سورة الزلزلة - محمود شلبي

سورة الزلزلة الكريمة 

اضغط على الصورة للتكبير 
Click on photo to see it big 


سورة الزلزلة الكريمة : 

بسم الله الرحمن الرحيم

إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)

[ الزلزلة 1 – 8 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)

[ الحج : 1 - 2 ]


Translatoins : 

Translation (1) : [ By : Dr. Mohsin Khan ]

Holy Quran - Chapter (99)   - Surat :  Al- Zalzala  (The Earthquake )  - Verses :  1 – 8 .

In the name of ALLAH ,the Almighty God, the All Benifecent,the All Merciful. 

When the earth is shaken with its (final) earthquake. (1)
 And when the earth throws out its burdens, (2) 
And man will say: "What is the matter with it?" (3)
That Day it will declare its information (about all that happened over it of good or evil). (4) Because your Lord will inspire it. (5)
That Day mankind will proceed in scattered groups that they may be shown their deeds. (6)
 So whosoever does good equal to the weight of an atom (or a small ant), shall see it. (7)
And whosoever does evil equal to the weight of an atom (or a small ant), shall see it. (8)


Holy Quran - Chapter (22)   - Surat :  Al- Hajj  (The The Pilgrimage )  - Verses :  1 – 2 .

In the name of ALLAH ,the Almighty God, the All Benifecent,the All Merciful. 

O mankind! Fear your Lord and be dutiful to Him! Verily, the earthquake of the Hour (of Judgement) is a terrible thing. (1)
The Day you shall see it, every nursing mother will forget her nursling, and every pregnant one will drop her load, and you shall see mankind as in a drunken state, yet they will not be drunken, but severe will be the Torment of Allâh. (2)

   
Translation (2) :
Holy Quran - Chapter (99)   - Surat :  Al- Zalzala  (The Earthquake )  - Verses :  1 – 8 .

In the name of ALLAH ,the Almighty God, the All Benifecent,the All Merciful. 

[99.1] When the earth is shaken with its mighty shaking,
[99.2] and when the earth brings forth its burdens
[99.3] and the human asks: "What is the matter with it?"
[99.4] On that Day it shall proclaim its news,
[99.5] for your Lord will have revealed to it.
[99.6] On that Day mankind shall issue in scatterings to see their deeds.
[99.7] Whosoever has done an atom's weight of good shall see it,
[99.8] and whosoever has done an atom's weight of evil shall see it.


Holy Quran - Chapter (22)   - Surat :  Al- Hajj  (The The Pilgrimage )  - Verses :  1 – 2 .

In the name of ALLAH ,the Almighty God, the All Benifecent,the All Merciful. 

 [22.1] O people, have fear of your Lord. The earthquake of the Hour shall be a great thing.
[22.2] On that Day you will see every one that suckles shall forsake her suckling, and every carrier shall miscarry, and you shall see mankind drunk although they are not drunk; dreadful will be the punishment of Allah.


Translation (3) :

Holy Quran - Chapter (99)   - Surat :  Al- Zalzala  (The Earthquake )  - Verses :  1 – 8 .

In the name of ALLAH ,the Almighty God, the All Benifecent,the All Merciful. 

When the Earth with her quaking shall quake
And the Earth shall cast forth her burdens,
And man shall say, What aileth her?
On that day shall she tell out her tidings,
Because thy Lord shall have inspired her.
On that day shall men come forward in throngs to behold their works,
And whosoever shall have wrought an atom's weight of good shall behold it.
And whosoever shall have wrought an atom's weight of evil shall behold it.


Holy Quran - Chapter (22)   - Surat :  Al- Hajj  (The The Pilgrimage )  - Verses :  1 – 2 .

In the name of ALLAH ,the Almighty God, the All Benifecent,the All Merciful. 

 22-1
O mankind! fear your Lord! for the convulsion of the Hour (of Judgment) will be a thing terrible!
 22-2
The Day ye shall see it, every mother giving suck shall forget her suckling- babe, and every pregnant female shall drop her load (unformed): thou shalt see mankind as in a drunken riot, yet not drunk: but dreadful will be the Wrath of God.



تفسير سورة الزلزلة الكريمة :
مقدمة وتمهيد
1-  سورة «الزلزلة» وتسمى- أيضا- سورة «إذا زلزلت» وسورة «الزلزال» من السور المكية، وقيل: هي من السور المدنية.
قال الآلوسى: هي مكية في قول ابن عباس ومجاهد وعطاء، ومدنية في قول مقاتل وقتادة.
ويبدو لنا أن القول بكونها مكية أرجح، لأن الحديث عن أهوال يوم القيامة، يكثر في السور المكية، ولأن بعض المفسرين- كالإمام ابن كثير- قد اقتصر على كونها مكية، ولم يذكر في ذلك خلافا.
وعدد آياتها ثماني آيات في المصحف الكوفي، وتسع آيات في غيره. وسبب ذلك اختلافهم في قوله- تعالى-: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ هل هو آيتان أو آية واحدة.
2- والسورة الكريمة من أهم مقاصدها: إثبات أن يوم القيامة حق وبيان ما اشتمل عليه من أهوال، وتأكيد أن كل إنسان سيجازى على حسب عمله في الدنيا ...

إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
وقوله- تعالى-: زُلْزِلَتِ أى: حركت تحريكا شديدا لا يعلم مقداره إلا الله- تعالى-، إذ الزلزال: الحركة الشديدة مع الاضطراب، وهو بفتح الزاى اسم لذلك، وبكسرها مصدر بمعنى التحرك والاضطراب، وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا، ويكون هذا الزلزال الشديد، عند ما يأذن الله- تعالى- بقيام الساعة، ويبعث الناس للحساب.
وافتتح- سبحانه- الكلام بظرف الزمان إِذا، لإفادة تحقق وقوع الشرط.
وقوله: زِلْزالَها مصدر مضاف لفاعله. أى: إذا زلزلت الأرض زلزالها الذي لا يماثله زلزال آخر في شدته وعظمته وهوله، كما قال- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ.


وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)
وقوله- تعالى-: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها بيان لأثر آخر من آثار ما يحدث في هذا اليوم الهائل الشديد.
والأثقال: جمع ثقل- بكسر فسكون- وهو المتاع الثقيل، ومنه قوله- تعالى-:وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ.
والمراد بها هنا: ما يكون في جوف الأرض من أموات وكنوز وغير ذلك مما يكون في باطنها. قال أبو عبيدة والأخفش: إذا كان الميت في جوف الأرض فهو ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها، وإنما سمى الجن والإنس بالثقلين لأن الأرض تثقل بهم ... .

وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا (3)
والمراد بالإنسان في قوله- سبحانه-: وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها جنسه فيشمل المؤمن والكافر.
وقوله ما لَها مبتدأ وخبر، والاستفهام: المقصود به التعجب مما حدث من أهوال.
أى: وقال كل إنسان على سبيل الدهشة والحيرة، أى: شيء حدث للأرض، حتى جعلها تضطرب هذا الاضطراب الشديد.
قال الجمل: وفي المراد بالإنسان هنا قولان: أحدهما: أنه اسم جنس يعم المؤمن والكافر، وهذا يدل على قول من جعل الزلزلة من أشراط الساعة، والمعنى: أنها حين تقع لم يعلم الكل أنها من أشراط الساعة، فيسأل بعضهم بعضا عن ذلك. والثاني: أنه الكافر خاصة، وهذا يدل على قول من جعلها زلزلة القيامة، لأن المؤمن عارف بها فلا يسأل عنها، والكافر جاحد لها، فإذا وقعت سأل عنها ... .
  
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) 
وقوله- سبحانه-: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها جواب الشرط، و «أخبارها» مفعول ثان لقوله: تُحَدِّثُ والمفعول الأول محذوف. أى: إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان ماذا حدث لها ... عندئذ تحدّث الأرض الخلائق أخبارها، بأن تشهد للطائع بأنه كان كذلك، وتشهد على الفاسق بأنه كان كذلك.
أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أبى هريرة قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ثم قال: «أتدرون ما أخبارها» ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، بأن تقول:
عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا. فهذه أخبارها.» .
والظاهر أن هذا التحديث من الأرض على سبيل الحقيقة، بأن يخلق الله- تعالى- فيها حياة وإدراكا، فتشهد بما عمل عليها من عمل صالح أو طالح، كما تشهد على من فعل ذلك.
وقيل: هذا مثل ضربه الله- تعالى- والمقصود منه أن كل إنسان في هذا اليوم سيتبين جزاء عمله، وما أعده الله- تعالى- له على ما قدم في حياته الأولى، ونظير ذلك أن تقول:
إن هذه الدار لتحدثنا بأنها كانت مسكونة.
قال بعض العلماء ما ملخصه: قوله: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها يومئذ بدل من إذا.
أى: في ذلك الوقت تحدثك الأرض أحاديثها، وتحديث الأرض تمثيل- كما قال الطبري وغيره- أى: أن حالها وما يقع فيها من الانقلاب، وما لم يعهد من الخراب، يعلم السائل ويفهمه الخبر، وأن ما يراه لم يكن بسبب من الأسباب التي وضعتها السنة الإلهية، حال استقرار نظام الكون، بل ذلك بسبب بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها

بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا (5)
أى: أن ما يحدث للأرض يومئذ، إنما هو بأمر إلهى خاص. بأن قال لها كوني كذلك فكانت كما قال لها .
وعدى فعل «أوحى» باللام- مع أن حقه أن يتعدى بإلى كما في قوله- تعالى- وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ لتضمينه معنى «قال» كما في قوله- سبحانه- فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ.
والمعنى: إن الأرض تحدث الناس عن أخبارها، وتبينها لهم، وتشهد عليهم.... بسبب أن ربك الذي خلقك فسواك فعدلك- أيها الإنسان- قد أمرها بذلك.

يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أحوال الناس في هذا اليوم فقال: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ.
والجملة الكريمة بدل من جملة «يومئذ تحدث أخبارها» ، وقوله يَصْدُرُ فعل مضارع من الصدر- بفتح الدال- وهو الرجوع عن الشرب، يقال: صدر الناس عن الورد، إذا انصرفوا عنه. وأَشْتاتاً جمع شتيت، أى: متفرق، ومنه قولهم: شتت الله جمع الأعداء، أى فرق أمرهم.
وقوله- تعالى- لِيُرَوْا فعل مضارع مبنى للمجهول، وماضيه المبنى للمعلوم «أراه» بمعنى أطلعه. أى: في هذا اليوم الذي تتزلزل فيه الأرض زلزلة شديدة ... يخرج الناس من قبورهم متجهين أشتاتا إلى موقف الحساب، وكل واحد منهم مشغول بنفسه، لكي يبصروا جزاء أعمالهم، التي عملوها في دنياهم.
وجاء فعل «ليروا» مبنيا للمجهول، لأن المقصود رؤيتهم لأعمالهم، وليس المقصود تعيين من يريهم إياها.

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
ثم فصل- سبحانه- ما يترتب على هذه الرؤية من جزاء فقال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
و «المثقال» مفعال من الثقل، ويطلق على الشيء القليل الذي يحتمل الوزن، و «الذرة» تطلق على أصغر النمل، وعلى الغبار الدقيق الذي يتطاير من التراب عند النفخ فيه. والمقصود المبالغة في الجزاء على الأعمال مهما بلغ صغرها، وحقر وزنها.
والفاء: للتفريع على ما تقدم. أى: في هذا اليوم يخرج الناس من قبورهم متفرقين لا يلوى أحد على أحد. متجهين إلى موقف الحساب ليطلعوا على جزاء أعمالهم الدنيوية ...
فمن كان منهم قد عمل في دنياه عملا صالحا رأى ثماره الطيبة، حتى ولو كان هذا العمل في نهاية القلة، ومن كان منهم قد عمل عملا سيئا في دنياه، رأى ثماره السيئة، حتى ولو كان هذا العمل- أيضا- في أدنى درجات القلة.
فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد جمعتا أسمى وأحكم ألوان الترغيب والترهيب، ولذا قال كعب الأحبار: لقد أنزل الله- تعالى- على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم آيتين، أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف، ثم قرأ هاتين الآيتين.
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين عددا من الأحاديث، منها: ما أخرجه الإمام أحمد. أن صعصعة بن معاوية، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه هاتين الآيتين، فقال: حسبي لا أبالى أن لا أسمع غيرها. وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة» .
وفي الصحيح- أيضا- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقى، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط» .
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة: «يا عائشة، استتري من النار ولو بشق تمرة، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان. يا عائشة. إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله- تعالى- طالبا».
ومن الآيات الكريمة التي وردت في معنى هاتين الآيتين قوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها، وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً.
وقوله- سبحانه-: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ.

وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
ثم فصل- سبحانه- ما يترتب على هذه الرؤية من جزاء فقال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
و «المثقال» مفعال من الثقل، ويطلق على الشيء القليل الذي يحتمل الوزن، و «الذرة» تطلق على أصغر النمل، وعلى الغبار الدقيق الذي يتطاير من التراب عند النفخ فيه. والمقصود المبالغة في الجزاء على الأعمال مهما بلغ صغرها، وحقر وزنها.
والفاء: للتفريع على ما تقدم. أى: في هذا اليوم يخرج الناس من قبورهم متفرقين لا يلوى أحد على أحد. متجهين إلى موقف الحساب ليطلعوا على جزاء أعمالهم الدنيوية ...
فمن كان منهم قد عمل في دنياه عملا صالحا رأى ثماره الطيبة، حتى ولو كان هذا العمل في نهاية القلة، ومن كان منهم قد عمل عملا سيئا في دنياه، رأى ثماره السيئة، حتى ولو كان هذا العمل- أيضا- في أدنى درجات القلة.
فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد جمعتا أسمى وأحكم ألوان الترغيب والترهيب، ولذا قال كعب الأحبار: لقد أنزل الله- تعالى- على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم آيتين، أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف، ثم قرأ هاتين الآيتين.
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين عددا من الأحاديث، منها: ما أخرجه الإمام أحمد. أن صعصعة بن معاوية، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه هاتين الآيتين، فقال: حسبي لا أبالى أن لا أسمع غيرها. وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة» .
وفي الصحيح- أيضا- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقى، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط» .
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة: «يا عائشة، استتري من النار ولو بشق تمرة، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان. يا عائشة. إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله- تعالى- طالبا».
ومن الآيات الكريمة التي وردت في معنى هاتين الآيتين قوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها، وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً.
وقوله- سبحانه-: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ.
نسأل الله- تعالى- أن يجعلنا جميعا ممن يواظبون على فعل الخيرات.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


تفسير الايات من سورة الحج الكريمة  ( تفسير الوسيط في تفسير القران الكريم / طنطاوي ) :
بسم الله الرحمن الرحيم 
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
[ الحج : 1 - 2 ]

افتتحت سورة الحج بهذا النداء الموجه من الخالق - عز وجل - إلى الناس جميعاً، يأمرهم فيه بامتثال أمره، وباجتناب نهيه، حتى يفوزوا برضاه يوم القيامة. وقوله - سبحانه - { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } تعليل للأمر بالتقوى. قال القرطبى الزلزلة شدة الحركة، ومنه قوله - تعالى -{ ... وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ... } وأصل الكلمة من زل فلان عن الموضع، أى زال عنه وتحرك، وزلزل الله قدمه، أى حركها وهذه اللفظة تستعمل فى تهويل الشىء ". وقال الآلوسى " والزلزلة التحريك الشديد، والإِزعاج العنيف، بطريق التكرير، بحيث يزيل الأشياء من مقارها، ويخرجها من مراكزها. وإضافتها إلى الساعة، من إضافة المصدر إلى فاعله، لكن على سبيل المجاز فى النسبة كما فى قوله - تعالى -{ بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ } لأن المحرك حقيقة هو الله - تعالى -، والمفعول الأرض أو الناس، أو من إضافته إلى المفعول، لكن على إجرائه مجرى المفعول به اتساعاً كما فى قوله " يا سارق الليلة أهل الدار... ". والمعنى يأيها الناس اتقوا ربكم إتقاء تاماً، بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما لا يرضيه، وبأن تسارعوا إلى فعل ما يحبه، لأن ما يحدث فى هذا الكون عند قيام الساعة، شىء عظيم، ترتجف لهوله القلوب، وتخشع له النفوس. وقال - سبحانه - { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } بصيغة الإِجمال والإِبهام لهذا الشىء العظيم، لزيادة التهويل والتخويف. ثم فصل - سبحانه - هذا الشىء العظيم تفصيلاً يزيد فى وجل القلوب فقال { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ... }. والضمير فى " ترونها " ، يعود إلى الزلزلة لأنها هى المتحدث عنها والظرف " يوم " منصوب بالفعل تذهل، والرؤية بصرية لأنهم يرون ذلك بأعينهم. والذهول الذهاب عن الأمر والانشغال عنه مع دهشة وحيرة وخوف، ومنه قول عبد الله ابن رواحة - رضى الله عنه -
ضربا يُزيل الهامَ عن مَقِيله ويُذْهِل الخليلَ عن خليله 
أى أن هذه الزلزلة من مظاهر شدتها ورهبتها، أنكم ترون الأم بسببها تنسى وتترك وليدها الذى ألقمته ثديها. وكأنها لا تراه ولا تحس به من شدة الفزع. قال صاحب الكشاف " فإن قلت لم قيل { مُرْضِعَةٍ } دون مرضع؟ قلت المرضعة التى هى فى حال الإِرضاع ملقمة ثديها الصبى، والمرضع التى من شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإِرضاع فى حال وصفها به، فقيل مرضعة، ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه، وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة { عَمَّآ أَرْضَعَتْ } عن إرضاعها أو عن الذى أرضعته وهو الطفل.
 وقوله - سبحانه - { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } بيان لحالة ثانية تدل على شدة الزلزلة وعلى عنف آثارها. أى وترونها - أيضاً - تجعل كل حامل تضع حملها قبل تمامه من شدة الفزع. ثم بين - سبحانه - حالة ثالثة لللآثار التى تدل على شدة هذه الزلزلة فقال { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ }. أى وترى - أيها المخاطب - الناس فى هذا الوقت العصيب، هيئتهم كهيئة السكارى من قوة الرعب والفزع. وما هم على الحقيقة بسكارى، لأنهم لم يشربوا ما يسكرهم ولكن عذاب الله شديد. أى ولكن شدة عذابه - سبحانه - هى التى جعلتهم بهذه الحالة التى تشبه حالة السكارى فى الذهول والاضطراب. وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى فقال " وتراهم سكارى على التشبيه، وما هم بسكارى على التحقيق، ولكن ما رهقهم من خوف عذاب الله، هو الذى أذهب عقولهم، وطير تمييزهم، وردهم فى نحو حال من يذهب السكر بعقله وتمييزه... ". وقد علق صاحب الانتصاف على عبارة صاحب الكشاف هذه فقال قال أحمد والعلماء يقولون إن من أدلة المجاز صدق نقيضه، كقولك زيد حمار، إذا وصفته بالبلادة، ثم يصدق أن تقول وما هو بحمار، فتنفى عنه الحقيقة، فكذلك الآية، بعد أن أثبت السكر المجازى نفى الحقيقة أبلغ نفى مؤكد بالباء، والسر فى تأكيده التنبيه على أن هذا السكر الذى هو بهم فى تلك الحالة ليس من المعهود فى شىء، وإنما هو أمر لم يعهدوا مثله من قبل. والاستدراك بقوله { وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } راجع إلى قوله { وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } وكأنه تعليل لإِثبات السكر المجازى، فكأنه قيل إذا لم يكونوا سكارى من الخمر فما هذا السكر الغريب وما سببه؟ فقال شدة عذاب الله - تعالى - ". هذا، وقد اختلف العلماء فى وقت هذه الزلزلة المذكورة هنا، فمنهم من يرى أنها تكون فى آخر عمر الدنيا، وأول أحوال الساعة ومنهم من يرى أنها تكون يوم القيامة، بعد خروج الناس من قبروهم للحساب. وقد وفى هذه المسألة حقها الإِمام ابن كثير فقال ما ملخصه " قال قائلون هذه الزلزلة كائنة فى آخر عمر الدنيا. وأول أحوال الساعة. وقال آخرون بل ذلك هول وفزع وزلزال وبلبال، كائن يوم القيامة فى العرصات، بعد القيام من القبور. ثم ساق - رحمه الله - سبعة أحاديث استدل بها أصحاب الرأى الثانى. ومن هذه الأحاديث ما رواه الشيخان عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يقول الله - تعالى - يوم القيامة يا آدم. فيقول لبيك ربنا وسعديك. فيُنَادَى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال يا رب، وما بعث النار؟ قال من كل ألف - أراه قال - تسعمائة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ". فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم. فقال - صلى الله عليه وسلم - " مِن يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد، ثم أنتم فى الناس كالشعرة البيضاء فى الثور الأسود، وإنى لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة - فكبرنا - ثم قال ثلث أهل الجنة - فكبرنا - ثم قال شطر أهل الجنة فكبرنا " ".

وعلى الرأى الأول تكون الزلزلة بمعناها الحقيقى، بأن تتزلزل الأرض وتضطرب، ويعقبها طلوع الشمس من مغربها، ثم تقوم الساعة. وعلى الرأى الثانى تكون الزلزلة المقصود بها شدة الخوف والفزع، كما فى قوله - تعالى - فى شأن المؤمنين بعد أن أحاطت بهم جيوش الأحزاب{ هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } فالمقصود أصيبوا بالفزع والخوف، وليس المقصود أن الأرض تحركت واضطربت من تحتهم.