الامر بالمعروف والنهي عن المنكر - محمود شلبي


اضغط على الصورة للتكبير
Click on photo to see it big


الامر بالمعروف والنهي عن المنكر 
( الفريضة السادسة في الاسلام  عند بعض العلماء )
هل تعلم بان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو فرض وواجب على كل مسلم ؟ كل واحد بقدر طاقته وقدرته وكل واحد على قدر مسؤوليته ؟
وهل تعلم بان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبر الفريضة السادسة في الاسلام عند بعض علماء المسلمين ؟


( كلمة  للدكتور محمد راتب النابلسي رحمه الله  عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر )

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر استمرار لرسالات الأنبياء :
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وكرمه أعظم تكريم ، كلفه بطاعته ، وسخر له ما في السموات والأرض من أجله ، منحه نعمة العقل ، منحه حرية الاختيار ، أودع فيه فطرة تكشف له خطأه من صوابه . 
 أيها الأخوة الأكارم ؛ فإذا نسي الإنسان ما كلف به ، وإذا غفل عن مهمته ، وإذا سها عما ينتظره من حساب دقيق ، كانت رحمة الله سبحانه وتعالى بأن أنزل الكتب ، وأرسل الرسل ، ولكن بعد انتقال او وفاة الرسل ماذا ؟ من يقوم بمهمتهم ؟ الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى أمر مجموع المسلمين أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر . 
 إن الأمر بالمعروف ، وإن النهي عن المنكر هو في الحقيقة استمرار لرسالات الأنبياء ، لذلك دققوا في هذه الآية ، قال تعالى :
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
( سورة آل عمران: 104)
 ولتكن ؛ اللام لام الأمر ، ولام الأمر إذا أضيفت إلى الفعل المضارع انقلب الفعل المضارع إلى فعل أمر .
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
( سورة آل عمران: 104)
 فأن يأمر بعض المسلمين بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، هذا أمر واجب يقتضي التنفيذ . أما كلمة منكم فمن للتبعيض ، أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا قام به البعض سقط عن الكل ، أما كلمة أمة فتعني أشخاص يؤتمُّ بهم ، أو يؤمُّهم الناس ، أي في موضع متألقٍ ، في نزاهة ، وفي نظافة ، وفي منطق ، وحكمة ، وورع .
 ولتكن منكم أمة . أشخاص يؤتم بهم ، أشخاص يضاف إلى إبلاغهم أنهم قدوة في أفعالهم . ولتكن منكم أمة . هذه الأمة التي يؤتم بها ، أو التي يؤمها الناس ، هذه الأمة ما مضمون دعوتها ؟ يدعون إلى الخير.
الخير المطلق يكمن في التعرف على الله عز وجل :
 أيها الأخوة الأكارم ؛ ما الخير المطلق ؟ الخير المطلق أن تتعرف إلى الله ، وأن تتعرف إلى منهجه ، وأن تسير على منهجه ، عندئذ تنال خيري الدنيا والآخرة .
 يقول الإمام علي كرم الله وجهه : " يا بني ما خير بعده النار بخير ، وما شر بعده الجنة بشر، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، يدعون إلى الله ، يدعون إلى معرفة الله ، يدعون إلى معرفة منهجه ، يدعون إلى تطبيق أمره ، يدعون إلى السير إليه ، يدعون إلى الاتصال به ، يأمرون بالمعروف ، يدعون إلى الخير . الخير المطلق هو رب العزة ، ويأمرون بالمعروف . أي إذا وجدوا تقصيراً أمروهم بتلافي هذا التقصير . ما هو معروف من الدين ، ما هو معروف بالفطرة ، ما هو معروف بالعقل . العقل والفطرة والشرع يصبَّان في خانة واحدة . العقل والفطرة والشرع ينطلقان من منطلق واحد . فما عرفه العقل ، وما عرفته الفطرة ، وما عرّفه الدين هو المعروف ، وما أنكره العقل ، وما أنكرته الفطرة ، وما أنكره الشرع هو المنكر . يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر . 
 أيها الأخوة الأكارم ؛ في الكون حقيقة واحدة وهي أن الله موجود ، وهو واحد ، وهو كامل . أي سلوك ، أي نشاط بشري ، يقربنا من هذه الحقيقة الخالدة فهو المعروف ، وأي سلوك ، أو نشاط بشري ، يبعدنا عن هذه الحقيقة فهو منكر . الله عز وجل هو القصد ، والهدف ، فإذا ابتعدت عنه فأنت في المنكر ، وإذا اقتربت منه فأنت في المعروف . فالمعروف ما عرفه العقل ، وما عرفته الفطرة ، وما عرّفه الشرع ، وما قربك من الله ، وما قربك من الجنة. والمنكر ما أنكره العقل ، وما أنكرته الفطرة ، وما أنكره الشرع ، وقربك من النار ، أو أبعدك عن الجنة . هذه الأمة يجب أن تكون متفوقة ، في أخلاقها ، في بيانها ، في نزاهتها ، في إخلاصها . ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون . 
 ورد في بعض التفاسير أن الفلاح أن تبقى فلا تفنى ، وأن تُعَزَّ فلا تَذِلّ ، وأن تغتني فلا تفتقر ، وأن تعلم فلا تجهل . أي : بقاءٌ بلا فناء ، وعزٌ بلا ذل ، وغنى بلا فقر ، وعلمٌ بلا جهل . هذا هو الفلاح . الفلاح أن تصل إلى الجنة ، أن تصل إلى ما خُلِقت له ، أن تصل إلى حياة أبدية لا نغص ، ولا قلق ، ولا مرض ، ولاهمّ ، ولا حزن ، ولاشيءٌ من هذا القبيل . هذا هو الفلاح . قالوا : وأولئك هم المفلحون . الدّاعون مفلحون ، والذين استجابوا مفلحون . الفلاح يشمل الدّعاة والمدعوين ، والمتكلمين والمستمعين ، والآمرين والمؤتمرين ، والنّاهين والمنتهين . ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون . ولكن هذا أيها الأخوة لن يكون إلا إذا عرفت الله حق المعرفة ، فإن لم تعرفه حق المعرفة قد تخشى غيره .
مواجهة الأمر بالمعروف للعديد من الصعوبات :
 لكن الأمر بالمعروف يواجه صعوبات ، هناك شهوات ، وهناك أقوياء ، وهناك أصحاب مصالح . فإذا أمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، ربما أفسدت على أصحاب الشهوات شهواتهم ، ربما أفسدت على أصحاب المصالح مصالحهم ، ربما أفسدت على أصحاب القوة مكانتهم . فلذلك لابد أن تواجه صعوباتٍ في الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ولا بد من أن تَتَسلّح بمعرفة الله ، ولا بد من أن تَبلُغ في التوحيد مستوىً لا ترى غير الله ، ولا ترى فاعلاً إلا الله ، ولا نافعاً إلا الله ، ولا ضاراً إلا الله ، ولا معطي إلا الله ، ولا آخذاً إلا الله .
 لذلك حينما وصف الله سبحانه وتعالى ، الذين يبلغون رسالات الله لهم آلاف الصّفات . لاشك أنهم صادقون ، وأمينون ، ومطبِّقون ، ولكن كل هذه الصفات أغفلها الله عز وجل ، وذكر صفةً واحدةً لو أُلغِيت لأُلغِي الموصوف ، لو ألغيت لألغيت الدعوة كلِّها . قال تعالى :
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ﴾
( سورة الأحزاب : 39)
 لو أن هؤلاء الذين يبلغون رسالات اللهِ خَشَوا غير الله ، كانت خشيتهم من غيرِ الله ، هذه الخشية تحملهم على أن ينطقوا بالباطل ، وعن أن يسكتوا عن الحق . لذلك الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ، لا يخشون أحداً إلا الله .
الفرق بين أمة الاستجابة و أمة التبليغ :
 أيها الأخوة الأكارم ؛ يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾
( سورة آل عمران : 110)
 كنتم خير أمة ، معنى كنتم أي أصبحتم ، بعد أن جاءتكم الرسالة أصبحتم بهذه الرسالة ، خير أمة أُخرجت للناس . 
 أيها الأخوة ؛ لكن العلماء فرّقوا تفريقاً دقيقاً بين أمة الدعوة والتبليغ وبين أمة الاستجابة . فَلِمجرد أن تولد في بلاد المسلمين ، من أبٍ مسلمٍ وأمٍ مسلمةٍ ، فأنت من أمة محمد صلى الله عليه وسلم . ولكن هذا الانتساب لا إلى أمة الاستجابة ، بل إلى أمة التبليغ . لذلك لا عبرة أن تكون في عداد أمة التبليغ أبداً ، ولا قيمة لأن تكون في عداد أمة التبليغ أبداً ، وليس لك مِيزة إذا كنت في عداد أمة التبليغ . لن تُعَد فعلاً من أمة هذا النبي العظيم إلا إذا استجبت له . لذلك اسأل نفسك هذا السؤال : من أي الأمتين أنت ؟ من التبليغ أم من أمة الاستجابة؟ قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
( سورة الأنفال: 24 )
 فأن يفرح الإنسان فرحاً ساذجاً ، وأن يتوهم توهماً باطلاً ، أنه من أمة محمد ، وهو لم يطبق من سُنّة النبي شيئاً هذا لا ينفعه . فلذلك انتماء المسلمين إلى نبيهم انتماءً شكلياً لا يرفعهم عن مستوى الناس الآخرين . لهذا سيدنا عمر رضي الله عنه حينما قال لِسعد بن أبي وقاص : " يا سعدُ لا يَغُرَنّك أنه قد قيل خال رسول الله ، فالخلق كلهم عند الله سواسية ، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له ".
 الطاعة وحدها هي التي تنقلك من أمة الدعوة إلى أمة الاستجابة ، الطاعة وحدها تنقلك من انتماءٍ لا معنى له إلى انتماءٍ له كل المعاني .
علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :
 أيها الأخوة الأكارم ؛ لماذا أنتم أيتها الأمة كنتم خير أمة أخرجت للناس ؟ الله سبحانه وتعالى لا يحابي أحداً . أمن طينة خاصة نحن ؟ أمن جِبلَّةٍ خاصة ؟ ألنا ميزاتٌ خاصة؟ لماذا قال الله عز وجل : كنتم خير أمة أخرجت للناس ؟ جاء الجواب : تأمرون بالمعروف ، وتنهون عن المنكر ، وتؤمنون بالله . لولا أنكم تأمرون بالمعروف ، ولولا أنكم تنهون عن المنكر ، ولولا أنكم تؤمنون بالله . لما كان لكم هذه الميزة إطلاقاً . كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف ، وتنهون عن المنكر ، وتؤمنون بالله . عِلّة هذا كله أنكم تؤمنون بالله . لذلك قال الله تعالى :
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾
(  سورة البقرة: 143 )
 بمعنى أنكم وسطاء بين الحق وبين الخلق ، وهذه مَرتبةٌ علية .
البلاء عاقبة من لم يأمر بالمعروف و لم ينه عن المنكر :
 أيها الأخوة الأكارم ؛ آية ثالثة . يقول الله عز وجل :
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾
( سورة التوبة : 71)

 من صفات المؤمنين الثابتة أنهم يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر . لكن ماذا يحدث لو عطلنا هذه الفريضة السادسة .
 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند بعض العلماء الفريضة السادسة ، ماذا يحصل ؟ ماذا يكون لو عُطِلت هذه الفريضة السادسة ؟ لو جاملنا بعضنا بعضاً ، لو استَحيا بعضنا من بعض ، لو آثرنا السلامة على الأمر بالمعروف . قال تعالى :
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
(سورة الأنفال : 25)
 عندئذٍ يعمُّ البلاء ، حينما تشيع الفحشاء ، ويفشو المنكر ، أو حينما يصبح المنكر معروفاً ، والمعروف منكراً ، أو حينما تأمرون بالمنكر ، وتنهون عن المعروف . عندئذٍ يعمُّ البلاء ، عندئذ يصبح البلاء عامَّاً ، لأن أناساً فعلوا المنكر ، وأناساً سكتوا عن هذا المنكر . ومن رضي بمعصية كان كمن شهدها ولو غاب عنها ، ومن شهد منكراً فأنكره كان كمن غاب عنه . 
 أيها الأخوة الأكارم ؛ عودة إلى التاريخ ، قال تعالى :
﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾
(سورة المائدة: 78)
 ما كانت أنواع معاصيهم ؟ وما كان نوع عدوانهم ؟ قال :
﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾
(سورة المائدة: 79)
 أكبر معصية اقترفها بنو إسرائيل حتى استحقوا اللعن من الله عز وجل :
﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾
(سورة المائدة: 79)
 والنبي عليه الصلاة والسلام قال :
( إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ : يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهِ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ. ثُمَّ قَالَ : لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)  (أخرجه أبو داود عن ابن مسعود)
 وعن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
((لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ))
(  الترمذي عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ)
 وفي حديث ثالث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام:
( لا يحقرن أحدكم نفسه ، قالوا يا رسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : إن لله عليه مقالاً ثم لا يقول فيه فيقول الله له يوم القيامة : يا هذا ما منعك أن تقول في كذا كذا ؟ فيقول : خشية الناس ، فيقول الله عز وجل : فإياي كنت أحق أنت تخشى) (أخرجه أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري)
 النبي عليه الصلاة والسلام أوتي جوامع الكلم ، وكان من أعظم البلغاء ، بل إن كلامه يُعد أبلغ كلام بعد كتاب الله ، استخدم الصورة أو المشهد وضرب المثل ، فمن أروع أمثلته قال عليه الصلاة والسلام :
(عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُدَّهِنِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ فَيَصُبُّونَ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا لَا نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا فَإِنَّنَا نَنْقُبُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي قَالَ فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعًا وَإِنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعًا  ) (الترمذي وأحمد عن النعمان بن بشير)
 قوم ركبوا في سفينة ، وتوزعوا الأمكنة فيما بينهم ، أصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مرّوا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا من نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، قال عليه الصلاة والسلام : " فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ". أي المجتمع البشري يشبه أناساً يركبون قارباً واحداً ، فسلامتهم جميعاً واحدة ، وأخطارهم واحدة ، ولكن الإنسان إذا رأى المنكر قد شاع وهو أضعف من أن يغيره عليه أن يلزم بيته ، عليه أن يبتعد عن الفتن ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
( فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعًا وَإِنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعًا)
( الترمذي وأحمد عن النعمان بن بشير)
 الأسرة أفراد يركبون قارباً واحداً ، فحينما يتساهل الأب مع أولاده في تربيتهم إن عنصراً واحداً في الأسرة بإمكانه أن يفسد الأسرة كلها .
طرق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :
 أيها الأخوة الأكارم ؛ إتماماً لهذا الموضوع لابد من التنويه بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة سادسة ، ولكن كيف تتم هذه الفريضة ؟ هناك طرق ثلاث ؛ الطريق الأول هو التغيير باليد ، وهذا من خصائص أولي الأمر ، أو من خصائص رب الأسرة ، أو من ولي عليه . أي إذا كنت أنت من أولي الأمر ، هذه الأسرة من الآمر فيها ؟ الزوج أو الأب ، وهذا الصف ؟ أنت أيها المعلم من أولي الأمر ، أي حينما يناط الأمر إلى إنسان ولو على اثنين فهذا الإنسان من أولي الأمر لأن أمره نافذ ، ومادام أمره نافذاً فعليه أن يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر عن طريق التغيير باليد ، فإن لم يستطع فبلسانه ، عليه أن يأمر بلسانه ، وأن ينهى بلسانه ، وأن يوضح بلسانه ، وهذه مهمة العلماء والداعين إلى الله عز وجل . ولكن لابد من أن تكون عالماً بالأمر والنهي حتى تأمر بالمعروف أو تنهى عن المنكر ، ليس كل إنسان مؤهلاً أن يكون آمراً بالمعروف ، أو ناهياً عن المنكر ، لابد من أن يعلم المنكر والمعروف ، ولابد من أن يملك الحكمة ، لأنه لو أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، ونتج من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منكرٌ أشدّ من المنكر الذي نهيت عنه فهذا ليس من الحكمة . فإن لم تستطع أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بلسانك ، فلا بد من شيء آخر وهو أن تنكره بقلبك . وقد يفهم الناس أن الإنكار بالقلب يكفي أن تقول في قلبك : اللهم إن هذا منكر لا أرضى به ، هذا وهم باطل ، الإنكار بالقلب يقتضي أن تبتعد عن موطن المنكر . كما قال النبي عن بني إسرائيل . . حينما تجالسه ، وحينما تأكل معه ، وحينما تقيم معه علاقة حميمة ، إنكارك في قلبك لما يصنع ليس هو الذي أراده النبي ، من لوازم التغيير باليد أن تكون من أولي الأمر ، أن تكون رب أسرة ، وأن تكون قيماً على أناس ، ومن لوازم التغيير باللسان ، أن تكون عالماً وحكيماً ، ومن لوازم الإنكار بالقلب أن تنسحب من هذا المجتمع الذي فيه المنكر ، ولا تقوى لا على إصلاحه بيدك ، ولا بلسانك . أي أن تجلس مع أناس يفعلون المنكرات وتقول : أنا أنكر بقلبي الحمد لله . كلا ، فجلوسك معهم لا قيمة لإنكار قلبك له ، فلذلك التغيير باليد لأولي الأمر، والنصح والإرشاد لمن يعلم ولمن كان حكيماً ، والإنكار في القلب يجب أن يتبعه البعد عن هذا الموطن الذي يقام فيه المنكرات .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ العلماء قالوا : لا يقبل منك أن تنهى عن المنكر بلسانك وأنت قادر على أن تغيره بيدك ، ولا يقبل منك أن تنكره بقلبك وأنت قادر على أن تنكره بلسانك ، والإنسان حسيب نفسه ، قال تعالى :
﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾  (سورة القيامة: 14-15)
 والآيات كثيرة جداً :
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ ( سورة طه: 132)
﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ (سورة النساء: 114)
 قل هذه سبيلي ، هذه كلها - أيها الأخوة- مدعاة لأن نصلح في أسرنا ، وفي مجتمعنا ؛ العامل في معمله ، والمزارع في حقله ، كل إنسان مسؤول . وأدق ما قاله النبي في هذا المعنى :
(  كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )  ( متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)

المعروف والمنكر معروفان في أصل الفطرة :
فطرة الإنسان أصلاً تعرف المعروف اي العمل الطيب  وتحبه  ابتداء من دون تعليم ، و المنكر تنكره النفوس إنكاراً ابتداء من دون تعليم ، لكن هناك نقطة دقيقة جداً في علم النفس ، وجدوا أن هناك صفات كثيرة ً تطفو على سطح الحياة ، و كل مجموعة من هذه الصفات تعود إلى سمة في أعماق الإنسان ، فلو أن هناك سمة الضبط ، فصاحب هذه السمة العميقة حساباته مضبوطة ، مواعيده مضبوطة ، كلامه مضبوط ، علاقاته مضبوطة ، السمة أي صفة عميقة جداً في أصل تكوين الإنسان تطفو على السطح بشكل صفات متعددة ، لكنها تنتمي إلى جذر واحد ، إذاً: الإنسان في أصل فطرته ينكر المنكر من دون تعليم ، من دون توجيه ، من دون دراسة ، و يعرف المعروف 
لذلك ، الذين يرون أن الإنسان لا يحاسب أبداً إن لم تأته الرسالة إطلاقاً فهناك رأي معتدل ، أن الله يحاسب الإنسان على عقل أودعه فيه يعرفه بربه ، وعلى فطرة أودعها فيه تعرفه بخطئه 
لكن هذا الذي لم تصله الرسالات لا يحاسب على تفاصيل الشريعة ، أما لو أن إنسانا بغابة ، وأكل ، ولم يطعم أمه يشعر بضيق ، لأنه عاش مع الكائنات العجماوات ، ولم يتلق أي علم ، لكن له أم إلى جانبه ، فإذا أكل ولم يطعمها يشعر بضيق ، إذاً في أصل تكوين الإنسان هو يُنكر المنكر ، ويعرف المعروف ، وهذا من أروع تسميات المعروف والمنكر .
الآن في القضاء البريطاني هناك المحلفون ، يأتون بإنسان من الطريق ، من مهن مختلفة ، من مستويات ثقافية مختلفة ، يعرضون على هؤلاء المحلفين قضية ، جريمة ، فمعظم هؤلاء بعيدون عن الضغوط والاغراءات والمسؤوليات والابتزاز ، فينطقون بالحكم الصحيح العادل ، بحسب فطرهم السليمة ، وهذا منطلق المحلفين في القضاء البريطاني ، إنسان بفطرته يكشف الحق والباطل ، وأنا في لقاءات سابقة أشرت إلى أنه حتى الحيوانات ، القطة حينما تخطف قطعة لحم تأكلها بعيدة عنك ، تعرف أنها أخطأت ، أما حينما تطعمها أنت تأكلها أمامك دون خوف .

معنى الآية ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
لهذه الآية معان كثيرة ، لكن من أوجه هذه المعاني أن بعض العلماء يقولون : كنتم بمعنى أصبحتم ، بعد أن جاءتكم هذه الرسالة الخاتمة ، الكتاب المنزل على النبي الكريم ، و هو خاتم الكتب ، هذه الرسالة هي لكل الأمم و الشعوب ، ولكل الأعصار والأمصار ، و لنهاية الدوران ، أي أيتها الأمة حينما نزل على نبيكم الوحي أصبحتم بهذه الرسالة خير أمة أخرجت للناس ، هناك من يعتمد على هذا المعنى .
علة الخيرية : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله :
لكن الجواب الحاسم أن هذه الخيرية لها علة ، علتها تأمرون بالمعروف ، وتنهون عن المنكر ، وتؤمنون بالله ، ثلاثة أشياء ، فما لم تتحقق هذه العلة فنحن قطعاً لسنا خير أمة أخرجت للناس .
أمة الإسلام قسمان : أمة الاستجابة وأمة التبليغ :
لذلك قسموا أمة النبي عليه الصلاة والسلام إلى أمتين ، أمة الاستجابة ، وهي خير أمة أخرجت للناس ، وإلى أمة التبليغ ، أمة التبليغ هناك آية تنطبق عليها ، هؤلاء الذين قالوا :
﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾  ( سورة المائدة : 18 )
بماذا ردّ الله عليهم ؟ قال  :﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾  ( سورة المائدة : 18)
حينما يبتعد المسلمون عن الإيمان ، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يفقدون خيريتهم ، هم أمة كأية أمة خلقها الله عز وجل ، إذا هان أمر الله عليهم هانوا على الله ، هذه حقيقة مرة ، لكنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، نحن خير أمة إذا آمنا بالله الإيمان الذي يحملنا على طاعته ، واذا  أمرنا بالمعروف ، واذا  نهينا عن المنكر .
وانه من أسباب هلاك الأمم : عدم التناهي عن المنكر :
وهناك بحث دقيق جداً عالجته في لقاءات قديمة أسباب هلاك الأمم ، أحد أكبر أسباب هلاك الأمم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ، فأن تأمر بالمعروف ، وأن تنهى عن المنكر هذا سلوك يحصن المجتمع . أما أن نجامل ، و نجامل ، و نمدح بلا أسباب ، و بلا مؤهلات ،
 و ننجو من أي قلق ، أو أي اعتلال ، فهذا سلوك لا يرضي الله عز وجل ،
( وإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ) ( متفق عليه عن عائشة )
هذا الموقف العدل ، فلذلك نحن خير أمة بسبب أننا إذا آمنا بالله الإيمان الذي يحملنا على طاعته ، ثم أمرنا بالمعروف ، ونهينا عن المنكر ، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى ما سيكون ، و قد أعلمه الله بما سيكون ، لا يعقل النبي عليه الصلاة والسلام أن يعلم ما سيكون بذاته ، إلا أن يعلمه الله ، هذه قضية عقيدة ، إن الله عز وجل أمره أن يقول :﴿ قُلْ لاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ ﴾
لكن إذا حدثنا عن أشراط الساعة فهذا من إعلام الله له ، قال :
كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ؟ ـ الصحابة صعقوا ـ قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟
أول مرحلة : كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ، و لم تنهوا عن المنكر ، قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ ـ الصاعقة أشد ـ قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ ـ المرحلة الثالثة أخطر مرحلة ـ قال : كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟
تبدلت القيم ، الآن تبدلت مع ممارسة الخطأ ، والإصرار عليه ، انطمست فطرهم ، فأصبح الذي يأخذ ما ليس له شاطراً ، و أصبحت المتـفلـتة راقية ، و أن تلد الأمة ربتها ، و لا تعنى بأمها التي ولدتها وربتها ، تحـتـقر الجيل السابق ، وتتطلع إلى شيء لا يرضي الله عز وجل ، ولا يرضي القيم الثابتة في الإنسان .

السؤال المطروح الان هو كيف يكون الامر بالمعروف ووكيف يكون النهي عن المنكر ؟
وما هي ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
الرسول الكريم اعطى الاجابة على هذه الاسئلة في الحديث الشريف حيث قال   :
( من أمر بالمعروف فليكن أمره بالمعروف ، ومن نهى عن المنكر فليكن نهيه بالمعروف ) ( ورد في الأثر )
النبي عليه الصلاة والسلام علمنا الحكمة ، علمنا أن نحاور الطرف الآخر حواراً لطيفاً ، قال تعالى :
﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ ( سورة سبأ : 24 )
الأمر بالمعروف يتعلق بهوية الإنسان ، الله عز وجل يقول :﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ ( سورة النساء : 59)
الإمام الشافعي له رأي رائع في أولي الأمر ، من هم أولو الأمر ؟ قال : " العلماء والأمراء " ، العلماء يعلمون الأمر ، و الأمراء ينفذون الأمر ، فالمؤمن يجب أن يأمر بالمعروف بلسانه ، أما القوي فيجب أن يأمر بالمعروف بقوته ، بقرار .
أولياء الأمور هم العلماء والأمراء ، العلماء يعرفون الأمر ، والأمراء ينفذون الأمر ، هم متكاملان ، فإذا أبلى العالِم بحقيقة المعروف جاء الأمير فنفذ هذا التوجيه ، تكامل المجتمع ، إذاً : العلماء والأمراء هم الذين ورد ذكرهم في الآية الكريمة :
﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾( سورة النساء : 59)
فالقوي الذي معه سلطة بجرة قلم يحق حقاً ، و يبطل باطلاً ، يقر معروفاً ، و يزيل منكراً .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو  : كيف نوفق بين الامر بالمعروف وما ذكرناه سابقا وبين الحديث الشريف (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، ثم بلسانه ، ثم بقلبه ، وهذا أضعف الإيمان )
هذه متعلقة بالابن والبنت ، فإذا كانت البنت متفلتة يقول الأب : ماذا أفعل ، أنا نصحتها ؟ إذا كانت متفلتة فلك عليها الولاية ، وتملك عليها الفضل ، ,هي تعيش في كنفك ، تأتمر بأمرك ، هناك حالات ، وهناك شرائح اجتماعية لا ينبغي أن تقول : أنا نصحته ، ولم ينتصح ، لابد من ضغوط من أجل أمور أخرى ، من أجل أمور دنيوية ، من أجل مصالح مادية ، تتم الضغوط أحياناً ، النصح مع التعنيف أحياناً ، فإنسان في حوزتك ، و في إمرتك ، و أنت متفضل عليه ، و هو يمثلك ، هو ينحرف ، تقول : نصحته فلم ينتصح 
هذا غير مقبول ، تماماً كما لو مرّ أب في الطريق ، فرأى شباباً ثلاثة يدخنون ، أحدهم ابنه ، والثاني ابن أخيه ، والثالث لا يعرفه ، يغضب أشد الغضب من أقرب الشباب إليه ، من ابنه ، ويعنفه ، ويأمر ابن أخيه أن ينصرف إلى البيت ، و يقول له : هذا الشيء لا يليق بك ، ولا بوالدك ، ثم يقول للثالث : انصرف ، حدة الإنكار تنصب على الابن أولاً ، ثم على ابن الأخ ثانياً ، ثم لا تنصب على الطرف الثالث ، لأنه من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ، لعله يجيبه إجابة قاسية جداً ، أما الذي في حوزتك ، وتنفق عليه ، و هو يمثلك ، وكلمتك نافذة عنده فلا ينبغي أن نكتفي بكلمة : أنت مخطئ ، لابد من ضبط .
وفي الحديث الشريف (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، ثم بلسانه ، ثم بقلبه ، وهذا أضعف الإيمان )
لا يقبل أن تنكر بقلبك إذا كان بالإمكان أن تنكر بلسانك ، كما أنه لا يقبل منك أن تنكر بلسانك إذا كان في الإمكان أن تنكر بيدك .
لكن بشكل توضيحي ، نقول : العلماء مكلفون أن يأمروا بالمعروف بألسنتهم ليبينوا للناس ، والأمراء مكلفون أن يأمروا بالمعروف ، وأن ينهوا عن المنكر بما آتاهم الله من قوة .
مثلاً : نحن نعلم الامتناع عن التدخين في الطائرات و أي مكان آخر أنه قرار، فهذه مهمة كبيرة ، بقرار يحق حقاً القوي ، و يبطل باطلاً .
إذاً : العالم مكلف أن يأمر بالمعروف بلسانه وبيانه ، و الأدلة ، والأمثلة ، والتطبيقات ، والأمير مكلف أن ينفذ توجيهات ، هذا الذي أعطى هذه المعلومات الدقيقة عن الشرع الحنيف ، والإنسان الضعيف ينكر بقلبه .
من شهد منكراً فأنكره كان كمن غاب عنه ، وإذا غاب عن منكر فأقره كان كمن شهده.