم واتقوا لا بعضهم .
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)
ثم مدحهم- سبحانه- على ثباتهم وشجاعتهم وحسن اعتمادهم على خالقهم- عز وجل-، بعد أن مدحهم قبل ذلك على حسن استجابتهم لله ولرسوله فقال- تعالى-:
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
قال الفخر الرازي ما ملخصه: نزلت هذه الآية في غزوة بدر الصغرى، وذلك أن أبا سفيان لما عزم على الانصراف إلى مكة في أعقاب غزوة أحد نادى: يا محمد موعدنا موسم بدر الصغرى فنقتتل بها إن شئت. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمر: قل له بيننا وبينك ذلك إن شاء الله.
فلما حضر الأجل خرج أبو سفيان مع قومه حتى نزل بمر الظهران، فألقى الله الرعب في قلبه، فبدا له أن يرجع. فلقى نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فقال له: يا نعيم، إنى وعدت محمدا أن نلتقي بموسم بدر. وإن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر، ونشرب فيه اللبن. وقد بدا لي أن أرجع. ولكن إن خرج محمد ولم أخرج زاد بذلك جراءة علينا، فاذهب إلى المدينة فثبطهم ولك عندي عشرة من الإبل.
فخرج نعيم إلى المدينة فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم: ما هذا بالرأى. أتوكم في دياركم وقتلوا أكثركم فإن ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد.
فوقع هذا الكلام في قلوب قوم منهم. فلما رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك قال: «والذي نفسي بيده لأخرجن إليهم ولو وحدي» .
ثم خرج صلّى الله عليه وسلّم في جمع من أصحابه، وذهبوا إلى أن وصلوا إلى بدر الصغرى- وهي ماء لبنى كنانة وكانت موضع سوق لهم يجتمعون فيها كل عام ثمانية أيام- ولم يلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه أحدا من المشركين.
ووافقوا السوق وكانت معهم نفقات وتجارات فباعوا واشتروا أدما وزبيبا، وربحوا وأصابوا بالدرهم درهمين، وانصرفوا إلى المدينة سالمين.
أما أبو سفيان ومن معه فقد عادوا إلى مكة بعد أن وصلوا إلى مر الظهران ...
وقيل إن الذين قابلهم أبو سفيان عند خروجه من مكة جماعة من بنى عبد القيس، وقد قال لهم ما قاله لنعيم بن مسعود عند ما أزمع العودة إلى مكة بعد أن قذف الله الرعب في قلبه من لقاء المسلمين.
وعلى أية حال ففي سبب نزول هذه الآية والتي قبلها أقوال أخرى للمفسرين اكتفينا بما ذكرناه خشية الإطالة..
وقوله الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ بدل من قوله الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ أو صفة له.
أو في محل نصب على المدح أى أمدح الذين قال لهم الناس ... إلخ.
والمراد في الموصول في الآيتين طائفة واحدة من المؤمنين وهم الذين لم تمنعهم الجراح عن الخروج للقتال، ولم يرهبهم قول من قال لهم بعد ذلك إن الناس قد جمعوا لكم.
والمراد من الناس الأول وهو قوله الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ جماعة بنى عبد القيس أو نعيم بن مسعود.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت كيف قيل «الناس» إن كان نعيم هو المثبط وحده؟
قلت: قيل ذلك لأنه من جنس الناس كما يقال: فلان يركب الخيل، ويلبس البرد وماله إلا فرس واحد وبرد فرد. أو لأنه حين قال ذلك لم يخل من ناس من أهل المدينة يضامونه، ويصلون جناح كلامه، ويثبطون مثل تثبيطه .
والمراد من الناس الثاني وهو قوله: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ أبو سفيان ومن معه. فأل فيهما للعهد، والناس الثاني غير الأول.
وقوله- تعالى- حكاية عن هؤلاء المثبطين: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ أى إن أعداءكم المشركين قد جمعوا لكم جموعا كثيرة ليستأصلوكم، فاخشوهم ولا تخرجوا لقتالهم.
وحذف مفعول جَمَعُوا فلم يقل: جمعوا جيشا كبيرا أو جمعوا أنفسهم وعددهم وأحلافهم وذلك ليذهب الخيال كل مذهب في مقدار ما جمعوا من رجال وسلاح وأموال، ولكن هذا القول الذي صدر من هؤلاء المثبطين، لم يلتفت إليه المؤمنون الصادقون المخلصون في جهادهم وفي اعتمادهم على خالقهم، بل كانوا كما أخبر الله تعالى- عنهم فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
أى أن هذا القول الذي قاله المثبطون، زاد المؤمنين إيمانا على إيمانهم، ويقينا على يقينهم، وثباتا على ثباتهم، وجعلهم يقولون للمرجفين بثقة واطمئنان: حَسْبُنَا اللَّهُ أى كافينا الله أمر أعدائنا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ أى نعم النصير خالقنا- عز وجل- فهو الموكول إليه أمرنا ومصيرنا.
وقولهم هذا يدل دلالة واضحة على قوة إيمانهم، وشدة ثقتهم في نصر الله- تعالى- لهم، مهما كثر عدد أعدائهم، ومهما تعددت مظاهر قوتهم.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف زادهم نعيم أو مقوله إيمانا؟ قلت: لما لم يسمعوا قوله وأخلصوا عنده النية والعزم على الجهاد، وأظهروا حمية الإسلام، كان ذلك أثبت ليقينهم، وأقوى لاعتقادهم، كما يزداد الإيقان بتناصر الحجج. ولأن خروجهم على أثر تثبيطه إلى جهة العدو طاعة عظيمة، والطاعات من جملة الإيمان، لأن الإيمان اعتقاد وإقرار وعمل. وعن ابن عمر: قلنا يا رسول الله: إن الإيمان يزيد وينقص؟ قال: «نعم. يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار» . وعن عمر- رضى الله عنه- أنه كان يأخذ بيد الرجل
فيقول: قم بنا نزداد إيمانا. وعنه: «لو وزن إيمان أبى بكر بإيمان هذه الأمة لرجح به» .
وقال ابن كثير: روى البخاري عن ابن عباس: قال: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» قالها إبراهيم- عليه السلام- حين ألقى به في النار. وقالها محمد صلّى الله عليه وسلّم حين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم» .
وعن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا: (حسبنا الله ونعم الوكيل).