الاسراء والمعراج والمسجد الاقصى - محمود شلبي

سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى 


اضغط على الصورة لتكبيرها
Click on photo to see it big

بسم الله الرحمن الرحيم
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
[ الاسراء 1 ]

Translation (1) :
Holy Quran - Surat : Al-Israa - Verse:1

In the name of ALLAH the Almighty GOD, the Most Beneficent, the Most Merciful.
1: GLORY TO HIM who took His votary to a wide and open land from the Sacred Mosque (at Makkah) to the distant Mosque whose precincts We have blessed, that We may show him some of Our signs. Verily He is all-hearing and all-seeing.


( المسجد الاقصى اولى القبلتين وثالث الحرمين )
المسجد الاقصى هو ثالث المقدسات الاسلامية بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
والقدس هي ثالث المدن الاسلامية المقدسة بعد مدينة مكة المكرمه وبعد المدينة المنورة
وسورة الاسراء الكريمة تظهر بوضوح لجميع المسلمين بان : من يفرط بالمسجد الاقصى والقدس هو يفرط بثالث المقدسات الاسلامية ويفرط  بدين الاسلام وجميع الامة الاسلامية )
والتنازل عن القدس والتفريط بها هو تفريط بالمسجد الاقصى وتفريط باكبر امانة في عنق كل مسلم وخيانة لله ورسوله وخيانة للاسلام والامة الاسلامية جمعاء
يقول الله سبحانه وتعالي في كتابة الكريم
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )
(الانفال 27)
والمسجد الاقصى هو امانة في عنق كل مسلم نطق لسانه بالشهادتين وهل هناك امانة في عنق المسلمين اكبر من امانة المسجد الاقصى ( اولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى ومعراج الرسول الكريم ) ؟


قال ابن القيم‏:
( أُسْرِىَ برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكبًا على البُرَاق، صحبه جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إمامًا، وربط البراق بحلقة باب المسجد‏، ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا ).
إن رحلة ومعجزة الإسراء والمعراج لم تكن مجرد حادث عادي، بل اشتملت على معانٍ ودروس كثيرة، وأظهرت بشكل واضح فضْل النبي صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء والرسل.


قال سبحانه وتعالى في كتابة الكريم
( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )
صدق الله العظيم
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى )
رواه البخاري ومسلم وغيرهما
عن أبي الدرداء : قال عليه الصلاة والسلام:
« فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة وفي مسجدي ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة »
أخرجه البزار- البحر-(4142) قال هذا إسناد حسن.

( حكم الشرع في التنازل عن القدس الشريفة - فتوى لفضيلة الشيخ الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي )

اسم المفتي: الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
السؤال: نريد من سمحاتكم بيان حكم الشرع في التنازل عن (القدس الشريفة) وماذا على المسلمين حكاما ومحكومين تجاه ما يتعرض له أرض الإسراء من تنكيل وقتل وتشريد؟
الإجابة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أخي الكريم: إن ما يتعرض له الأقصى الحبيب جريمة سنحاسب عليها جميعا بين يدي الله عز وجل لو تقاعسنا أو تخاذلنا وليس لنا عذر أمام الله -عز وجل- لو لم ننهض لمسح الخزي والعار الذي لحق بأمتنا وليست القدس ملكا لأهل فلسطين إنما هي ميراث المسلمين ليس لحاكم أو محكوم أن يفرط في شبر من أرض الإسراء "ومن يفعل ذلك يلق أثاما" لذا واجب علينا جميعا أن ننهض لإعادة الحق المغصوب والمجد المسلوب "ومن نكث فإنما ينكث على نفسه"
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضـاوي
لا يجوز لمسلم – مسؤولاً كان أو غير مسؤول - أن يتنازل عن أي جزء من أرض الإسلام، فأرض الإسلام ليست ملكًا لرئيس ولا لأمير ولا لوزير ولا لجماعة من الناس، حتى تتنازل عنها تحت أي ضغط أو ظرف.
وإنما الواجب على الأفراد والجماعات الجهاد والنفير والمقاومة لتحرير أي أرض احتلها الأعداء، أو لاستعادتها إذا اغتصبها مغتصب، والأمة كلها مسؤولة بالتضامن عن ذلك، لا يملك حاكم ولا محكوم التفريط في هذا الأمر.
وإذا عجز جيل من أجيال الأمة أو تقاعس، فلا يجوز له أن يفرض عجزه أو تقاعسه على كل أجيال الأمة القادمة إلى يوم القيامة، فيتنازل عما لا يجوز له التنازل عنه.
ولهذا أصدرنا فتوانا بتحريم قبول التعويض عن أرض فلسطين بالنسبة للاجئين المشردين في أنحاء العالم، ولو بلغ مئات المليارات، فأوطان الإسلام لا تقبل البيع ولا التنازل أو التعويض عنها بحال من الأحوال.
وإذا كان هذا الحكم في شأن أي أرض إسلامية، فكيف إذا كانت هذه الأرض هي القدس الشريف، أولى القبلتين، وبلد المسجد الأقصى، وثالث المدن المعظمة في الإسلام بعد مكة والمدينة، والأرض التي انتهى إليها الإسراء، وابتدأ منها المعراج. وحسبنا في فضلها قول الله تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا" الإسراء: 1.
ولهذا كان للقدس مكان في قلب كل مسلم، في المشرق أو المغرب، تمس شغافه، وتتغلغل في أعماقه، حبًا لها، وحرصًا عليها، وغيرة على حرماتها، واهتمامًا بشأنها. ومن أجلها أصبحت قضية فلسطين هي قضية المسلمين الأولى، لها يفزعون، وعليها يحافظون، وفي سبيلها يدافعون ويقاتلون، ولا يضنون عليها بنفس ولا نفيس.
والقدس هي رمز قضية فلسطين، المشير إليها والمعبر عنها، وهي جوهر القضية وروحها، وهي كما قال القائل:
فما معنى فلسطين بلا أقصى ولا قدس؟
فلسطين بلا قدس كجثمان بـلا رأس!
وكثيرًا ما سألني شباب مسلم في جولاتي المختلفة في بلاد الإسلام، وضعوا رؤوسهم على أكفهم، وقالوا بحرارة وحرقة: كيف نبرئ ذمتنا ونسقط الفرض الواجب في أعناقنا في الدفاع عن القدس؟ وكيف الطريق إليها؟
ولقد رأينا كيف هاج العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، حينما حاول يهودي متعصب إحراق المسجد الأقصى سنة 1969، فتنادى المسلمون في كل مكان، وحينما احتل الصليبيون القدس قديمًا، كان الذين عملوا على تحريرها مسلمين من غير العرب، مثل عماد الدين زنكي التركي، وابنه نور الدين محمود الشهيد، وتلميذه صلاح الدين الأيوبي الكردي، الذي حرر القدس على يديه.
ولا يزال المسلمون في كل مكان مستعدين للبذل والتضحية من أجل القدس العزيز، وهذا ما لمسته لدى كل الشعوب التي زرتها، ابتداء من الفلبين وإندونيسيا في الشرق إلى المغرب العربي في الغرب، وإن لم ينعكس هذا بصورة قوية وواضحة لدى حكام المسلمين للأسف.
إن القدس جزء عزيز من دار الإسلام، وأرض الإسلام، ووطن الإسلام، وقد صار للمسلمين فيها أربعة عشر قرنًا من الزمان، ولم يأخذوها من اليهود، فقد انتهى الوجود اليهودي فيها منذ مئات السنين، كما انتهت دولتهم قبل ذلك بمئات السنين، فلم تقم لليهود دولة في فلسطين إلا بضع مئات من السنين، وكان العرب وغيرهم فيها منذ آلاف السنين.
لقد تسلم عمر بن الخطاب القدس من (بطريركها) النصراني، وكان مما شارط عليه عمر: ألا يساكنهم فيها يهود!


( معلومات عن المسجد الاقصى )
يقع المسجد الأقصى في قلب مدينة القدس، ويعتبر من أقدم المساجد على وجه الأرض، حيثُ روي عن النبي أنه بُني بعد الكعبة بأربعين سنة. وقد ورد ذكره في القرآن الكريم؛ لتعظيمه، حيثُ شهد رحلتي الإسراء والمعراج، وذلك بقوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البصير". وهو أحد المساجد الثلاثة، التي تُشد الرحال إليها، كما قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: «لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا (المسجد النبوي)، والمسجد الأقصى».
مآذن المسجد الاقصى :
للمسج الأقصى أربع مآذن، هي مئذنة باب المغاربة الواقعة الجنوب الغربي، مئذنة باب السلسلة الواقعة في الجهة الغربية قرب باب السلسلة، مئذنة باب الغوانمة الواقعة في الشمال الغربي، ومئذنة باب الأسباط الواقعة في الجهة الشمالية.
قباب المسجد الاقصى :
له أربع عشرة قبة ومنها: قبة الأرواح، قبة النبي، قبة موسى، قبة سليمان.
أبواب المسجد الاقصى :
له خمسة عشر باباً، منها عشرة مفتوحة والباقي مغلقة ومنها: باب المغاربة، باب الأسباط.
الأروقة في المسجد الاقصى :
له رواقان هما الرواق الشرقي والرواق الغربي.
البوائك: له ثماني بوائك.
مساجده الفرعية:
المسجد القبلي: يقع جنوب المسجد الأقصى وقبته رصاصية اللون.
مصلى الأقصى القديم: ويقع تحت المسجد القبلي.
المصلى المرواني: ويقع أسفل الزاوية الجنوبية الشرقية للمسجد الأقصى، وكان يُعرَف قديماً «بالتسوية الشرقية».
مسجد قبة الصخرة: وتعتبر قبّته أحد أهم وأبرز المعالم المعمارية الإسلامي، وأقدم بناء إسلامي بقي محافظاً على شكله وزخرفته في الأغلب، بَنى هذه القبّة الخليفة عبدالملك بن مروان، حيثُ بدأ في بنائها عام 66 هـ الموافق 685، وانتهى منها عام 72 هـ الموافق 691.
مصلى النساء: يقع داخل المسجد الأقصى، ويرى باحثون أن بناءه يعود إلى العهد الصليبي، حيثُ بُني ككنيسة؛ ليعيده صلاح الدين الأيوبي لمُصلّى خُصّص للنساء.[33]
مسجد البراق: ويقع في الناحية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى، وسُمّي بذلك نسبةً إلى المكان الذي ربط فيه النبي محمد دابته البراق في رحلة الإسراء والمعراج، وفيه حلقة عثمانية يُقال إنّها وُضعت في مكان الحلقة التي رُبط عندها البراق.
مسجد المغاربة: ويقع في الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى جنوبي حائط البراق.
سبب تسمية المسجد الاقصى :
سمي المسجد الأقصى بهذا الأسم تبعاً لقول الله تعالى”سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجدِ الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله”سورة الإسراء، وأيضاً لبعده الشديد عن أهل مكة فقد كان أبعد المساجد عنهم.
وقبل نزول القرآن الكريم أطلق عليه بيت المقدس فقد كان منذ نشأته وهو له قدسية لدى كل من سكن جواره أو ذهب له من أجل العبادة،وقد كان أغلب ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم للمسجد الأقصى في أحاديثه بأسم بيت المقدس، وقد اختلف العلماء في تحديد متى بنى المسجد الأقصى.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر بأن الفرق بين بناء الكعبة وبناء المسجد الأقصى أربعون عاماً، ويأتي اختلاف ميعاد بناءه من الإختلاف حول متى بنيت الكعبة المشرفة هل بناها آدم عليه السلام أم بنتها الملائكة.
وقد أنقسم العلماء والمؤخرون إلى قسمين فمنهم من رجح أن آدم عليه السلام هو من بني المسجد، ومنهم من أكد أنه سيدنا إبراهيم عليه السلام ، ولكن ما أتفق عليه بأن حدود المسجد موجودة منذ قديم الأزل.
وهناك قضية هامة بشأن المسجد الأقصى وهي حدوده فلدينا إعتقاد خاطئ بأن المسجد الأقصى هو فقط المصلى القبلي الذي يقع جنوب مسجد قبة الصخرة، ولكن حدود المسجد تشمل كل ما داخل السور من مسجد قبة الصخرة والمصلى القبلي والمصلى المرواني والمآذن والحدائق حيث تبلغ مساحة المسجد 144,000 متر.
سبب تسمية المسجد الاقصى باسم ( اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ) :
يتردد على أذهاننا دوماً كلمة قبلة ولكن ماذا تعني الكلمة؟ القبلة هي المقصد أو الهدف وفي الإسلام هي المكان الذي يتوجه فيه المسلمين عند صلاتهم .
وقد كان المسجد هو القبلة الأولى للمسلمين في عام واحد من الهجرة حيث ظلوا يتوجهون في صلاتهم للمسجد الأقصى لمدة عامٍ وأربعة أشهر.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم حباً في مكة تمنى أن تكون قبلته وقبلة المسلمين حتى آخر الزمان ولما كان الله عالم الغيب والشهادة فقد بشره في سورة البقرة “قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فولي وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره”.
وبهذا تحولت قبلة المسلمين من المسجد الاقصى الى المسجد الحرام ، وقد جعل الله عز وجل ذلك الموقف إختباراً لإيمان المسلمين ليعلم من منهم صادقاً حقاً ومن هو على حرف.
سبب تسميته بثالث الحرمين الشريفين :
نستمع كثيراً كلمة الحرم وخاصة الحرم المكي والنبوي فماذا تعني كلمة الحرم؟ الحرم هو ما لايحل انتهاكه وهو ما يدافع عنه الرجال ، أي هو مكان له قدسيه لا يحل فيه القتال وسفك الدماء وجعل من أجل العبادة فقط.

وسمي المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين لأن المسجد الاقصى له قدسيه عظيمة تأتي في مكانتها بعد الحرمين الشريفين وهما الحرم المكي أي بيت الله الحرام والحرم النبوي أي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرح وتفسير الاية الكريمة

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
 سورة الاسراء- الاية رقم 1 
تعريف بسورة الإسراء
1- سورة الإسراء هي السورة السابعة عشرة في ترتيب المصحف، فقد سبقتها سورة:
الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والنساء.... إلخ.
أما ترتيبها في النزول، فقد ذكر السيوطي في الإتقان أنها السورة التاسعة والأربعون، وأن نزولها كان بعد سورة القصص .
2- وتسمى- أيضا- بسورة بنى إسرائيل، وبسورة «سبحان» ، وعدد آياتها عند الجمهور إحدى عشرة آية ومائة، وعند الكوفيين عشر آيات ومائة آية.
3- ومن الأحاديث التي وردت في فضلها، ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن مسعود- رضى الله عنه- أنه قال في بنى إسرائيل، والكهف ومريم: إنهن من العتاق الأول، وهنّ من تلادى .
والعتاق: جمع عتيق وهو القديم، وكذلك التالد بمعنى القديم. ومراده- رضى الله عنه- أن هذه السور من أول ما حفظه من القرآن.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا حماد بن زيد، عن مروان عن أبى لبابة، قال: سمعت عائشة- رضى الله عنها- تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول:
ما يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول: ما يريد أن يصوم، وكان يقرأ كل ليلة: «بنى إسرائيل» و «الزمر» .
4- ومن وجوه مناسبة هذه السورة لما قبلها، ما ذكره أبو حيان بقوله: «ومناسبة هذه لما قبلها، أنه- تعالى- لما أمره- في آخر النحل- بالصبر، ونهاه عن الحزن عليهم، وعن أن يضيق صدره من مكرهم، وكان من مكرهم نسبته إلى الكذب والسحر والشعر، وغير ذلك مما رموه به، أعقب- تعالى- ذلك بذكر شرفه، وفضله، واحتفائه به، وعلو منزلته عنده» .
5- وسورة الإسراء من السور المكية، ومن المفسرين الذين صرحوا بذلك دون أن يذكروا خلافا في كونها مكية. الزمخشري، وابن كثير، والبيضاوي، وأبو حيان.
وقال الآلوسى: وكونها كذلك بتمامها قول الجمهور.
وقيل: هي مكية إلا آيتين: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ... وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ.
وقيل: إلا أربعا، هاتان الآيتان، وقوله- تعالى-: وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ....
وقوله- سبحانه-: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ... .
والذي تطمئن إليه النفس أن سورة الإسراء بتمامها مكية- كما قال جمهور المفسرين- لأن الروايات التي ذكرت في كون بعض آياتها مدنية، لا تنهض دليلا على ذلك لضعفها ...
والذي يغلب على الظن أن نزول هذه السورة الكريمة: أو نزول معظمها، كان في أعقاب حادث الإسراء والمعراج.
وذلك لأن السورة تحدثت عن هذا الحدث، كما تحدثت عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا مستفيضا، وحكت إيذاء المشركين له، وتطاولهم عليه، وتعنتهم معه، كمطالبتهم إياه بأن يفجر لهم من الأرض ينبوعا ...
وقد ردت السورة الكريمة على كل ذلك، بما يسلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويثبته، ويرفع منزلته، ويعلى قدره ... في تلك الفترة الحرجة من حياته صلى الله عليه وسلم وهي الفترة التي أعقبت موت زوجه السيدة خديجة- رضى الله عنها- وموت عمه أبى طالب ...
6- (أ) وعند ما نقرأ سورة الإسراء نراها في مطلعها تحدثنا عن إسراء الله- تعالى- بنبيه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعن الكتاب الذي آتاه الله- تعالى- لموسى- عليه السلام- ليكون هداية لقومه، وعن قضاء الله في بنى إسرائيل ...
قال- تعالى-: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ، أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً. وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً..
(ب) ثم يبين- سبحانه- بعد ذلك أن هذا القرآن قد أنزله- سبحانه- على نبيه صلى الله عليه وسلم ليهدى الناس إلى الطريق الأقوم، وليبشر المؤمنين بالأجر الكبير، وأن كل إنسان مسئول عن عمله، وسيحاسب عليه يوم القيامة، دون أن تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى ...
قال- تعالى-: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ، أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً....
إلى أن يقول- سبحانه-: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.
(ج) ثم تسوق السورة الكريمة سنة من سنن الله في خلقه، وهي أن عاقبة الترف والفسق، الدمار والهلاك، وأن من يريد العاجلة كانت نهايته إلى جهنم، ومن يريد الآخرة ويقدم لها العمل الصالح كانت نهايته إلى الجنة.
استمع إلى القرآن الكريم وهو يصور هذه المعاني بأسلوبه البليغ فيقول: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها. فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً. وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ. وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً. مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ، ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً.
(د) وبعد أن بين- سبحانه- أن سعادة الآخرة منوطة بإرادتها، وبأن يسعى الإنسان لها وهو مؤمن، عقب ذلك بذكر بضع وعشرين نوعا من أنواع التكاليف، التي متى نفذها المسلم ظفر برضى الله- تعالى- ومثوبته، ومن تلك التكاليف قوله- تعالى-: لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ.
وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ...
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ...
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ....
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا.
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ.
وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ...
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ...
(هـ) وبعد أن ساقت السورة الكريمة تلك التكاليف المحكمة التي لا يتطرق إليها النسخ أو النقض، في ثماني عشرة آية، أتبعت ذلك بالثناء على القرآن الكريم، وبتنزيه الله- تعالى- عن الشريك، وببيان أن كل شيء يسبح بحمده- عز وجل-.
قال- تعالى-: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً. قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ، إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا. سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً. تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً.
(و) ثم تحكى السورة الكريمة جانبا من أقوال المشركين، وترد عليها بما يدحضها، وتأمر المؤمنين بأن يقولوا الكلمة التي هي أحسن.. فتقول:.
وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً. قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً. أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ، فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ، قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً. يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ، وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا. وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً.
(ز) وبعد أن تقرر السورة الكريمة شمول علم الله- تعالى- لكل شيء، وقدرته على كل شيء، بعد أن تقرر ذلك، تحكى لنا جانبا من قصة آدم وإبليس فتقول:.
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً. قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ، لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا. قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً.
(ح) ثم تسوق السورة بعد ذلك ألوانا من نعم الله على عباده في البر والبحر، وألوانا من تكريمه لبنى آدم، كما تصور أحوال الناس يوم القيامة، وعدالة الله- تعالى- في حكمه عليهم فتقول:
وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ، فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً. أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ، أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا ...
ثم يقول- سبحانه-: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ، وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا. يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ، فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ...
(ط) ثم تحكى السورة جانبا من نعم الله- تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلم حيث ثبته- سبحانه- أمام مكر أعدائه، وأمره بالمداومة على الصلاة وعلى قراءة القرآن، لأن ذلك يزيده ثباتا على ثباته، وتكريما على تكريمه.
قال- تعالى-: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ، وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا. وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا.
(ى) ثم يقول- سبحانه-: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً. وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً..
(ك) وبعد أن تقرر السورة الكريمة طبيعة الإنسان، وتقرر أن الروح من أمر الله- تعالى- تتبع ذلك بالثناء على القرآن الكريم، وببيان أنه المعجزة الخالدة للرسول صلى الله عليه وسلم، وبإيراد المطالب المتعنتة التي طالب المشركون بها النبي صلى الله عليه وسلم.
استمع إلى القرآن الكريم وهو يقرر كل ذلك بأسلوبه البليغ فيقول: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً. وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً. وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً، أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ، قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا
.
(ل) ثم تسوق السورة الكريمة في أواخرها الدلائل الدالة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، وتحكى جانبا من قصة موسى- عليه السلام- مع فرعون وتؤكد أن هذا القرآن أنزله الله- تعالى- بالحق، وبالحق نزل، وأنه نزله مفرقا ليقرأه الناس على تؤدة وتدبر.
وكما افتتحت السورة الكريمة بالثناء على الله- تعالى-، فقد اختتمت بحمد الله- تعالى- وتكبيره. قال- تعالى-:
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً.
(م) وبعد فهذا عرض إجمالى لأهم الموضوعات والمقاصد التي اشتملت عليها سورة الإسراء. ومن هذا العرض يتبين لنا ما يلى:.
1- أن سورة الإسراء- كغيرها من السور المكية- قد اهتمت اهتماما بارزا بتنقية العقيدة من كل ما يشوبها من شرك أو انحراف عن الطريق المستقيم.
وقد ساقت السورة في هذا المجال أنواعا متعددة من البراهين على وحدانية الله- تعالى- وعلمه وقدرته، ووجوب إخلاص العبادة له، وعلى تنزيهه- سبحانه- عن الشريك، ومن ذلك قوله- تعالى-:
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً. وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً. قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ، إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا. سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً.
2- كذلك على رأس الموضوعات التي فصلت السورة الحديث عنها، شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ابتدأت بإسراء الله- تعالى- به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، حيث أراه- سبحانه- من آياته ما أراه، ثم تحدثت عن طبيعة رسالته، وعن مزاياها، وعن موقف المشركين منه، وعن المطالب المتعنتة التي طلبوها منه، وعن تثبيت الله- تعالى- له، وعن تبشيره بحسن العاقبة ...
قال- تعالى-: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.
3- من الواضح- أيضا- أن سورة الإسراء اعتنت بالحديث عن القرآن الكريم، من حيث هدايته، وإعجازه، ومنع الذين لا يؤمنون به عن فقهه، واشتماله على ما يشفى الصدور، وتكراره للبينات والعبر بأساليب مختلفة، ونزوله مفرقا ليقرأه الناس على مكث..
ومن الآيات التي وردت في ذلك قوله- تعالى-:
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ....
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً ...
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ...
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ، وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ، وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا ...
4- اهتمت السورة الكريمة اهتماما بينا، بالحديث عن التكاليف الشرعية، المتضمنة لقواعد السلوك الفردى والجماعى.
وقد ذكرت السورة أكثر من عشرين تكليفا، في آيات متتالية، بدأت بقوله- تعالى-:
لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا الآية 22 وانتهت بقوله- تعالى-:
كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً الآية 38.
وبجانب حديثها المستفيض عن التكاليف الشرعية، تحدثت- أيضا- عن طبيعة الإنسان في حالتي العسر واليسر، وعن بخله الشديد بما يملكه ...
قال- تعالى-: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ، وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً.
وقال- سبحانه-: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي، إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً.
5- ومن الجوانب التي حرصت السورة الكريمة على تجليتها والكشف عنها: بيان سنن الله التي لا تتخلف في الهداية والإضلال، وفي الثواب والعقاب، وفي النصر والخذلان، وفي الرحمة والإهلاك، ومن ذلك قوله- تعالى-:
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.
وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها، فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً.
يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا.
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها....
هذه بعض المقاصد الإجمالية التي اشتملت عليها سورة الإسراء، وهناك مقاصد أخرى يراها المتأمل فيها، والمتدبر لآياتها، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
افتتحت سورة الإسراء بتنزيه الله- تعالى- عن كل ما لا يليق بجلاله، كما يدل على ذلك لفظ «سبحان» الذي من أحسن وجوه إعرابه، أنه اسم مصدر منصوب- على أنه مفعول مطلق- بفعل محذوف، والتقدير: سبحت الله- تعالى- سبحانا أى تسبيحا، بمعنى نزهته تنزيها عن كل سوء.
قال القرطبي: وقد روى طلحة بن عبيد الله الفياض أحد العشرة- أى المبشرين بالجنة- أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما معنى سبحان الله؟ فقال: «تنزيه الله من كل سوء» .
وقوله أَسْرى من الإسراء، وهو السير بالليل خاصة.
قال الجمل: يقال أسرى وسرى، بمعنى سار في الليل، وهما لازمان، لكن مصدر الأول الإسراء ومصدر الثاني السرى- بضم السين كالهدى- فالهمزة ليست للتعدية إلى المفعول، وإنما جاءت التعدية هنا من الباء. ومعنى أسرى به، صيره ساريا في الليل .
والمراد بِعَبْدِهِ خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، والإضافة للتشريف والتكريم.
وأوثر التعبير بلفظ العبد، للدلالة على أن مقام العبودية لله- تعالى- هو أشرف صفات المخلوقين وأعظمها وأجلها، إذ لو كان هناك وصف أعظم منه في هذا المقام لعبر به، وللإشارة- أيضا- إلى تقرير هذه العبودية لله- تعالى- وتأكيدها، حتى لا يلتبس مقام العبودية بمقام الألوهية، كما التبسا في العقائد المسيحية، حيث ألهوا عيسى- عليه السلام-، وألهوا أمه مريم، مع أنهما بريئان من ذلك..
قال الشيخ القاسمى نقلا عن الإمام ابن القيم في كتاب «طريق الهجرتين» : أكمل الخلق أكملهم عبودية لله- تعالى-، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أقرب الخلق إلى الله- تعالى- وأعظمهم عنده جاها، وأرفعهم عنده منزلة، لكماله في مقام العبودية. وكان صلى الله عليه وسلم يقول:
«أيها الناس ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي. إنما أنا عبد» . وكان يقول: «لا تطرونى كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» .
وذكره- سبحانه- بسمة العبودية في أشرف مقاماته: في مقام الإسراء حيث قال:
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ.
وفي مقام الدعوة حيث قال: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ...
وفي مقام التحدي حيث قال: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا .
وقوله: لَيْلًا ظرف زمان لأسرى.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: الإسراء لا يكون إلا بالليل فما معنى ذكر الليل؟.
قلت: أراد بقوله ليلا بلفظ التنكير، تقليل مدة الإسراء، وأنه أسرى به بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية ... » .
وقوله: مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بيان لابتداء الإسراء وانتهائه.
أى: جل شأن الله- عز وجل- وتنزه عن كل نقص، حيث أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم في جزء من الليل، من المسجد الحرام الذي بمكة إلى المسجد الأقصى الذي بفلسطين.
ووصف مسجد مكة بالحرام، لأنه لا يحل انتهاكه بقتال فيه، ولا بصيد صيده، ولا بقطع شجره.
ووصف مسجد فلسطين بالأقصى، لبعده عن المسجد الحرام، إذ المسافة بينهما كان يقطعها الراكب للإبل في مدة شهر أو أكثر.
قال الآلوسى: ووصفه بالأقصى- أى الأبعد- بالنسبة إلى من بالحجاز. وقال غير واحد: إنه سمى به لأنه أبعد المساجد التي تزار من المسجد الحرام وبينهما زهاء أربعين ليلة.
وقيل- وصف بذلك-: لأنه لبس وراءه موضع عبادة فهو أبعد مواضعها.. .
وظاهر الآية يفيد أن الإسراء كان من المسجد الحرام، فقد أخرج الشيخان والترمذي والنسائي من حديث أنس بن مالك- رضى الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا في الحجر- وفي رواية- في الحطيم، بين النائم واليقظان، إذ أتانى آت فشق ما بين هذه إلى هذه، فاستخرج قلبي فغسله ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض يقال له البراق فحملت عليه» ...
وقيل أسرى به من بيت أم هانئ بنت أبى طالب، فيكون المراد بالمسجد الحرام: الحرم لإحاطته بالمسجد والتباسه به. فعن ابن عباس- رضى الله عنهما-: الحرم كله مسجد.
ويمكن الجمع بين هذه الروايات، بأن الرسول صلّى الله عليه وسلم بقي في بيت أم هانئ لفترة من الليل، ثم ترك فراشه عندها وذهب إلى المسجد، فلما كان في الحجر أو في الحطيم بين النائم واليقظان، أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السموات العلا. ثم عاد إلى فراشه قبل أن يبرد- كما جاء في بعض الروايات.
وبذلك يترجح لدينا أن وجود الرسول صلّى الله عليه وسلم في تلك الليلة في بيت أم هانئ، لا ينفى أن الإسراء بدأ من المسجد الحرام، كما تقرر الآية الكريمة.
وقوله الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ صفة مدح للمسجد الأقصى.
أى: جل شأن الله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، الذي أحطنا جوانبه بالبركات الدينية والدنيوية.
أما البركات الدينية فمن مظاهرها: أن هذه الأرض التي حوله، جعلها الله- تعالى- مقرا لكثير من الأنبياء، كإبراهيم وإسحاق ويعقوب، وداود وسليمان، وزكريا ويحيى وعيسى.
قال- تعالى-: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها.. .
وقال- سبحانه- في شأن إبراهيم: وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ .
والمقصود بهذه الأرض: أرض الشام، التي منها فلسطين.
وأما البركات الدنيوية فمن مظاهرها: كثرة الأنهار والأشجار والثمار والزروع في تلك الأماكن.
قال بعض العلماء: وقد قيل في خصائص المسجد الأقصى: أنه متعبد الأنبياء السابقين، ومسرى خاتم النبيين، ومعراجه إلى السموات العلا.. وأولى القبلتين وثاني المسجدين، وثالث الحرمين، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه .
وقوله- سبحانه-: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إشارة إلى الحكمة التي من أجلها أسرى الله- تعالى- بنبيه صلّى الله عليه وسلم فقوله لِنُرِيَهُ متعلق بأسرى.
و «من» للتبعيض لأن ما رآه النبي صلّى الله عليه وسلم وإن كان عظيما إلا أنه مع عظمته بعض آيات الله بالنسبة لما اشتمل عليه هذا الكون من عجائب.
أى: أسرينا بعبدنا محمد ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، ثم عرجنا به إلى السموات العلا، لنطلعه على آياتنا، وعلى عجائب قدرتنا، والتي من بينها:
مشاهدته لأنبيائنا الكرام، ورؤيته لما نريد أن يراه من عجائب وغرائب هذا الكون.
ولقد وردت أحاديث متعددة في بيان ما أراه الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلم في تلك الليلة المباركة، ومن ذلك ما رواه البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: ...
ووجدت في السماء الدنيا آدم فقال لي جبريل: هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه ورد على آدم السلام فقال: مرحبا وأهلا بابني، فنعم الابن أنت ...
وفي رواية للإمام أحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لما عرج بي ربي- عز وجل- مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم.. » .
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يدل على سعة علمه، ومزيد فضله فقال- تعالى-: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
أى: إنه- سبحانه- هو السميع لأقوال عباده: مؤمنهم وكافرهم، مصدقهم ومكذبهم.
بصير بما يسرونه ويعلنونه، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب، بدون ظلم أو محاباة.
هذا وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآية جملة من المسائل منها:
1- أن هذه الآية دلت على ثبوت الإسراء للنبي صلّى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأما العروج به صلّى الله عليه وسلم إلى السموات العلا فقد استدل عليه بعضهم بآيات سورة النجم، وهي قوله- تعالى-: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى. وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى. ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى.
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية أحاديث كثيرة بأسانيدها ومتونها، وقال في أعقاب ذكر بعضها:
قال البيهقي: وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسرى به- عليه الصلاة والسلام- من مكة إلى بيت المقدس، وهذا الذي قاله هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية .
وقال القرطبي: ثبت الإسراء في جميع مصنفات الحديث، وروى عن الصحابة في كل أقطار الإسلام، فهو من المتواتر بهذا الوجه، وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابيا .
2- قال بعض العلماء ما ملخصه: ذهب الأكثرون إلى أن الإسراء كان بعد المبعث، وأنه قبل الهجرة بسنة. قاله الزهري وابن سعد وغيرهما. وبه جزم النووي، وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه. وقال: كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوة.
واختار الحافظ المقدسي أنه كان في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب .
والذي تطمئن إليه النفس أن حادث الإسراء والمعراج، كان بعد وفاة أبى طالب والسيدة خديجة- رضى الله عنها-.
ووفاتهما كانت قبل الهجرة بسنتين أو ثلاثة. وفي هذه الفترة التي أعقبت وفاتهما اشتد أذى المشركين بالنبي صلّى الله عليه وسلم فكان هذا الحادث لتسليته صلّى الله عليه وسلم عما أصابه منهم، ولتشريفه وتكريمه..
3- من المسائل التي ثار الجدل حولها، مسألة: أكان الإسراء والمعراج في اليقظة أم في المنام؟ وبالروح والجسد أم بالروح فقط؟.
وقد لخص بعض المفسرين أقوال العلماء في هذه المسألة فقال: اعلم أن هذا الإسراء به صلّى الله عليه وسلم المذكور في هذه الآية الكريمة زعم بعض أهل العلم أنه بروحه دون جسده، زاعما أنه في المنام لا في اليقظة، لأن رؤيا الأنبياء وحى.
وزعم بعضهم أن الإسراء بالجسد، والمعراج بالروح دون الجسد.
ولكن ظاهر القرآن يدل على أنه بروحه وجسده صلّى الله عليه وسلم يقظة لا مناما، لأنه قال:
بِعَبْدِهِ والعبد مجموع الروح والجسد.
ولأنه قال: سُبْحانَ والتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناما لم يكن له كبير شأن حتى يتعجب منه.
ولأنه لو كان رؤيا منام لما كان فتنة، ولا سببا لتكذيب قريش له صلّى الله عليه وسلم لأن رؤيا المنام ليست محل إنكار لأن المنام قد يرى فيه ما لا يصح.
ولأنه- سبحانه- قال لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا والظاهر أن ما أراه الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلم إنما كان رؤيا عن طريق العين ويؤيده قوله- تعالى-: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ولأنه ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الرسول صلّى الله عليه وسلم قد استعمل في رحلته البراق، واستعماله البراق يدل على أن هذا الحادث كان بالروح والجسد وفي اليقظة لا في المنام.
وما ثبت في الصحيحين عن طريق شريك عن أنس- رضى الله عنه- أن الإسراء المذكور وقع مناما، لا ينافي ما ذكرنا مما عليه أهل السنة والجماعة، ودلت عليه نصوص الكتاب والسنة من أنه كان يقظة وبالروح والجسد، لإمكان أنه صلّى الله عليه وسلم رأى الإسراء المذكور مناما، ثم جاءت تلك الرؤيا كفلق الصبح، فأسرى به يقظة تصديقا لتلك الرؤيا المنامية .
هذا، ومن العلماء الذين فصلوا القول في تلك المسألة تفصيلا محققا، القاضي عياض في كتابه «الشفا» فقد قال- رحمه الله- بعد أن ساق الآراء في ذلك:
والحق في هذا والصحيح- إن شاء الله- أنه إسراء بالروح والجسد في القصة كلها، وعليه تدل الآية وصحيح الأخبار والاعتبار. ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة، وليس في الإسراء بجسده وروحه حال يقظته استحالة.. .
وما قاله القاضي عياض- رحمه الله- في هذه المسألة هو الذي نعتقده، ونلقى الله- تعالى- عليه.