حديث غثاء السيل - محمود شلبي

حديث غثاء السيل 
اضغط على الصورة لتكبيرها وللقراءة بسهولة 
 Click on photo to see it big and read easily 

 الحديث الشريف :

عن ثوبان رضي الله عنه قال :

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 

يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.

 فقال قائل : ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ ؟

قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن .

فقال قائل: يا رسول الله ، وما الوَهْن ؟

قال : حبُّ الدُّنيا ، وكراهية الموت.

 هذا الحديث الشريف هو حديث حسن وقد رواه الإمام أحمد في المسند وصححه الالباني

( انظر تفاصيل تخريج وسند الحديث في نهاية الشرح )

Translation :

Thawban: Narrated

The Prophet (SAW) said :

The people will soon summon one another to attack you as people when eating invite others to share their dish .

Someone asked : Will that be because of our small numbers at that time ?

He replied : No, you will be numerous at that time : but you will be scum and rubbish like that carried down by a torrent , and Allah will take fear of you from the breasts of your enemy and last Wahn (enervation) into your hearts.

Someone asked: What is wahn (enervation) , O Messenger of Allah ! ?

He replied : Love of the world and dislike of death.

Comment :

This great Hadith is one of the miracles of the honourable Prophet Muhammad (SAW) , as the honourable Prophet (SAW ) in this Hadith is talking about something that would happen to the Islamic Nation in the future , so this Hadith is considered one of the predictions of the honourable Prophet which is fulfilled at the present time ( as we can see )

Peace and blessings of ALLAH be upon the Messenger of ALLAH ! 

معجزة في حديث غثاء السيل )

حديث غثاء السيل  هو معجزة وواحدة من نبوءات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تتحقق  في الوقت الحاضر وكل ما ذكره الرسول الكريم في هذا الحديث ينطبق على على حال وواقع المسلمين في الوقت الحاضر .

سبندأ اولا بشرح معاني الكلمات ثم سنشرح معنى الحديث  ثم بعد ذلك سنتحدث عن المعجزة في هذا الحديث 

اولا : معاني الكلمات والمصطلحات  :

غثاء السيل : هو زبد السيل او الرغوه البيضاء التي تكون على سطح المياه التي تجري في السيول او الانهار كما هو ظاهر في النهر الذي بالصورة، وهذا الزبد او الرغوة البيضاء  كثيرة جدا وتكاد تغطي مياه النهر كما تلاحظون في الصورة ولكنها مع ذلك هي شيء عديمة النفع ولا فائدة منها فالماء هو الذي ينفع الناس والزرع اما الزبد فانه لا يلبث ان يتلاشى ويختفي ولا نفع منه وهذا هو جوهر المعنى الرئيسي في الحديث، فالرسول الكريم يقول في هذا الحديث بان المسلمين يكونوا كثيرين العدد مثل غثاء السيل ولكنهم يكونوا عديمين النفع مثل زبد النهر فلا يفعلون اي شئ نافع يدفع العدوان او يدفع هذه الامم التي تتداعى وتتكالب على بلادهم وبلاد الاسلام والمسلمين. فالمسلمين يكونوا كثيرين العدد ولكن كثرتهم تكون بلا فائدة لانهم يكونوا في حالة ضعف بسبب انعدام الايمان وكراهيتهم للجهاد والقتال وكرههم الموت في سبيل وبسبب حبهم للدنيا.

وقال العلماء: غثاء السيل هو ما يحمله السيل من زبد ووسخ، ونحو ذلك مما يقذف به السيل حينما يسير في الوادي، فيحمل الأعشاب اليابسة، ونحو ذلك مما يكون من المخلفات.

وهذا فيديو يظهر ويبين شكل غثاء السيل  او زبد السيل

https://www.youtube.com/watch?v=bty7FAAJmac 

عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

( يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت (1) .) 

قال العظيم آبادي في شرح هذا الحديث: 

 ( يوشك الأمم ) : أي يَقْرُب فِرَق الكفر وأمم الضَّلالة 

(أن تداعى عليكم) أي: تتداعى، بأن يدعو بعضهم بعضًا لمقاتلتكم، وكسر شوكتكم، وسلب ما ملكتموه مِن الدِّيار والأموال.  

(كما تداعى الأكلة) أي: يَقْرُب أنَّ فِرَق الكفر وأمم الضَّلالة... يدعو بعضهم بعضًا إلى الاجتماع لقتالكم وكسر شوكتكم؛ ليغلبوا على ما ملكتموها مِن الدِّيار، كما أنَّ الفئة الآكلة يتداعى بعضهم بعضًا إلى قصعتهم التي يتناولونها مِن غير مانع، فيأكلونها صفوًا مِن غير تعب

( ومِن قلَّة ) أي: أنَّ ذلك التَّداعي لأجل قلَّة نحن عليها يومئذ. 

 (كثير) أي: عددًا، وقليل مددًا

( ولكنَّكم غُثَاء كغُثَاء السَّيل) : ما يحمله السَّيل مِن زَبَد ووَسَخ؛ شبَّههم به لقلَّة شجاعتهم ودناءة قدرهم. 

(  ولينزعنَّ)أي: ليخرجنَّ. 

( المهابة ) :أي: الخوف والرُّعب. 

( وليقذفنَّ ) أي: وليرمينَّ الله. 

( الوَهن)أي: الضَّعف، وكأنَّه أراد بالوَهن ما يوجبه، ولذلك فسَّره بحبِّ الدُّنيا وكراهة الموت. 

وما الوَهن؟  أي: ما يوجبه وما سببه؟ قال الطيبيُّ رحمه الله: سؤالٌ عن نوع الوَهن، أو كأنَّه أراد منِ أي وجه يكون ذلك الوَهن. 

( قال: حبُّ الدُّنيا وكراهية الموت) :وهما متلازمان، فكأنَّهما شيء واحد، يدعوهم إلى إعطاء الدَّنيَّة في الدِّين مِن العدو المبين، 

ثانيا : شرح معنى الحديث :

أيها الإخوة المؤمنون، وإن من البيان والنصح الذي بلغه وبيَّنه وقدَّمه سيد الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته - ما ستواجهه في قادم أيامها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبخاصة ما يتعلق بالفتن وأنواع الشرور التي تضر بها، وتؤدي بها إلى أحوال سيئة، فقد أبدى وأعاد عليه الصلاة والسلام في هذا الباب، فما بقي لمعتذر عذر، ولا لمتحجج حجة، ومن هذه البيانات وأساليب التوجيه - مما أخبره الله جل وعلا به من غيب سيكون في قادم الأزمان بعد عصره، وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام - ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها))، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوهن))، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت))؛ هذا حديث ثابت عنه عليه الصلاة والسلام؛ رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والبغوي في شرح السنة وغيرهم، وجاء من طرق متعددة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وثوبان رضي الله عنه، وهذا الحديث العظيم هو نوع من الغيب الذي أُخْبِره نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من ربه جل وعلا، وما سيكون في قادم الأزمان من بعد عصره عليه الصلاة والسلام؛ حيث قال: ((ولكنكم غثاء كغثاء السيل))؛ يعني: فيما يكون بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الحديث العظيم الغرض منه والقصد فيه أن تكون الأمة على ما أراد الله جل وعلا جميعًا؛ سواء كان ذلك بدولها وحكوماتها، أو أفرادها وشعوبها، ومعنى أن يكونوا على ما أراد الله جل وعلا: أن يكون همهم وقصدهم عبادته سبحانه، وإرادة وجهه والدار الآخرة، وألا يتعلقوا بالدنيا لذاتها، وإنما يجعلوها قنطرة إلى ما عند الله جل وعلا من الرضوان وحسن العقبى، وأن يحذروا مما يكون من أعدائهم، فإن أعداء هذه الأمة لن يزالوا حريصين على إلحاق الأضرار بها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وفي قوله عليه الصلاة والسلام: (يوشك الأمم)؛ يعني: أن هذا الأمر قريب أن يكون؛ لأن هذا الفعل "يوشك" كما يسميه علماء اللغة من أفعال المقاربة؛ أي: يقرب أن يكون من الأمم، والأمم المعنيَّة هنا هي أمم الكفر والضلالة.

(أن تَداعى عليكم)؛ بمعنى: أن يدعو بعضهم بعضًا لأجل الاعتداء عليكم ومقاتلتكم، وسلب ما ملكتموه من ديار وأموال، وما عندكم من خيرات، فإن قوله عليه الصلاة والسلام: (كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)؛ بمعنى: أنهم يشاهدون ما في أيديكم من أنواع الخير الذي يَفيئه الله عليكم، وهذا أمر مشاهد؛ فإن أراضي أمة الإسلام اليوم فيها من أنواع الخيرات والبركات، وما أخرجه الله لهم من باطن الأرض، وما أفاءته الزروع والثمار، وما جرت به الأنهار، وما هو على حافَات البحار من أنواع الخير - ما يُحقق الاكتفاء الذاتي لهذه الأمة لو أحسنت إدارة شؤونها، وما في أيديها من هذه النعم والخيرات، فقوله عليه الصلاة والسلام: (كما تداعى الأكلة)؛ يعني بذلك: الأكلة جمع آكل، وهو أنهم يشاهدون بما أيدي المسلمين، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، حينما يجتمع الآكلون على القصعة، وهي الإناء والوعاء الكبير المليء بالطعام الذي لا يُمنع منه أحد؛ لكثرته ووفرته، ولعدم وجود مانع يمنع مريد الأكل أن يأكل ويشارك في ذلك، فهذا يصور به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يكون من السطوة والهجوم الذي يكون من أمم الضلال والتهور الذي يدفعهم لأن يكونوا مندفعين إلى أن يهجموا، وإلى أن يتسلطوا على المسلمين؛ طمعًا فيما في أيديهم فيما أفاءه الله جل وعلا من أنواع الخيرات، والمقصود أنهم حينما يتداعون إلى ذلك بلا مانع ولا منازع، فيأكلون من ذلك عفوًا وصفوًا، لا مُكدر عليهم فيما ينالون ومما يأخذون، ولذلك فإن هذا الوصف يوضح أيضًا أنهم حينما يتداعون إلى هذا الأمر، فإنهم يطلبون أيسر السبل التي يأخذون من خلالها ما بأيدي المسلمين؛ بلا ضرر يلحقهم، ولا شر يصيبهم، ولا غير ذلك مما يفقدونه من أنفسهم، والمقصود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرر في هذا الحديث قُرب تسلُّط فِرَق الكفر والضلال؛ حيث يدعو بعضهم بعضًا مع اختلاف مِللهم وتبايُنِ مشاربهم وعقائدهم، لكنهم يجتمعون جميعًا على حرب أمة الإسلام والطمع فيما أفاء الله عليهم؛ ليكسروا شوكة المسلمين، ويغلبوهم، ويأخذوا ما ملَّكهم الله إياه من الديار، وما أفاء عليهم من الخيرات، وحينئذ يأتي السؤال من الصحابة جزاهم الله خيرًا، ورضي عنهم؛ ليُبينوا حقيقة هذا الأمر وهذا الحال الذي سيكون قطعًا بخبر مَن لا ينطق عن الهوى؛ قال قائل: "ومن قلة نحن يومئذ؟"، هل تصير لنا هذه الحال بسبب قلة أعدادنا وكثرة أعداد أعدائنا؟ فإذا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يجيب إجابة، وكأنما يطلعه الله على ما سيكون من حال أمة المسلمين؛ حيث يتزايد عددها كما وقع في عصور سالفة لأمة الإسلام، حينما تسلط عليهم الأعداء كانوا عشرات الملايين، ولا يزال عددهم يزيد إلى أن يبلغوا المليار أو يزيد على ذلك، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (أنتم يومئذ كثير)؛ أي: عدد كبير، وليس فيكم قلة في أعدادكم، (ولكنكم غثاء كغثاء السيل)؛ قال العلماء: غثاء السيل هو ما يحمله السيل من زبد ووسخ، ونحو ذلك مما يقذف به السيل حينما يسير في الوادي، فيحمل الأعشاب اليابسة، ونحو ذلك مما يكون من المخلفات، وفي هذا تشبيه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن هذا العدد يفتقد النوعية والجودة، يفتقد الإنتاج، يفتقد الآثار المباركة؛ وذلك لقلة شجاعتهم، ولدناءة آمالهم، ولتعلُّقهم بتوافه الأمور، فلا يلتفتون إلى معاليها ولا إلى شريفها، وإنما هِمم متدنية وأفعال غير منتجة، ولذلك يصيرون كمثل هذه الحال: "غثاء كغثاء السيل".

ثم يصف النبي صلى عليه وآله وسلم الحال أيضًا، ويُبينها أكثر أن هذا الحال الذي يكون عليه المسلمون من كثرة عددهم وقلة أثرهم، ودُنو آمالهم، وتعلُّقهم بسفاسف الأمور - أنه يصاحبه أيضًا أنه تنزع المهابة من قلوب الأعداء نحو المسلمين، فلا يهابونهم ولا يخافونهم؛ حيث يزيل الله هذه المهابة التي من آثارها - لو صدق المسلمون - أن يكونوا كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نُصِر بالرعب مسيرة شهر، ولمن تبِعه واقتفى سنته نصيبٌ من هذا النصر العظيم الذي هو أوائل تحقُّق النصر، وهو أن يكون الرعب في قلوب الأعداء، ولذلك يكون كما في وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا، بعد أن تذهب همة المسلمين وتقل عنايتهم بدينهم، ويَقِل تعلُّقهم بالآخرة - أن المهابة وهو الخوف والرعب يُزال من قلوب أعدائهم نحوهم، وعلى الضد من ذلك أن الله يعاقب هذا العدد الكبير من أمة الإسلام بعد أن بُيِّن لهم وأُنعِم عليهم، ثم تولَّوْا عما أُمِروا به أن الله سبحانه يقذف في قلوبهم الوهن، والمعنى أن الله يجعل فيهم أيضًا الوهن، والوهن كما هو ظاهر ومفسر في اللغة هو الضعف؛ كما قال تعالى في شأن الأم: ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ﴾ [لقمان: 14] ضَعفًا على ضَعفٍ، ولكن جاء السؤال أيضًا من بعض الصحابة رضي الله عنهم: وما الوهن يا رسول الله؟ لعله سبق إلى ذهن الحاضر أن الوهن له معنى محدد، وقد سأل عنه، فجاء بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيانًا أكثر مما تقتضيه اللفظة اللغوية، فقال: (الوهن هو حب الدنيا وكراهة الموت)، والمعنى في ذلك، وإن كان كل منهما يؤدي إلى الآخر، لكن يكون في وصف هذه الحال أن ثمة نوعًا من الوهن، وهو أن يكون ثمة تعلق بالدنيا وكراهية للموت، وليس المقصود في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعريفه للوهن بأنه حب الدنيا وكراهية الموت - المعنى الظاهر أن الإنسان لا يحب الدنيا، وأن الإنسان يكره الموت، فليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود منه الجانب السيئ الذي يحمل الإنسان على حب الدنيا وأموالها، وحب البقاء فيها على سبيل الدعة والقعود عن العمل، ونسيان الآخرة، وليس المقصود بكراهية الموت المعنى الظاهر لأول وهلة، فكلنا يكره الموت؛ كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لَمَّا سمِعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كرِه لقاء الله كره الله لقاءه))، قالت: أكراهية الموت، فكلنا يكره الموت.

فوصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى وشرحه بأنه ليس هو المعنى الظاهر من كراهية الإنسان الطبيعية للموت، ولكن المعنى قال: إن المؤمن إذا حضره أجله، وبُشِّر بما عند الله من الكرامة، أحب لقاء الله - تعجَّل الموت - كأنما يقول للملائكة مع ملك الموت: عجلوا بقبض الروح؛ كيما أنتقل للقاء ربي، وأنال ما وعدني ربي من الكرامة، قال: وأما الفاجر، فإنه إذا حضره الموت ورأى ما أعد له من سخط الله وعقوبته، كره الموت وكره هذه النقلة، وكره الله لقاءَه، وهكذا هو المعنى في هذا الحديث أن المؤمنين لو صدقوا في إصلاح أنفسهم وإصلاح دنياهم، وتشوفوا إلى ما عند الله - فلن تكون الدنيا محبوبة عندهم لذاتها، فهم يعمرونها كما أمر الله جل وعلا، ويهيؤونها بالخير والعدل، ونشر البر وإيتاء الحقوق والعدل، ومنع الظلم وتهيئة الأحوال على ما أرد الله جل وعلا، وهم بذلك على نسق ما وصف الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

فهم في هذه الدنيا رحمة على الجميع؛ على المسلمين، وعلى غير المسلمين، على الكائنات من الحيوانات والطير والوحش، وعلى غير ذلك.

فهم في كل مجال يسيرون فيه ينشرون الخير والبر، ويحسنون إلى الجميع، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم على هذا المنوال الكريم، طلَّقوا الدنيا ولم يحبوها لذاتها، وتشوَّفوا لموعود الله، فآتاهم الله في الدنيا وسيؤتيهم الآخرة بفضله وإحسانه جل وعلا، ولذلك لَمَّا وصف أحد القادة من غير المسلمين جيشَ المسلمين وهو يُبين لرئيسه ومَلِكِه، قال له: نواجه قومًا يحبون الموت كما يحب جندك الحياة، فأرادوا الموت شهادةً في سبيل الله ونُصرة لدينه جل وعلا، فوهبهم الله الحياة، ولكن ليست أي حياة، وإنما هي الحياة الكريمة حياة العز والشرف، وبهذا يتبيَّن أيها الإخوة المؤمنون أن هذا الوصف النبوي البليغ يشخص أسباب ضعف المسلمين، وكيف أنهم إن التفتوا إلى الدنيا ولم يقوموا بما أوجب الله عليهم فيها، فإنهم سينالون ضد ما أرادوا، وسيُسلط عليهم أعداءهم، وهذا المشهد تكرر في أحقاب متوالية في الدول الإسلامية من بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فهو مشاهد في أحوال الدولة الأموية والعباسية، وما بعدها من الدول، وما حصل للمسلمين في الأندلس بعد أن أقاموا فيها حكم الله، ونشروا العدل وازدهرت حضارة أمة الإسلام، وكانت المكتشفات والمخترعات، وما حصل لهم من الحضارة التي نُقِلت إلى أوروبا، مما هو مشاهد إلى يومنا هذا، وإنما نُقِض ذلك حينما خالفوا المعادلة الإسلامية في قيام الدول واستمرارها، واستبدلوا بذلك حب الدنيا وكراهية الموت، فإنهم في بادئ أمرهم كانوا غير متعلقين بالدنيا، وإنما متعلقون بالآخرة والموت عندهم؛ كما قال الله جل وعلا: ﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [آل عمران: 158]، فآتاهم الله الدنيا وهيَّأ لهم من الديار والأموال وأنواع النعم، وبقوا على عز وشرف حقبة من القرون، بضعة قرون وحكم الإسلام ظاهر بيِّن، فلما قلبت المعادلة، وصاروا إلى الدعة، وصاروا عالة على المجتمعات الإنسانية - صار ما صار من نصرة الأعداء والتسلط عليهم، وأُقيمت على سبيل المثال في الأندلس محاكم التفتيش التي شهدت من أنواع الظلم والبغي والقتل والسجن والتعذيب، ما حفلت به سجلات التاريخ، ومهما يكن من أمر أيها الإخوة المؤمنون، فهذا النص النبوي نصح نبوي مصطفوي إلى أمة الإسلام بأن يلتفتوا إلى ما فيه عزهم وشرفهم وحسن عاقبتهم، وهو استقامتهم على دين ربهم، فإنهم إن فعلوا آتاهم الله الدنيا وحسن ثواب الآخرة.

ثالثا : المعجزة في هذا الحديث :

هذا الحديث الشريف  هو معجزة نبوية حيث ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد تنبأ بحال المسلمين في وقتنا الحاضر .

هذا ما جاء في مقال للسيد عبد الدائم الكحيل  حيث يقول 

 إن الذي يتأمل الواقع الإسلامي اليوم يرى حرباً شرسة تشن على الإسلام بشكل غير مسبوق، في حالة ضعف وتشتت المسلمين.. دعونا نتأمل هذه المعجزة النبوية التي تصور لنا واقعنا اليوم...

أحبتي في الله! لم يرَ التاريخ أرحم من سيدنا محمد بالبشرية جمعاء، لقد أخرجهم من الظلمات إلى النور. وأراد أن ينقذهم من عذاب يوم أليم، وبذل جهده من أجل سعادة البشر في الدنيا والآخرة. ومن رحمته بنا أنه لم ينسَ واقعنا الذي نعيشه اليوم فأخبر عنه ليكون هذا الحديث معجزة تشهد بصدقه، وتنبيهاً لأحبابه بضرورة العودة إلى الله تبارك وتعالى.

قال صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قُلْنَا: مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لا، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ، قِيلَ: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) [رواه أبوداود].

دعونا نسقط هذا الحديث على واقعنا اليوم لنرى دقة التصوير النبوي لما تعانيه الأمة الإسلامية في هذا العصر. فقد بدأت الحرب على الإسلام مع بداية العصر الحديث حيث مرّ المسلمون بحالة من الضعف الشديد والوهن حتى أصبحوا في مؤخرة الأمم.

واليوم أصبحت الحرب على الإسلام علنية بسبب استخفاف القوى العالمية بالمسلمين واعتبارهم غثاء كغثاء السيل ليس لهم أي قيمة تذكر، على الرغم من الموارد الاقتصادية الضخمة والثروات الهائلة التي يملكونها، والأعداد الكبيرة التي تميزهم عن بقية الأمم حيث بلغ عدد المسلمين في العالم أكثر من 1700 مليون مسلم!

أصبحت الحرب على الإسلام شغل من لا شغل له! الكل يحارب الإسلام وكل حسب أسلوبه وإمكانياته، وأهمها الحرب الإعلامية في الفضائيات والصحف الغربية.. حملات تحريض وتشويه وتزوير للحقائق تشنها آلات الإعلام الغربية ليل نهار.

الحرب بنهب ثروات هذه الأمة وإضعافها اقتصادياً والأهم من ذلك "حرب العقول" أو تدمير العقول المسلمة، فالعالم المسلم لا يجد فرصة في وطنه فيضطر للذهاب إلى الخارج فتخسر الأمة هذه الإمكانيات والتي هي أساس الحضارة والتطور.

"حرب الفتنة" من خلال ضرب المسلمين ببعضهم كل حسب مذهبه أو طائفته.. مع العلم أن هذه المذاهب والطوائف والأديان عاشت مئات السنين بسلام.. فلماذا اليوم تقتل وكل طرف يفني الطرف الآخر؟؟

"حرب الذاكرة" وهذه حرب خفية ربما لا يشعر بها إلا من غادر وطنه بسبب الحرب.. فتم تدمير ذاكرته بل العمل على تدمير الحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي.. ووضع الأفكار المتطرفة بدلاً منها.. وبالنتيجة هي حرب على المسلمين... وأشياء أخرى حيث يشعر كل مسلم وبخاصة من يعيش في الغرب بأنه أصبح مستهدفاً أو أن هذه الحرب تشن عليه شخصياً..

كل هذا الاجتماع من أعداء الإسلام لخصه لنا النبي الكريم في عبارة رائعة تصور لنا تماماً وضعنا اليوم: (يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا)!! ألا تشهد هذه العبارة على أنه نبي مرسل من عند الله، وأن الله تعالى هو من أخبره بهذا الواقع من قبل 1400 سنة؟؟!

فالحرب تشتعل بينما تتهافت هذه الدول على سرقة الثروات العربية وعلى رأسها النفط! تماماً مثل الذئاب التي تجتمع على الفريسة لتنهش منها ما تستطيع.. فهي حرب وسرقة وطمع في هذه الخيرات التي لم ينتفع بها المسلمون إلا في أمور اللهو والطعام والشراب حب الدنيا!

وعلى الرغم من الكثرة العددية للمسلمين إلا أنهم لا قيمة لهم تماماً مثل غثاء السيل أي ما يحمله السيل من بقايا الحشائش والحصى التي لا قيمة لها ولا ينتفع بها.. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ)، وهذه معجزة نبوية، فمن أخبره عليه السلام أنه المسلمون سيكونون يومئذ بأعداد كبيرة جداً؟ كيف علم أن أعداد المسلمين كثيرة جداً (1700 مليون مسلم) وأنهم لا يشكلون أي قوة عالمية تذكر، بل الكل يعتدي عليهم وينال منهم؟!

والأسوأ أنه لا أحد يحسب لهم أي حساب فهم في مؤخرة الأمم ولا هيبة لهم.. كما قال تماماً: (يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ).. وهذا ما نراه اليوم يقيناً من خلال نشرات الأخبار ومتابعة الأحداث!! فكيف علم النبي الكريم أنه على الرغم من كثرة أعداد المسلمين إلا أنه ليس لهم أي هيبة بين الدول؟! ألا تشهد هذه العبارة على أن الله تعالى هو الذي أخبره بذلك؟

ثم يشرّح لنا واقعنا ويحلل تحليلاً علمياً دقيقاً حل أسباب هذه الظاهرة التي نعيشها اليوم أن سبب ضعف المسلمين واجتماع الأمم عليهم هو: (حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ).. وبالفعل أصبح المسلمون حريصون على التمتع بهذه الدنيا ولا تكاد تجد من ذكر الموت أو الآخرة ولا تكاد تجد من يستعد للحظة الموت ولقاء الله!!

إنه تصوير نفسي عجيب للحالة النفسية التي يعيشها معظم المسلمون اليوم وهي حبهم للملذات واللهو والموسيقى والألعاب والأفلام والمسلسلات وشواطئ البحار والملاهي وشرب الدخان والنظر للنساء... حتى إنك إذا وجدتَ من يذكر الموت ربما تشك في عقله أو حالته النفسية؟؟

فمن أين جاء النبي الكريم بهذا العلم وهذا التحليل النفسي الدقيق؟ أليس هو الله من أخبره بذلك؟

وأخيراً هذا الحديث لم يذكره لنا النبي صلى الله عليه وسلم ليزيدنا يأساً أو إحباطاً أو تسليماً بالهزيمة، إنما حلل لنا الواقع وأسباب هذا الضعف.. لنعود لديننا وتعاليمه الرائعة، فنتذكر الموت ولقاء الله ونبتعد قليلاً عن حب الدنيا وزينتها.. فهذا هو الطريق للقوة والنجاح والسعادة بإذن الله تعالى. 

تخريج وسند حديث غثاء السيل :

الحديث حسن وقد رواه الإمام أحمد في المسند فقال:

حدثنا أبو النضر حدثنا المبارك بن فضالة حدثنا مرزوق أبو عبد الله الحمصي حدثنا أبو أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها قال قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ قال أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال قلنا وما الوهن قال حب الحياة وكراهية الموت

وهذا الإسناد حسن.

ويعضده ما جاء عند أبي داود وغيره قال:

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدثنا بشر بن بكر حدثنا ابن جابر حدثني أبو عبد السلام عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت

وأبوعبدالسلام ذكروا أنه مجهول، وجهالته يسيرة كما قال الذهبي في الميزان 3/ 404 قالروى له ثقتان فخفت الجهالة له. غير أنه ذكر أن اسمه صالح بن رستم وهذا خطأ والله أعلم، قال ابن حجر: "لكن الذي يظهر لي أن أبا عبد السلام اثنان اشتركا في الرواية عنهما بن جابر فقد فرق بينهما البخاري أحدهما روى عن ثوبان وهو الذي لا يعرف اسمه وهو الذي أخرج له أبو داود وذكره البخاري والحاكم أبو أحمد وجهله أبو حاتم ولم يزيدوا في التعرف به على روايته عن ثوبان والآخر روى عن أبي حوالة ومكحول واسمه صالح بن رستم وهو الذي ذكره النسائي والدلابي ويعقوب بن سفيان والخطيب في المتفق والمفترق ووثقه بن حبان وابن شاهين والله أعلمتهذيب التهذيب 4/ 341. وله في التقريب ما يفهم منه خلافه!

قلتكلاهما وثقه ابن حبان فقد ذكر أيضاً في الثقات أبوعبدالسلام الذي يروي عن ثوبان (5/ 563).

الخلاصةالذي يظهر من بحث سريع أن الحديث حسن.

تخريج حديث ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها) في المراجع المختلفة 

عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مرفوعا.

رواه أبي داود في سننه 4/ 111

ورواه الإمام أحمد في مسنده 5/ 278

ورواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 23/ 330

ورواه ابن أبي عاصم في الزهد 1/ 134

ورواه أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء 1/ 182

ورواه البيهقي في دلائل النبوة 6/ 534

ورواه معمر في مجموع فيه عشرة أجزاء حديثة 1/ 292

وخرجه المتقي الهندي في كنز العمال 11/ 58

وقالرواه أبو داود في سننه , والإمام أحمد في مسنده , وص سعيد بن منصور في سننه.

قيل الحديث ضيعيف " فيه صالح بن رستم أبو عبد السلام وهو مجهول , قال المنذري أبوعبد السلام هذا هو صالح بن رستم الهاشمي الدمشقي سئل عنه أبوحاتم فقال مجهول لا نعرفه.

قلت " وتوبع على ذلك كما عند ابن أبي عاصم في الزهد 1/ 135

حدثنا هشام بن عمار اخبرنا يحيى بن حمزة اخبرنا ثور ابن يزيد عن الأزهر الألهانى عن ثوبان عن النبى صلى الله عليه وسلم مثله.

قلت " ورواة أيضا أبي هريرة رضي الله عنة كما عند ابن أبي عاصم في الزهد 1/ 135

حدثنا احمد بن محمد بن نيزك اخبرنا محمد بن جعفر اخبرنا عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الازدى عن ابيه عن شبيل بن عوف عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لثوبان ...

ـ[أبو أويس المغربي]ــــــــ[16 - 05 - 07, 02:51 م]ـ

ورواه ابن أبي عاصم في الزهد 1/ 134

كما عند ابن أبي عاصم في الزهد 1/ 135

حدثنا هشام بن عمار اخبرنا يحيى بن حمزة اخبرنا ثور ابن يزيد عن الأزهر الألهانى عن ثوبان عن النبى صلى الله عليه وسلم مثله.

قلت " ورواة أيضا أبي هريرة رضي الله عنة كما عند ابن أبي عاصم في الزهد 1/ 135

حدثنا احمد بن محمد بن نيزك اخبرنا محمد بن جعفر اخبرنا عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الازدى عن ابيه عن شبيل بن عوف عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لثوبان ...

على أي نسخة اعتمدت؟

كتاب ابن أبي عاصم في ذكر الدنيا وحفظ اللسان والصمت والعزلة، طبع باسم الزهد، وهو في جزء لطيف، طبعته الدار السلفية بالهند سنة 1403، ويقع مع المقدمة والتخريج والفهرس في 150 صحيفة.