سليمان عليه السلام وعرش ملكة سبأ - محمود شلبي


اضغط على الصورة للتكبير 
Click on photo to see it big 


الايات الكريمة :

بسم الله الرحمن الرحيم

فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) 

[ النمل : 36 – 40 ]


Translations : 

Translation (1) :  [ Dr. Mohsin Khan ]

[ Holy Quran - Chapter (27) - Surat : An- Naml ( The Ants ) - Verses : 36 -44  . ]

In the name of ALLAH, the Almighty God, the All Benifecent, the All Merciful. 

So when (the messengers with the present) came to Sulaimân (Solomon), he said: "Will you help me in wealth? What Allâh has given me is better than that which He has given you! Nay, you rejoice in your gift!" (36) [Then Sulaimân (Solomon) said to the chief of her messengers who brought the present]: "Go back to them. We verily shall come to them with hosts that they cannot resist, and we shall drive them out from there in disgrace, and they will be abased." (37) He said: "O chiefs! Which of you can bring me her throne before they come to me surrendering themselves in obedience?" (38) An Ifrît (strong one) from the jinn said: "I will bring it to you before you rise from your place (council). And verily, I am indeed strong, and trustworthy for such work." (39) One with whom was knowledge of the Scripture said: "I will bring it to you within the twinkling of an eye!" Then when he [Sulaimân (Solomon)] saw it placed before him, he said: "This is by the Grace of my Lord - to test me whether I am grateful or ungrateful! And whoever is grateful, truly, his gratitude is for (the good of) his ownself, and whoever is ungrateful, (he is ungrateful only for the loss of his ownself). Certainly! my Lord is Rich (Free of all wants), Bountiful." (40)


تفسير الايات الكريمة [ تفسير الوسيط في تفسير القران الكريم / طنطاوي ]

بسم الله الرحمن الرحيم

فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) 

[ النمل : 36 – 40 ]

فى الكلام يفهم من السياق، وتقتضيه بلاغة القرآن الكريم والتقدير وهيأت ملكة سبأ الهدية الثمينة لسليمان - عليه السلام-. وأرسلتها مع من اختارتهم من قومها لهذه المهمة، فلما جاء سليمان أى فلما وصل الرسل إلى سليمان ومعهم هدية ملكتهم إليه. فلما رآها قال - على سبيل الإنكار والاستخفاف بتلك الهدية - { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } أى أتقدمون إلى هذا المال الزائل والمتمثل فى تلك الهدية لأكف عن دعوتكم إلى إتيانى وأنتم مخلصون العبادة لله - تعالى - وحده. وتاركون لعبادة غيره؟ كلا لن ألتفت إلى هديتكم { فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ } من النبوة والملك الواسع { خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ } من أموال من جملتها تلك الهدية. فالجملة الكريمة تعليل لإِنكاره لهديتهم، ولاستخفافه بها، وسخريته منها. وقوله - سبحانه - { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } إضراب عما ذكره من إنكاره لتلك الهدية وتعليله لهذا الإِنكار، إلى بيان ما هم عليه من ضيق فى التفكير، حيث أوهموا أن هذه الهدية، قد تفيد فى صرف سليمان عن دعوتهم إلى وحدانية الله -تعالى -، وقد تحمله على تركهم وشأنهم. أى افهموا - أيها الرسل - وقولوا لمن أرسلكم بتلك الهدية إن سليمان ما آتاه الله من خير، أفضل مما آتاكم، وإنه يقول لكم جميعا انتفعوا أنتم بهديتكم وافرحوا بها، لأنكم لا تفكرون إلا فى متع الحياة الدنيا، أما أنا ففى غنى عن هداياكم ولا يهمنى إلا إيمانكم. ثم أتبع سليمان - عليه السلام - هذا الاستنكار بالتهديد فقال - كما حكى القرآن عنه - { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ }. أى قال سليمان لمن أرسلته بلقيس بالهدية عد من حيث أتيت ومعك هديتك. { فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } أى فوالله لنأتينهم بجنود لا قدرة لهم على مقاومتهم، ولا طاقة لهم على قتالهم. { وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } أى ووالله لنخرجن هذه الملكة وقومها من بلاد سبأ، حالة كونهم أذلة، وحالة كونهم مهزومين مقهورين، بعد أن كانوا فى عزة وقوة. وعاد الرسل بهديتهم إلى الملكة، دون أن يهتم القرآن بما جرى لهم بعد ذلك، لأن القرآن لا يهتم إلى بالجوهر واللباب فيما يقصه من أحداث. ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما طلبه سليمان - عليه السلام - من جنوده فيقول { قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ... }. 

قال ابن كثير ما ملخصه فلما رجعت الرسل إلى ملكة سبأ بما قاله سليمان، قالت قد - والله - عرفت ما هذا بملك، وما لنا به من طاقة... وبعثت إليه إنى قادمة إليك بملوك قومى، لأنظر فى أمرك وما تدعونا إليه من دينك... ثم شخصت إليه فى اثنى عشر ألف رجل من أشراف قومها - بعد أن أقفلت الأبواب على عرشها - فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة، حتى إذا دنت جمع من عنده من الإِنس والجن ممن تحت يده فقال { قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }. أى قال سليمان لجنوده أى واحد منكم يستطيع أن يحضر لى عرش هذه الملكة قبل أن تحضر إلى هى وقومها مسلمين، أى منقادين طائعين مستسلمين لما أمرتهم به. ولعل سليمان - عليه السلام - قد طلب إحضار عرشها - من بلاد اليمن إلى بيت المقدس حيث مقر مملكته، ليطلعها على عظيم قدرة الله - تعالى -، وعلى ما أعطاه - سبحانه - له من ملك عريض، ومن نعم جليلة، ومن قوة خارقة، حيث سخر له من يحضر له عرشها من مكان بعيد فى زمن يسير. ولعل كل ذلك يقودها هى وقومها إلى الإِيمان بالله رب العالمين.. وبعد أن قال سليمان لجنده أيكم يأتينى بعرشها قبل أن يأتونى مسلمين، رد عليه عفريت من الجن بقوله { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ }. والعفريت هو المارد القوى من الشياطين، الذين سخرهم الله - تعالى - لخدمة سليمان وللقيام بأداء ما يكلفهم به. ويقال له عفرين، وعفريتة - بكسر العين وسكون الفاء -. أى قال عفريت من الجن لسليمان أنا آتيك بعرش هذه الملكة، قبل أن تقوم من مقامك، أى قبل أن تقوم من مجلسك هذا الذى تجلس فيه للقضاء بين الناس. أو قبل أن تقف من جلوسك. { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } أى وإنى على حمله وإحضاره من تلك الأماكن البعيدة إليك، لقوى على ذلك، بحيث لا يثقل على حمله، ولأمين على إحضاره دون أن يضيع منه شىء. وكأن سليمان قد استبطأ إحضاره عرش تلك المملكة فى هذه الفترة التى حددها ذلك العفريت القوى، فنهض جندى آخر من جنوده، ذكره القرآن بقوله { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ }. قالوا والمراد بهذا الذى عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا، وهو رجل من صلحاء بنى إسرائيل، آتاه الله - تعالى - من لدنه علما، وكان وزيرا لسليمان. قالوا وكان يعلم اسم الله الأعظم، الذى إذا دعى به - سبحانه - أجاب الداعى، وإذا سئل به - تعالى - أجاب السائل.

قيل المراد به سليمان نفسه، ويكون الخطاب على هذا العفريت، فكأنه استبطأ ما قاله العفريت فقال له - على سبيل التحقير - أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك. وقيل المراد به جبريل، والأول هو المشهور عند المفسرين. أى قال الرجل الذى عنده علم من كتاب الله - تعالى - يا سليمان أنا آتيك بعرش بلقيس، قبل أن تغمض عينك وتفتحها، وهو كناية عن السرعة الفائقة فى إحضاره. وفى ذلك ما فيه من الدلالة على شرف العلم وفضله وشرف حامليه وفضلهم وأن هذه الكرامة التى وهبها الله - تعالى - لهذا الرجل، كانت بسبب ما آتاه - سبحانه - من علم. وجاء عرش الملكة لسليمان من بلاد اليمن إلى بلاد الشام، بتلك السرعة الفائقة { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } أى فلما رأى سليمان العرش المذكور حاضرا لديه، وكائنا بين يديه... لم يغتر ولم يتكبر، ولم يأخذه الزهو والعجب. بل قال - كما حكى القرآن عنه - { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ }. أى قال سليمان هذا الذى أراه من إحضار العرش بتلك السرعة من فضل ربى وعطائه، لكى يمتحننى أأشكره على نعمه أم أجحد هذه النعم. { وَمَن شَكَرَ } الله - تعالى - على نعمه { فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } حيث يزيده - سبحانه - منها. { وَمَن كَفَرَ } نعم الله - تعالى - وجحدها { فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ } عن خلقه { كَرِيمٌ } فى معاملته لهم، حيث لم يعاجلهم بالعقوبة، بل يعفو ويصفح عن كثير من ذنوبهم. ثم ختم - سبحانه - هذه القصة البديعة، ببيان ما فعله سليمان بالعرش، وبما قاله لملكة سبأ بعد أن قدمت إليه، وبما انتهى إليه أمرها، فقال - تعالى - { قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا... }.