الاسماء الحسنى - حسب حديث الترمذي - محمود شلبي



الاسماء االحسنى 
بحسب حديث الترمذي

أهمية معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا :

أسماء الله الحسنى وصفاته العلا لها فوائدُها العظيمة، ومنافعها الكريمة، التي لا يستطيع أحدٌ إحصاءها، وحسْبُك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك [1] ) 

وفي هذا المختصر نذكُرُ أشهر فوائد معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، حتى إذا دخلتَ هذه الجنةَ - جنة العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا - قلت: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. 

(1)  معرفة أسماء الله الحسنى من أعظم أسباب دخول الجنة:

فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله تسعةً وتسعين اسمًا مائةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة)).

ومعنى إحصائها كما قال ابن القيم رحمه الله: مراتب إحصاء أسماء الله ثلاث:

الأولىإحصاء ألفاظها ومدلولها.

والثانيةفهم معانيها ومدلولها.

الثالثةدعاؤه بها؛ كما قال تعالى﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180][2].

فالجنة سلعة الله الغالية لمَن حفِظ أسماء الله الحسنى، وعرَف معناها، وعمل بمقتضاها، وتعبَّد لله تعالى بها. 

(2) معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا هي الطريق الرئيسي إلى معرفة الله:

معرفة الله تعالى نوعان:

معرفة عامة: وهي معرفة الإقرار التي يشترك فيها كلُّ الناس، البرُّ والفاجر، والمطيع والعاصي.

ومعرفة خاصة: توجب رقابته والحياءَ منه، ومحبته وتعلُّقَ القلب به، والشوق إلى لقائه، هذه المعرفة الخاصة لا تتأتى إلا بمعرفة الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا.

قال ابن القيم عليه رحمة الله: "وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة باريها وفاطرها، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلَمَ، كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر، كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد، والله يُنزل العبدَ من نفسه حيث يُنزله العبدُ من نفسه، فالسير إلى الله من طريق الأسماء والصفات شأنُه عَجب، وفتحه عجب، صاحبُه قد سِيقَتْ له السعادةُ وهو مستلقٍ على فراشه غَيرَ تَعِب..."[3].

فلا يستطيع العباد إدراك حقيقة العبودية وتحقيقَها قولًا وفعلًا إذا لم يعرفوا صفات الباري جل جلاله، "فلو أراد أحد أن يتزوج ابنةَ رجل أو أن يزوِّجه أو يعامله، طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه وجده، وسأل عن صغيرِ أمره وكبيره، فالله الذي خلَقَنا ورزقنا، ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه - أَولى أن نعرف أسماءه وصفاته، ونعرف تفسيرها"[4]

عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، انسُبْ لنا ربَّك، فأنزل الله تعالى﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4][5].

(3) معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا أصلُ كل عبادة:

نعم، معرفة الله تعالى أصلُ امتثال الأوامر واجتناب النواهي، فلا يجتنب ما يُغضب اللهَ، ولا يمتثل ما يحبه الله، إلا مَن عرَف الله؛ ولذلك جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحِّدوا الله، فإذا عرَفوا الله فأخبِرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وتُرد على فقرائهم...)).

(4) معرفة أسماء الله الحسنى من أعظم الأسباب لإجابة الدعاء:

قال تعالى﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، يأمرنا الله تعالى أن ندعوَه بأسمائه الحسنى، ووعدنا أن يستجيب لنا؛ حيث قال﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، ففارقٌ كبير بين أن تدعو وتقول: اللهم اغفر لي، وبين أن تقول: اللهم يا غفار اغفر لي، وبين أن تقول: اللهم ارحمني، وبين أن تقول: يا رحيم ارحمني، وبين أن تقول: اللهم ارزقني، وبين أن تقول: يا رزاق ارزقني.

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا، دعاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، فكان يقول: ((اللهم يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلِحْ لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين))[6]، فبدأ صلى الله عليه وسلم في دعائه بالأسماء والصفات المناسبة لدعائه.

وكان يقول: ((أسألك بكل اسم هو لك، سمَّيتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونورَ صدري، وجلاء حزني، وذَهاب همِّي وغمي...))[7]، وأخذ العلماء من ذلك كذلك أن دعاء الله تعالى بأسمائه الحسنى من أعظم أسباب تفريج الكروب، وزوالِ الهموم والغموم.

(5)  الله تعالى يحب من أحبَّ أسماءه الحسنى وصفاته العلا:

"فمن أعجبِ الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيَه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تُعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنسَ بطاعته..."[8]

عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، فلما رجعوا ذكَروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((سلُوه لأيِّ شيء يصنع ذلك؟))، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أُحبُّ أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أخبِروه أن الله يحبه))[9]، وفي رواية: ((حبُّك إياها أدخَلَك الجنة))[10].

وإذا أحببته، تفانيت في طاعته، واشتقت إلى رؤيته؛ فإن موسى عليه السلام حين سمع كلامَ ربه - وكلامُ الله صفة من صفاته - أحَبَّه واشتاق إلى لقائه ورؤيته، وطلب ذلك منه، كما قال تعالى﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 143]، أرأيت إذا سمعت عن مخلوق له من صفات الجمال، فإنك تشتاق إلى رؤيته ولقائه، فكيف إذا علمتَ عن الخالق جل وعلا أسماءه وصفاته؟!

(6)  من عرف أسماء الله الحسنى وصفاته العلا كما ينبغي، فقد عرف كل شيء:

• من عرف أن الله تعالى هو الخالق، عرف أن كل ما دونه مخلوق؛ قال تعالى﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الزمر: 62].

• من عرف أن الله هو الرزاق، علم أن كل ما دونه مرزوق؛ قال تعالى﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]، وكذلك علم أنه لا يملك الرزقَ سواه؛ قال تعالى﴿ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ [النمل:64] .

• من عرف أن الله تعالى هو المَلِك، عرف أن كل ما دونه مملوك؛ قال تعالى:﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 17].

• ومن عرف ربَّه بالغنى، عرف نفسه بالفقر؛ قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15].

• ومن عرف ربه بالعلم، عرف نفسه بالجهل؛ قال تعالى﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

• ومن عرف ربه بالبقاء، عرف نفسه بالفناء؛ قال تعالى﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [ الرحمن: 26، 27] .

• ولهذا قيل: "من عرف ربه، عرف نفسه"، فمن عرف الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، علم أنه بالكمال موصوف، وبالإحسان والجمال والجلال معروف، وعرف أيضًا نفسه بكل نقص وعيب، إلا أن يرزقه الله كمالَ الإيمان والعمل الصالح والعبودية الصادقة، فيذل لعزَّتِه، ويخضع لقوته[11].

(7)  معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا تورث خشية الله:

وكفى بها ثمرة لمن كان يرجو الله والدار الآخرة، فتلك هي حقيقة العلم؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: "كفى بخشية الله علمًا، وكفى بالاغترار بالله جهلًا"[12]

فمن كان بالله أعرف، كان منه أخوف، ومن كان به أعلم، كان بشريعته أقوم، كما قال تعالى﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [ فاطر: 28]؛ أي: العلماء به

وكان النبي صلى الله عليه وسلم أشدَّ خشية لله؛ لأنه كان أعلم الناس بالله، كان يقول:  (أنا أعلَمُكم بالله، وأشدُّكم له خشية )  [13]، والمعنى: أنا أعلمكم بالله؛ ولذلك فأنا أشدكم له خشية. 

(8)  معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا سبيل إلى النجاة من الذنوب والمعاصي والإقبال على الطاعات:

من عرف أن رئيسه في العمل حازمٌ وقوي، حرَص على رضاه وإتقان العمل بين يديه.

ومن عرف رجلًا كريمًا، سعى للوقوف ببابه، والتعرض له في طريقه، وطلب منه حاجاتِه.

ومن عرف شرطيًّا باطشًا، فإنه يخافه أشد الخوف، وإذا ذُكر أمامه ارتعدت فرائصه، ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض، مَن عرَف الجبار القوي القادر العزيز شديد العقاب سريع الحساب، أقبَلَ على طاعته، وما أسرف على نفسه في المعاصي

قال الحسين بن أحمد الصَّفار: "سئل الشِّبلي - وأنا حاضر -: أي شيء أعجب؟! قال: قلب عرف ربَّه ثم عصاه"[14]، فما أسرَفَ العبدُ على نفسه بالمعاصي، وبارَز ربَّه بها، وانتهَك الحرمات في الخلوات، إلا بجهله بأسماء الله وصفاته.

(9)  معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا سبيلٌ إلى الاتصاف بها:

فالله الملِك الحق الرحمن الرحيم العزيز الجبار المتكبر، يحب من عباده أن يتصفوا بصفاته، ويتحلَّوا بها على وجهٍ يليق بهم؛ فهو سبحانه وتعالى: رحيم يحب الراحمين، شكور يحب الشاكرين، كريم يحب المتصدقين، صبور يحب الصابرين، محسن يحب المحسنين، عفوٌّ يحب العافين، تواب يحب التوابين، طيب يحب الطيبين، جميل يحب الجمال، عليم يحب العلم وأهله، حيي ستير يحب أهل الحياء والستر، رفيق يحب الرفق، فأحباب الله هم الذين اتصَفوا بصفاته وتخلَّقوا بها.

(10) معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا هي الطريق إلى إصلاح القلوب وتزكية النفوس:

إن مما ينبغي أن يعتني به كلُّ إنسان - لا سيما في خِضَمِّ هذه الفتن المتلاحقة، والملهيات المتتابعة - أن يزكي نفسه، ويجلو صدأ قلبه، وقد أمر الله تعالى بذلك، بل ربط الفلاح بذلك، فقال﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [ الشمس: 9]، وقال﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [ الأعلى: 14 ] 

وتزكية النفس هي دعوة الأنبياء والمرسلين؛ ولذلك لما دعا موسى عليه السلام فرعون قال له﴿ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ﴾ [ النازعات :  18]،  قال تعالى عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [ الجمعة: 2 ] .

وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم معنى التزكية بكلمةٍ جامعة مانعة، لها عَلاقة ساطعة بمعرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، حين سأل رجل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: ما تزكية المرء نفسَه يا رسول الله؟ فقال: ((يعلم أن الله معه حيث كان ) [15]

وهذه الكلمة هي جِماع الإحسان، وهي تعبدٌ بأسماء الله العليم الرقيب الحسيب الشهيد السميع البصير سبحانه وتعالى[16].

تلك عشرة كاملة، اقرأها مرةً أخرى وعِها وارعَها وخُذْها بقوة، تفُزْ بالسعادة الكاملة.

المراجع والشروحات   :

[1] رواه مسلم.

[2] بدائع الفوائد.

[3] طريق الهجرتين.

[4] الحجة في بيان المحجة؛ الأصفهاني.

[5] رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني.

[6] رواه أحمد والدارقطني، وصححه الألباني في صحيح الجامع.

[7] رواه أحمد والترمذي والدارقطني والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني.

[8] الفوائد؛ لابن القيم.

[9] متفق عليه.

[10] رواه البخاري معلقًا، ووصله الترمذي.

[11] المعاني الإيمانية في شرح الأسماء الحسنى الربانية؛ وحيد بالي - بتصرف.

[12] مفتاح دار السعادة؛ ابن القيم.

[13] متفق عليه.

[14] صفة الصفوة؛ لابن الجوزي.

[15] رواه البيهقي، وصححه الألباني في الصحيحة.

[16] التعبد بالأسماء والصفات؛ وليد الودعان.