كل من عليها فان - محمود شلبي
كل من عليها فان
ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام
(تبارك الله رب العالمين الحي الوارث والاول والاخر سبحانه وتعالى )
اضغط على الصورة لتكبيرها
بسم الله الرحمن الرحيم
هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
[ الانسان :1 – 5 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)
[ الرحمن : 26- 27 ]
Translation (1):
Holy Quran - Chapter (76) - Surat : Al-Insan ( the ) - Verses : 1-3
In the name of ALLAH , the Almighty God , the All Beneficent , the All Merciful
Has there not been over man a period of time, when he was not a thing worth mentioning? (1)
Verily, We have created man from Nutfah (drops) of mixed semen (sexual discharge of man and woman), in order to try him, so Wemade him hearer and seer. (2)
Verily, We showed him the way, whether he be grateful or ungrateful. (3)
Holy Quran - Chapter (55) - Surat : Ar-Rahman – Verses : 26 - 27
In the name of ALLAH , the Almighty God , the All Beneficent , the All Merciful
Whatsoever is on it (the earth) will perish. (26)
And the Face of your Lord full of Majesty and Honour will remain forever. (27)
Translation (2):
Holy Quran - Chapter (76) - Surat : Al-Insan ( the Human) - Verses : 1-3
In the name of ALLAH , the Almighty God , the All Beneficent , the All Merciful
[76.1] Indeed, there came upon the human a period of time when he was an unremembered thing.
[76.2] We have created the human from a (sperm) drop, a mixture, testing him; We made him to hear and see.
[76.3] Indeed, We have guided him to the path, he is either grateful or ungrateful.
Holy Quran - Chapter (55) - Surat : Ar-Rahman ( The Merciful ) – Verses : 26 - 27
In the name of ALLAH , the Almighty God , the All Beneficent , the All Merciful
[55.26] All that live on it will perish.
[55.27] Yet the Face of your Lord will abide forever, Majestic and Splendid.
[55.28] Which favors of your Lord will you both belie?
كل من في الكون الى هلاك وزوال ولا يبقى الا وجه الله الكريم تبارك وتعالي
في يوم ما بعد 100 سنة من الان ( وربما اقل من ذلك ) ستكون انت وانا وجميع اقاربنا
واصدقاءنا ومعارفنا وجميع من يقرأ هذا
المنشور سنكون جميعنا في هذا الموضع تحت الارض والتراب !
وسيسكن بيوتنا اناس غرباء
لا نعرفهم وسيمتلك املاكنا اشخاص اخرون لا نعرفهم ولا يعرفوا شيئا عنا وستصبح اشكالنا وصورنا واسماؤنا وافراحنا
واحزاننا ومعاناتنا واحلامنا كلها في طي
النسيان وسنصبح جميعنا مجرد سطر او كلمة
في ذاكرة بعض الناس ولن يذكرنا او يتذكرنا
احفادنا او ابناء احفادنا الا صدفة .... فمن منا يذكر او يتذكر والد جده مثلا؟ بل ان كثير منا لا يعلم اي شي عن والد جده سوى اسمه فقط.
فهذا الشخص الذي يرقد امامنا
تحت الارض ربما كان في يوم ما رجلا ذو مكانة
مرموقة وصاحب املاك وعقارات
وشركات ولو رجعنا مائة سنة الى الوراء في الماضي ربما تجد هذا الشخص يجلس في مكتبه الفاخر في شركته او ربما
تجده يركب سيارته الفارهة او تجده يجلس مع عائلته وابناؤه او اصدقاؤه في منزله او الفيلا او القصر الذي كان يمتلكه او ربما تجده في اجتماع مع كبار رجال الاعمال و ووو
و ألخ ... ولكن كل ذلك لا احد منا يعلم عنه شيئا ...
واي شخص يمر بجانب هذا القبر بالتأكيد
لايعلم اي شيء عن هذا الشخص
او تاريخ حياته ولا يعلم حتى ما هو
اسمه... ولكن الله تبارك وتعالى يعلم كل شيء
عن ذلك الشخص ويعلم كل هذه
التفاصيل الدقيقة واكثر من ذلك ... الله عز وجل وحده هو الذي يعلم كل كبيرة وصغيرة عن ذلك الشخص
و غيره ويعلم كل شيء عن جميع من في القبور منذ بدء الخليقة وحتى هذه اللحظات
ويعلم كل شيء عن كل البشر الذين سياتون الى هذه الحياة ثم يغادروها في
المستقبل وحتى تقوم الساعة.. والله عز وجل سيبعث جميع هؤلاء الناس ويعيدهم الى الحياة يوم القيامة
وسيجمع الاولين والاخرين الى يوم الحساب .
ان وجودنا ليس سوى ومضة في عمر الكون ستطوى وتنقضى في طرفة عين وسنصبح
جميعنا نسيا منسيا وسياتي بعدنا مئات
الاجيال كل جيل يودع الدنيا على عجل ويسلم
الراية للجيل التالي قبل ان يحقق
ربع احلامه ...هذا هو حجمنا الحقيقي في هذه الدنيا وهذا هو
عمرنا وزمننا الحقيقي في هذا الكون
وهو اصغر مما نتخيل
ونتصور .
وهذا هو معنى الاية الكريمة العظيمة
( هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا )
انا وانت وجميع الناس الذين نراهم حولنا نحن جميعنا قبل ان نولد كنا " شيئا غير مذكور " ولا احد يعلم عنا اي شئ سوى الله تبارك وتعالى وبعد ان نموت بسنوات معدودة سنصبح ايضا "شيئا غير مذكور " ولا احد يعلم عنا اي شئ سوى الله تبارك وتعالى.
بعد مائة عام سنكون
جميعنا في قبورنا تحت الارض مثل هذا الشخص الذي امامنا ... في
ذلك الحين وهناك في وسط الظلام والسكون سندرك
كم كانت الدنيا تافهة وكم كانت
احلامنا بالاستزادة منها سخيفة ..
وعندها سنتحسر على كل لحظة اضعناها
من اعمارنا سعيا وراء الدنيا و سنتمنى لو
امضينا اعمارنا في عبادة الله تبارك وتعالى وجمع الحسنات وعمل الصالحات !
طالما انه لا زال في العمر
بقية فلتعتبر وتتغير ! ولتعمل لذلك اليوم
الذي تكون فيه تحت الارض !
وتذكر دائما بان ( لذة
المعصية تزول ويبقى جزاؤها وتعب الطاعة يزول ويبقي ثوابها )
اعمل لمثل هذا اليوم ولمثل هذا الموقف وهذه الساعة ! فلا احد يعلم متى ياتي الموت ! نعم انه الموت ! ذلك الزائر المفاجيء وهادم اللذات ومفرق الجماعات والزائر الذي سياتيك فجأة ودون سابق انذار او اشعار وياتيك في الوقت المكتوب والمحدد في علم الله عز وجل وياتيك اينما كنت حتى ولو كنت في بروج مشيدة .واذا ما نظرت وتأملت في المقابر ستلاحظ بان عدد الشباب والاطفال في المقابر هو غالبا اكثر من عدد العجزة والمسنين
فعاجلا ام اجلا ستترك كل ما بنيته وجمعته في الدنيا لتنزل وحيدا في حفرة من التراب في مكان مهجور بعيد عن جميع الناس... وستترك كل ما جمعته من الاموال والذهب والسيارات واليخوت والطائرات الخاصة وستترك الفيلا والقصر وكل من خلفته من الابناء والبنات والاحفاد ... وهناك في ظلمة القبر ستقبع وحيدا ليس معك اي شيء سوي عملك وسيكون عملك اما على هيئة شخص قبيح المنظر ومرعب الشكل اذا كان عملك سيئا او يكون على شكل شخص حسن الهيئة اذا كان عملك صالحا واما القبر فسيكون اما حفرة من حفر النار اذا كنت من الاخسرين او سيكون روضة من رياض الجنة اذا كنت من الصالحين وبحسب عملك وما قدمته في حياتك ....
وهناك وفي حفرة مظلمة على عمق 2 متر من سطح الارض وفي مكان مهجور وموحش بعيد عن الناس لن تنفعك الاموال التي جمعتها في الدنيا حتى ولو كنت ملياردير ولن تنفعك السيارات الفارهة التي كنت تمتلكها ولن تنفعك القصور والفلل التي كنت تسكنها ولن ينفعك الابناء والبنات والاحفاد حتى ولو كانوا من ذوي الجاه والمناصب في الدنيا ... وهناك في تلك الحفرة لن ينفعك اي شيء في الدنيا سوى عملك الصالح وعبادتك لله سبحانه وتعالى
وعندها ستدرك بان الشيء الوحيد الذي كان يتوجب عليك الاهتمام به هو فقط عبادة الله تبارك وتعالي والسعي لمرضاته عز وجل لان هذا هو الشيء الوحيد الذي سينفعك في تلك الحفرة وفيما عدا ذلك فقد كان كله لهو ولعب وتفاخر وتكاثر بالاموال والاولاد ولا ينفعك بشيء في ظلمة القبر . وعندها ستدرك معنى هذه الاية الكريمة والعظيمة من سورة الذاريات والتي لا يعرف معناها الكثير من الناس اثناء الحياة ولكنهم بالتأكيد سيعرفون ويفهمون معناها بعد الموت
وصدق الله العظيم سبحانه وتعالى في الاية الكريمة
( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ]
والعاقل هو من يدرك هذه الحقيقة وهو ما زال على قيد الحياة وقبل الموت والعاقل هو من يدرك بان عبادة الله عز وجل هو الشيء الوحيد الذي يجب ان يهتم به ويستثمر فيه كل مجهودة ووقته وامواله وفيما عدا ذلك فهو لهو ولعب
وصدق الله العظيم تبارك وتعالى في الاية الكريمة
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)} [الحديد :20 ]
اللهم احسن خاتمتنا واجعلنا من عبادك الصالحين
اعمل لمثل هذا اليوم ولمثل هذا الموقف وهذه الساعة ! فلا احد يعلم متى ياتي الموت ! نعم انه الموت ! ذلك الزائر المفاجيء وهادم اللذات ومفرق الجماعات والزائر الذي سياتيك فجأة ودون سابق انذار او اشعار وياتيك في الوقت المكتوب والمحدد في علم الله عز وجل وياتيك اينما كنت حتى ولو كنت في بروج مشيدة .واذا ما نظرت وتأملت في المقابر ستلاحظ بان عدد الشباب والاطفال في المقابر هو غالبا اكثر من عدد العجزة والمسنين
فعاجلا ام اجلا ستترك كل ما بنيته وجمعته في الدنيا لتنزل وحيدا في حفرة من التراب في مكان مهجور بعيد عن جميع الناس... وستترك كل ما جمعته من الاموال والذهب والسيارات واليخوت والطائرات الخاصة وستترك الفيلا والقصر وكل من خلفته من الابناء والبنات والاحفاد ... وهناك في ظلمة القبر ستقبع وحيدا ليس معك اي شيء سوي عملك وسيكون عملك اما على هيئة شخص قبيح المنظر ومرعب الشكل اذا كان عملك سيئا او يكون على شكل شخص حسن الهيئة اذا كان عملك صالحا واما القبر فسيكون اما حفرة من حفر النار اذا كنت من الاخسرين او سيكون روضة من رياض الجنة اذا كنت من الصالحين وبحسب عملك وما قدمته في حياتك ....
وهناك وفي حفرة مظلمة على عمق 2 متر من سطح الارض وفي مكان مهجور وموحش بعيد عن الناس لن تنفعك الاموال التي جمعتها في الدنيا حتى ولو كنت ملياردير ولن تنفعك السيارات الفارهة التي كنت تمتلكها ولن تنفعك القصور والفلل التي كنت تسكنها ولن ينفعك الابناء والبنات والاحفاد حتى ولو كانوا من ذوي الجاه والمناصب في الدنيا ... وهناك في تلك الحفرة لن ينفعك اي شيء في الدنيا سوى عملك الصالح وعبادتك لله سبحانه وتعالى
وعندها ستدرك بان الشيء الوحيد الذي كان يتوجب عليك الاهتمام به هو فقط عبادة الله تبارك وتعالي والسعي لمرضاته عز وجل لان هذا هو الشيء الوحيد الذي سينفعك في تلك الحفرة وفيما عدا ذلك فقد كان كله لهو ولعب وتفاخر وتكاثر بالاموال والاولاد ولا ينفعك بشيء في ظلمة القبر . وعندها ستدرك معنى هذه الاية الكريمة والعظيمة من سورة الذاريات والتي لا يعرف معناها الكثير من الناس اثناء الحياة ولكنهم بالتأكيد سيعرفون ويفهمون معناها بعد الموت
وصدق الله العظيم سبحانه وتعالى في الاية الكريمة
( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ]
والعاقل هو من يدرك هذه الحقيقة وهو ما زال على قيد الحياة وقبل الموت والعاقل هو من يدرك بان عبادة الله عز وجل هو الشيء الوحيد الذي يجب ان يهتم به ويستثمر فيه كل مجهودة ووقته وامواله وفيما عدا ذلك فهو لهو ولعب
وصدق الله العظيم تبارك وتعالى في الاية الكريمة
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)} [الحديد :20 ]
اللهم احسن خاتمتنا واجعلنا من عبادك الصالحين
تفسير الايات الكريمة من سورة الانسان :
الاستفهام فى قوله - تعالى - { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ.. }
للتقرير. والمراد بالإِنسان جنسه، فيشمل جميع بنى آدم، والحين المقدار المجمل من
الزمان، لأحد لأكثره ولا لأقله. والدهر الزمان الطويل غير المحدد بوقت معين.
والمعنى لقد أتى على الإِنسان { حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } أى وقت غير محدد من
الزمان الطويل الممتد فى هذه الحياة الدنيا. { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً }
أى لم يكن هذا الإِنسان فى ذلك الحين من الدهر، شيئا مذكورا من بين أفراد جنسه،
وإنما كان شيئا غير موجود إلا فى علم الله - تعالى -. ثم أوجده - سبحانه - بعد ذلك
من نطفة فعلقة فمضغة.. ثم أنشأه - سبحانه - بعد ذلك خلقا آخر، فتبارك الله أحسن
الخالقين. فالمقصود بهذه الآية الكريمة بيان مظهر من مظاهر قدرته - عز وجل - حيث
أوجد الإِنسان من العدم، ومن كان قادرا على ذلك، كان - من باب أول - قادرا على
إعادته إلى الحياة بعد موته، للحساب والجزاء. قال الإِمام الفخر الرازى ما ملخصه
اتفقوا على أن " هل " هاهنا، وفى قوله - تعالى -{ هَلْ أَتَاكَ
حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } بمعنى قد، كما تقول هل رأيت صنيع فلان، وقد علمت
أنه قد رآه. وتقول هل وعظتك وهل أعطيتك، ومقصودك أن تقرره بأنك قد أعطيته ووعظته.
والدليل على أن " هل " هنا ليست للاستفهام الحقيقى.. أنه محال على الله
- تعالى - فلابد من حمله على الخبر. وجاءت الآية الكريمة بأسلوب الاستفهام، لما
فيه من التشويق إلى معرفة ما سيأتى بعده من كلام. وجملة { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً
} فى وضع نصب على الحال من الإِنسان، والعائد محذوف. أى حالة كون هذا الإِنسان، لم
يكن فى ذلك الحين من الدهر، شيئا مذكورا من بين أفراد جنسه. وإنما كان نسيا منسيا،
لا يعلم بوجوده أحد سوى خالقه - عز وجل -. ثم فصل - سبحانه - بعد هذا التشويق،
أطوار خلق الإِنسان فقال { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ
نَّبْتَلِيهِ } والمراد بالإِنسان هنا - أيضا - جنسه وجميع أفراده. و " أمشاج
" بمعنى أخلاط من عناصر شتى، مشتق من المشج بمعنى الخلط، يقال مشج فلان بين
كذا وكذا - من باب ضرب - إذا خلط ومزج بينهما، وهو جمع مشَج - كسبب، أو مَشِج -
ككتف، أو مشيج - كنصير. قال الجمل " أمشاج " نعت لنطفة. ووقع الجمع صفة
لمفرد، لأنه فى معنى الجمع، أو جعل كل جزء من النطفة نطفة، فاعتبر ذلك فوصف
بالجمع.. ويرى صاحب الكشاف ان لفظ " أمشاج " مفرد جاء على صيغة أفعال، كلفظ
أعشار فى قولهم برمة أعشار، أى برمة متكسرة قطعا قطعا، وعليه يكون المفرد قد نعت
بلفظ مفرد مثله.
فقد قال - رحمه الله - { مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } كبرمة أعشار.. وهى
ألفاظ مفردة غير جموع. ولذلك وقعت صفات للأفراد، والمعنى من نطفة قد امتزج فيها
الماءان.. وجملة " نبتليه " حال من الإِنسان. أو من فاعل " خلقنا
". أى إنا خلقنا الإِنسان بقدرتنا وحدها. " من نطفة " أى من
مَنِىٍّ، وهو ماء الرجل وماء المرأة، " أمشاج " أى ممتزج أحدهما بالآخر
امتزاجا تاما. أو خلقناه من نطفة مختلطة بعناصر متعددة، تتكون منها حياة الإِنسان
بقدرتنا وحمكتنا. وخلقناه كلذلك حالة كوننا مريدين ابتلاءه واختباره بالتكاليف، فى
مستقبل حياته حين يكون أهلا لهذه التكاليف. { فَجَعَلْنَاهُ } بسبب إرادتنا
ابتلاءه واختباره بالتكاليف عند بلوغه سن الرشد { سَمِيعاً بَصِيراً } أى فجعلناه
بسبب هذا الابتلاء والاختبار والتكاليف مزودا بوسائل الإِدراك، التى بواسطتها يسمع
الحق ويبصره ويستجيب له ويدرك الحقائق والآيات الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وصدق
رسلنا.. إدراكا سليما، متى اتبع فطرته، وخالف وساوس الشيطان وخطواته. وخص - سبحانه
- السمع والبصر بالذكر، لأنهما أنفع الحواس للإِنسان، إذ عن طريق السمع يتلقى دعوة
الحق وما اشتملت عليه من هدايات، وعن طريق البصر ينظر فى الأدلة المتنوعة الكثيرة
التى تدل على وحدانية الله - تعالى - وعلى صدق أنبيائه فيما جاءوا به من عند ربهم.
وقوله - سبحانه - { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ } تعليل لقوله { نَّبْتَلِيهِ }
، وتفصيل لقوله - تعالى - { فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } ، والمراد بالهداية
هنا الدلالة إلى طريق الحق، والإِرشاد إلى الصراط المستقيم. أى إنا بفضلنا
وإحساننا - قد أرشدنا الإِنسان إلى ما يوصله إلى طريق الحق والصواب، وأرشدناه إلى
ما يسعده، عن طريق إرسال الرسل وتزويده بالعقل المستعد للتفكر والتدبر فى آياتنا
الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا. وقوله { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } حالان
من ضمير الغيبة فى " هديناه " وهو ضمير الإِنسان. و " إما "
للتفصيل باعتبار تعدد الأحوال مع اتحاد الذات أو للتقسيم للمهدى بحسب اختلاف
الذوات والصفات. أى إنا هديناه ودللناه على ما يوصله إلى الصراط المستقيم، فى
حالتى شكره وكفره، لأنه إن أخذ بهدايتنا كان شاكرا، وإن أعرض عنها كان جاحدا
وكافرا لنعمنا، فالهداية موجودة فى كل الأحوال، إلا أن المنتفعين بها هم الشاكرون
وحدهم. ومثل ذلك كمثل رجلين، يرشدهما مرشد إلى طريق النجاة، فأحدهما يسير فى هذا
الطريق فينجو من العثرات والمتاعب والمخاطر.. والآخر يعرض عن ذلك فيهلك. ولما كان
الشكر قل من يتصف به، كما قال - سبحانه -{ وَقَلِيلٌ مِّنْ
عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } جاء التعبير بقوله - سبحانه - { شَاكِراً } بصيغة اسم الفاعل. ولما
كان الجحود والكفر يعم أكثر الناس، جاء التعبير بقوله - تعالى - { كَفُوراً }
بصيغة المبالغة. والمقصود من الآية الكريمة قفل الباب أمام الذين يفسقون عن أمر
ربهم، ويرتكبون ما يرتكبون من السيئات.. ثم بعد ذلك يعلقون أفعالهم هذه على قضاء
الله وقدره، ويقولون - كما حكى القرآن عن المشركين -{ لَوْ
شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ } ثم
بين - سبحانه - بعد هذه الهداية، ما أعده لفريق الكافرين، وما أعده لفريق
الشاكرين، فقال - تعالى - { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ... }.
تفسير الايات الكريمة من سورة الرحمن
{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } * { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} * { يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }
والضمير فى { عَلَيْهَا } يعود إلى الأرض بقرينة المقام، والمراد بمن عليها كل من يعيش فوقها، ويدخل فيهم دخولا أوليا بنو آدم، لأنهم هم المقصودون بالخطاب، ولذا جىء بمن الموصولة الخاصة بالعقلاء. أى كل من على الأرض من إنسان وحيوان وغيرهما سائر إلى الزوال والفناء { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } وذاته بقاء لا تغير معه ولا زوال، فهو - سبحانه - { ذُو ٱلْجَلاَلِ } أى ذو العظمة والاستغناء المطلق { وَٱلإِكْرَامِ } أى والفضل التام، والإِحسان الكامل.. وقال - سبحانه - { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } ولم يقل ويبقى وجه ربكما. كما فى قوله { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا... }. لأن الخطاب للنبى - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التكريم والتشريف، ويدخل تحته كل من يتأتى له الخطاب على سبيل التبع. قال القرطبى لما نزلت هذه الآية قالت الملائكة هلك أهل الأرض، فنزلت{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } فأيقنت الملائكة بالهلاك. وقوله { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } أى ويبقى الله، فالوجه عبارة عن وجوده وذاته، قال الشاعر
قضى على خلقه المنايا فكل شىء سواه زائل
وهذا الذى ارتضاه المحققون من علمائنا... وقوله - تعالى - {
يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } بيان
لغناه المطلق عن غيره، واحتياج غيره إليه. والمراد باليوم هنا مطلق الوقت مهما قل
زمنه، والشأن الأمر العظيم، والحدث الهام.. أى أنه - سبحانه - يسأله من فى
السماوات والأرض، سؤال المحتاج إلى رزقه، وفضله، وستره، وعافيته.. وهو - عز وجل -
فى كل وقت من الأوقات، وفى كل لحظة من اللحظات، فى شأن عظيم. وأمر جليل، حيث يحدث
ما يحدث من أحوال فى هذا الكون، فيحيى ويميت، ويعز ويذل، ويغنى ويفقر، ويشفى
ويمرض.. دون أن يشغله شأن عن شأن.. قال الآلوسى ما ملخصه قوله { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ
فِي شَأْنٍ } أى كل وقت من الأوقات، هو فى شأن من الشئون، التى من جملتها إعطاء ما
سألوا. فإنه - تعالى - لا يزال ينشىء أشخاصا، ويفنى آخرين، ويأتى بأحوال، ويذهب
بأحوال، حسبما تقتضيه إرادته المبنية على الحكم البالغة.. أخرج البخارى فى تاريخه،
وابن ماجه، وجماعة عن ابى الدرداء، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فى
هذه الآية " من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، و يخفض
آخرين ".وسأل بعضهم أحد الحكماء، عن كيفية الجمع بين هذه الآية، وبين ما صح
من أن القلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة، فقال " شئون يبديها لا شئون
يبتديها ".. وانتصب " كل يوم " على الظرفية، والعامل فيه هو العامل
فى قوله - تعالى - { فِي شَأْنٍ } وهو ثابت المحذوف، فكأنه قيل هو ثابت فى شأن كل
يوم.
.. ثم هدد - سبحانه - الذين يخالفون عن أمره تحذيرا شديدا، فقال {
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
}. وجىء بحرف التنفيس الدال على القرب وهو السين للإِشعار بتحقق ما أخبر به -
سبحانه -. وقوله { نَفْرُغُ } من الفراغ، وهو الخلو عما يشغل.. والمراد به هنا
القصد إلى الشىء والإِقبال عليه، يقال فلان فرغ لفلان وإليه، إذا قصد إليه لأمر
ما. والثقلان تثنية ثقل - بفتحتين -، وأصله كل شىء له وزن وثقل، والمراد بهما هنا
الإِنس والجن. والمعنى سنقصد يوم القيامة إلى محاسبتكم على أعمالكم، وسنجازيكم
عليها بما تستحقون، وسيكون هذا شأننا - أيها الثقلان - فى هذا اليوم العظيم. قال
صاحب الكشاف قوله { سَنَفْرُغُ لَكُمْ } مستعار من قول الرجل لمن يتهدده، سأفرغ
لك، يريد سأتجرد للإِيقاع بك من كل ما يشغلنى عنك، حتى لا يكون لى شغل سواه،
والمراد التوفر على النكاية فيه، والانتقام منه. ويجوز أن يراد ستنتهى الدنيا
وتبلغ آخرها، وتنتهى عند ذلك شئون الخلق التى أرادها بقوله - تعالى - { كُلَّ
يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } ، فلا يبقى إلا شأن واحد، وهو جزاؤكم، فجعل ذلك فراغا
لهم على طريق المثل... وقوله - سبحانه - { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ
ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ
فَٱنفُذُواْ... } مقول لقول محذوف، دل عليه ما قبله. والمعشر - برنة مفعل - اسم
للجمع الكثير الذى يعد عشرة فعشرة. وقوله { تَنفُذُواْ } من النفاذ بمعنى الخروج
من الشىء، والأمر منه وهو قوله { فَٱنفُذُواْ } مستعمل فى التعجيز. والأقطار جمع
قطر - بضم القاف وسكون الطاء - وهو الناحية الواسعة.. والمعنى سنقصد إلى محاسبتكم
ومجازاتكم على أعمالكم يوم القيامة، وسنقول لكم على سبيل التعجيز والتحدى. يا معشر
الجن والإِنس، إن استطعتم أن تنفذوا وتخرجوا من جوانب السماوات والأرض ومن
نواحيهما المتعددة. فانفذوا واخرجوا، و خلصوا أنفسكم من المحاسبة والمجازاة..
وجملة { لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } بيان للتعجيز المتمثل فى قوله -
تعالى - { فَٱنفُذُواْ } ، والسلطان المراد به هنا القدرة والقوة. أى لا تنفذون من
هذا الموقف العصيب الذى أنتم فيه إلا بقدرة عظيمة، وقوة خارقة، تزيد على قوة
خالقكم الذى جعلكم فى هذا الموقف، وأنى لكم هذه القوة التى أنتم أبعد ما تكونون
عنها؟. فالمقصود بالآية الكريمة، تحذير الفاسقين والكافرين، من التمادى فى فسقهم
وكفرهم، وبيان أنهم سيكونون فى قبضة الله - تعالى - وتحت سلطانه، وأنهم لن
يستطيعوا الهروب من قبضته وقضائه فيهم بحكمه العادل. وشبيه بهذه الآية قوله -
تعالى
-{ فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ
وَٱلْقَمَرُ يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ كَلاَّ لاَ وَزَرَ
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ }
وقوله - سبحانه - { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ
مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } استئناف فى جواب سؤال مقدر عما
سيصيبهم إذا ما حاولوا الفرار. والشواظ اللهب الذى لا يخالطه دخان، لأنه قد تم
اشتعاله فصار أشد إحراقا. والنحاس المراد به هنا الدخان الذى لا لهب فيه، ويصح أن
يراد به الحديد المذاب. أى أنتم لا تستطيعون الهرب من قبضتنا بأى حال من الأحوال،
وإذا حاولتم ذلك، أرسلنا عليكم وصببنا على رءوسكم لهبا خالصا فأحرقكم، ودخانا لا
لهب معه فكتم أنفاسكم، وفى هذه الحالة لا تنتصران، ولا تبلغان ما تبغيانه، ولا
تجدان من يدفع عنكم عذابنا وبأسنا. هذا والمتأمل فى تلك الآيات الكريمة. يراها قد
صورت بأسلوب بديع تفرد الله - تعالى - بالملك والبقاء، وافتقار الخلائق جميعا إلى
عطائه، وأنهم جميعا فى قبضته، ولن يستطيعوا الهروب من حكمه فيهم.