سورة الشرح - محمود شلبي
( سورة الشرح ( الانشراح ) الكريمة : 1- 8 )
[ Holy Quran – chapter (94) - Surat : Al- Sharh or Al-Inshirah ( Expanding ) – Verses : 1- 8 .]
بسم الله الرحمن الرحيم
اضغط على الصورة للتكبير
click on photo to see it big
سورة الشرح (الإنشراح ) الكريمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ (7) وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ (8)
[ الشرح : 1- 8 ]
Translations :
Translation (1) : [ By : Dr. Mohsin Khan ]
Holy Quran – chapter ( 94 ) – Surat : Al- Sharh or Al-Inshirah ( Expanding ) – Verses : 1- 8 .
In the Name of Allah, the Almighty God , the All-beneficent, the All-merciful.
Have We not opened your breast for you (O Muhammad (SAW))? (1)
And removed from you your burden, (2)
Which weighed down your back? (3)
And have We not raised high your fame? (4)
Verily, along with every hardship is relief, (5)
Verily, along with hardship is relief (i.e. there is one hardship with two reliefs, so one hardship cannot overcome two reliefs) (6)
So when you have finished (your occupation), devote yourslef for Allâh's worship. (7)
And to your Lord (Alone) turn (all your) intentions and hopes. (8)
Translation (2) :
Holy Quran – chapter ( 94 ) – Surat : Al- Sharh or Al-Inshirah ( Expanding ) – Verses : 1- 8 .
In the Name of Allah, the Almighty God , the All-beneficent, the All-merciful.
94 The Expanding -Al-'Inshirah
In the Name of Allah, the Merciful, the Most Merciful
[94.1] Have We not expanded your chest for you (Prophet Muhammad),
[94.2] and relieved you of your burden
[94.3] that weighed down your back?
[94.4] Have We not raised your remembrance?
[94.5] Indeed, hardship is followed by ease,
[94.6] indeed, hardship is followed by ease!
[94.7] So, when you have finished (your prayer), labor (in supplication),
[94.8] and let your longing be for your Lord (in humility).
Translation (3) :
Holy Quran – chapter ( 94 ) – Surat : Al- Sharh or Al-Inshirah ( Expanding ) – Verses : 1- 8 .
In the Name of Allah, the Almighty God , the All-beneficent, the All-merciful.
[94:1] Have We not caused thy bosom to dilate,
[94:2] And eased thee of the burden
[94:3] Which weighed down thy back;
[94:4] And exalted thy fame ?
[94:5] But lo! with hardship goeth ease,
[94:6] Lo! with hardship goeth ease;
[94:7] So when thou art relieved, still toil
[94:8] And strive to please thy Lord.
Translation (4) :
Holy Quran – chapter ( 94 ) – Surat : Al- Sharh or Al-Inshirah ( Expanding) – Verses : 1- 8 .
In the Name of Allah, the Almighty God , the All-beneficent, the All-merciful.
94-1 Have We not expanded thee thy breast?-
94-2 And removed from thee thy burden
94-3 The which did gall thy back?-
94-4 And raised high the esteem (in which) thou (art held)?
94-5 So, verily, with every difficulty, there is relief:
94-6 Verily, with every difficulty there is relief.
94-7 Therefore, when thou art free (from thine immediate task), still labour hard,
94-8 And to thy Lord turn (all) thy attention.
Translation (5) :
Holy Quran – chapter ( 94 ) – Surat : Al- Sharh or Al-Inshirah ( Expanding ) – Verses : 1- 8 .
In the Name of Allah, the Almighty God , the All-beneficent, the All-merciful.
[94:1] Have We not caused thy bosom to dilate,
[94:2] And eased thee of the burden
[94:3] Which weighed down thy back;
[94:4] And exalted thy fame ?
[94:5] But lo! with hardship goeth ease,
[94:6] Lo! with hardship goeth ease;
[94:7] So when thou art relieved, still toil
[94:8] And strive to please thy Lord.
تفسير سورة الانشراح او الشرح [ تفسير الوسيط في تفسير القرأن الكريم / طنطاوي ] :
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ (7) وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ (8)
[ الشرح : 1- 8 ]
الاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } للتقرير لأنه إذا دخل على النفى قرره، وهذا التقرير المقصود به التذكير، حتى يداوم على شكره - تعالى -. وأصل الشرح البسط للشئ وتوسعته، يقال شرح فلان الشئ، إذا وسعه، ومنه شرح فلان الكتاب، إذا وضحه، وأزال مجمله، وبسط ما فيه من غموض. والمراد بشرح الصدر هنا توسعته وفتحه، لقبول كل ما هو من الفضائل والكمالات النفسية. وإذهاب كل ما يصد عن الإِدراك السليم وعن الحق الخير والهدى. وهذا الشرح، يشمل الشق البدنى لصدره صلى الله عليه وسلم كما يشمل الشرح المعنوى لصدره صلى الله عليه وسلم عن طريق إيداعه الإِيمان والهدى والعلم والفضائل. قال الإِمام ابن كثير قوله { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } يعنى أما شرحنا لك صدرك. أى نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا، كقوله{ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ... } وقيل المراد بقوله { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } شرح صدره ليلة الإِسراء، كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة.. وهذا وإن كان واقعا، ولكن لا منافاة، فإن من جملة شرح صدره صلى الله عليه وسلم الذى فعل بصدره ليلة الإِسراء، ما نشأ عنه من الشرح المعنوى - أيضا -.. والمعنى لقد شرحنا لك - أيها الرسول الكريم - صدرك شرحا عظيما، بأن أمرنا ملائكتنا بشقه وإخراج ما فيه مما يتنافى مع ما هيأناك له من حمل رسالتنا إلى الناس، وبأن أودعنا فيه من الهدى والمعرفة والإِيمان والفضائل والحكم.. ما لم نعطه لأحد سواك. ونون العظمة فى قوله - سبحانه - { نشرح } تدل على عظمة النعمة، من جهة أن المنعم العظيم، إنما يمنح العظيم من النعم، وفى ذلك إشارة إلى أن نعمة الشرح، مما لا تصل العقول إلى كنه جلالتها. واللام فى قوله - تعالى - { لك } للتعليل، وهو يفيد أن ما فعله الله - تعالى - به، إنما هو من باب تكريمه، ومن أجل تشريفه وتهيئته لحمل رسالته العظمى إلى خلقه، فمنفعة هذا الشرح إنما تعود إليه وحده صلى الله عليه وسلم لا إلى غيره. قال الإِمام الرازى فإن قيل لم ذكر الصدر ولم يذكر القلب؟ فالجواب أن محل الوسوسة هو الصدر، كما قال - تعالى -{ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } فإزالة تلك الوسوسة، وإبدالها بدواعى الخير، هى الشرح، فلا جرم خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب. قال محمد بن على الترمذى القلب محل العقل والمعرفة، وهو الذى يقصده الشيطان، فالشيطان يجئ إلى الصدر الذى هو حصن القلب، فإذا وجد مسلكا أغار فيه، وبث فيه الهموم، فيضيق القلب، ولا يجد للطاعة لذة، وإذا طرد العدو فى الابتداء، حصل الأمن، وانشرح الصدر.
وقوله - سبحانه - { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ. ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } بيان لنعمة أخرى من النعم التى أنعم بها - سبحانه - على نبيه صلى الله عليه وسلم. والمراد بالوضع هنا الإِزالة والحط، لأن هذا اللفظ إذا عدى بعن كان للحط والتخفيف، وإذا عدى بعلى كان للحمل والتثقيل. تقول وضعت عن فلان قيده إذا أزلته عنه، ووضعته عليه إذا حملته إياه. والوزر الحِمْل الثقيل، و { أَنقَضَ ظَهْرَكَ } أى أثقله وأوهنه وأتعبه، حتى سمع له نقيض، وهو الصوت الخفى الذى يسمع من الرَّحْل الكائن فوق ظهر البعير، إذا كان هذا الرحل ثقيلا، ولا يكاد البعير يحمله إلا بمشقة وعسر. والمعنى لقد شرحنا لك - أيها الرسول الكريم - صدرك، وأزلنا عنك ما أثقل ظهرك من أعباء الرسالة، وعصمناك من الذنوب والآثام، وطهرناك من الأدناس، فصرت - بفضلنا وإحساننا - جديرا بحمل هذه الرسالة، بتبليغها على أكمل وجه وأتمه. فالمراد بوضع وزره عنه صلى الله عليه وسلم مغفرة ذنوبه، وإلى هذا المعنى أشار الإِمام ابن كثير بقوله قوله - تعالى - { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } بمعنى{ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } وقال غير واحد من السلف فى قوله { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } أى أثقلك حمله.. ويرى كثير من المفسرين أن المراد بوضع وزره عنه صلى الله عليه وسلم إزالة العقبات التى وضعها المشركون فى طريق دعوته، وإعانته على تبليغ الرسالة على أكمل وجه، ورفع الحيرة التى كانت تعتريه قبل النبوة. قال بعض العلماء وقد ذكر جمهرة المفسرين أن المراد بالوزر فى هذه الآية الذنب، ثم راحوا يتأولون الكلام، ويتمحلون الأعذار، ويختلفون فى جواز ارتكاب الأنبياء للمعاصى، وكل هذا كلام، ولا داعى إليه، ولا يلزم حمل الآية عليه. والمراد - والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم - بالوزر الحيرة التى اعترته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، حين فكر فيما عليه قومه من عبادة الأوثان. وأيقن بثاقب فكره أن للكون خالقا هو الجدير بالعبادة، ثم تحير فى الطريق الذى يسلكه لعبادة هذا الخالق، وما زال كذلك حتى أوحى الله إليه بالرسالة فزالت حيرته. ولما دعا قومه إلى عبادة الله، وقابلوا دعوته بالإِعراض.. ثقل ذلك عليه، وغاظه من قومه أن يكذبوه.. وكان ذلك حملا ثقيلا.. شق عليه القيام به. فليس الوزر الذى كان ينقض ظهره، ذنبا من الذنوب.. ولكنه كان هما نفسيا يفوق ألمه، ألم ذلك الثقل الحسى.. فلما هداه الله - تعالى - إلى إنقاذ أمته من أوهامها الفاسدة.. كان ذلك بمثابة رفع الحمل الثقيل، الذى كان ينوء بحمله. لا جرم كانت هذه الآية واردة على سبيل التمثيل، واقرأ إن شئت قوله - تعالى – ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ. وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ ( ويبدو لنا أن هذا القول الثانى، هو الأقرب إلى الصواب. لأن الكلام هنا ليس عن الذنوب التى ارتكبها النبى صلى الله عليه وسلم قبل البعثة - كما يرى بعض المفسرين - وإنما الكلام هنا عن النعم التى أنعم بها - سبحانه - عليه والتى من مظاهرها توفيقه للقيام بأعباء الرسالة، وبإقناع كثير من الناس بأنه على الحق، واستجابتهم له صلى الله عليه وسلم. وقوله - سبحانه - { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } بيان لنعمة ثالثة من نعمه - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم. أى لقد شرحنا لك - أيها الرسول الكريم - صدرك، وأزلنا عن قلبك الحيرة التى كانت تعتريك قبل تبليغ الرسالة وبعد تبليغها، بأن يسرنا لك كل صعب. وفوق ذلك فقد رفعنا لك ذكرك، بأن جعنالك رفيع الشأن، سامى المنزلة، عظيم القدر، ومن مظاهر ذلك أننا جعلنا اسمك مقرونا باسمنا فى النطق بالشهادتين. وفى الأذان، وفى الإِقامة، وفى التشهد، وفى غير ذلك من العبادات، وأننا فضلناك على جميع رسلنا، بل على جميع الخلق على الإِطلاق، وأننا أعطيناك الشفاعة العظمى، وجعلنا طاعتك من طاعتنا. قال الآلوسى أخرج أبو يعلى، وابن جرير.. عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " أتانى جبريل فقال لى إن ربك يقول أتدرى كيف رفعت ذكرك؟ قلت الله - تعالى- أعلم. قال " إذا ذُكِرتُ ذُكِرتَ معى " ". ثم أضاف - سبحانه - إلى هذه النعم الجليلة، ما يدخل السرور على قلبه صلى الله عليه وسلم وما يبعث الأمل فى نفسه وفى نفوس أصحابه، بأن بين لهم سنة من سننه التى لا تتخلف فقال { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً }. والفاء للإِفصاح، ومع بمعنى بَعْد، وأل فى العسر لاستغراق أنواع العسر المعروفة للمخاطبين. من فقر، وضعف، وقلة فى الوسائل التى تؤدى إلى إدراك المطلوب. والجملة الثانية مؤكدة ومقررة للجملة الأولى. والتنكير فى قوله { يسرا } للتفخيم. والمعنى إذا تقرر عندك ما أخبرنا به، من شرح الصدر، ووضع الوزر. ورفع الذكر.. فاعلم أنه ما من عسر إلا ويعقبه يسر، وما من شدة إلا ويأتى بعدها الفرج، وما من غم أو هم، إلا وينكشف، وتحل محله المسرة.. وما دام الأمر كذلك، فتذرع أنت وأصحابك بالصبر، واعتصموا بالتوكل على الله، فإن العاقبة لكم. ففى هاتين الآيتين ما فيهما من تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم ولأتباعه، ومن وعد صادق بأن كل صعب يلين، وكل شديد يهون، وكل عسير يتيسر. متى صبر الإِنسان الصبر الجميل، وتسلح بالعزيمة القوية، وبالإِيمان العميق بقضاء الله - تعالى - وقدره. وأكد - سبحانه - هاتين الآيتين، لأن هذه القضية قد تكون موضع شك، خصوصا بالنسبة لمن تكاثرت عليهم الهموم وألوان المتاعب، فأراد - سبحانه - أن يؤكد للناس فى كل زمان ومكان، أن اليسر يعقب العسر لا محالة، والفرج يأتى بعد الضيق، فعلى المؤمن أن يقابل المصائب بصبر جميل، وبأمل كبير فى تيسير الله وفرجه ونصره.
وقال - سبحانه - { مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } ولم يقل بعد العسر يسرا، للإِشعار بأن هذا اليسر، ليس بعد العسر بزمن طويل، وإنما هو سيأتى فى أعقابه بدون مهلة طويلة، متى وطن الإِنسان نفسه على الصبر والأمل فى فرج الله - تعالى -. وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين الآيتين بعض الآثار، منها ما رواه ابن أبى حاتم، عن عائد بن شريح قال سمعت أنس بن مالك يقول " كان النبى صلى الله عليه وسلم جالسا وحياله حجر فقال " لو جاء العسر فدخل هذا الجحر، لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه " ". وعن الحسن قال كانوا يقولون لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين. وعن قتادة ذكر لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه فقال " لن يغلب عسر يسرين " ومعنى هذا أن العسر مُعَرَّف فى الحالين، فهو مفرد، واليسر مُنَكَّر فمتعدد، ولهذا قال " لن يغلب عسر يسرين " فالعسر الأول عين الثانى، واليسر تعدد.. وقال صاحب الكشاف فإن قلت كيف تعلق قوله { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } بما قبله؟ قلت كان المشركون يعيرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر فذكَّره الله - تعالى - بما أنعم به عليه من جلائل النعم ثم قال { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } ، كأنه قال خولناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله، فإن مع العسر الذى أنتم فيه يسرا. فإن قلت " إن مع " للصحبة، فما معنى اصطحاب اليسر للعسر؟ قلت أراد أن الله يصيبهم بيسر بعد العسر الذى كانوا فيه بزمان قريب، فقرب اليسر المترقب حتى جعله كالمقارن للعسر، زيادة فى التسلية، وتقوية القلوب. فإن قلت فما المراد باليسرين؟ قلت يجوز أن يراد بهما ما تيسر لهم من الفتوح فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم، وما تيسر لهم فى أيام الخلفاء.. وأن يراد يسر الدنيا ويسر الآخرة. فإن قلت فما معنى هذا التنكير؟ قلت التفخيم، كأنه قال إن مع العسر يسرا عظيما وأى يسر.. وبعد هذا التعديد لتلك النعم العظيمة، أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم فى الاجتهاد فى العبادة فقال - تعالى - { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ }. وأصل الفراغ خول الإِناء مما بداخله من طعام أو غيره، والمراد به هنا الخلو من الأعمال التى تشغل الإِنسان، والنصب التعب والاجتهاد فى تحصيل المطلوب.
أى فإذا فرغت - أيها الرسول الكريم - من عمل من الأعمال، فاجتهد فى مزاولة عمل آخر من الأعمال التى تقربك من الله - تعالى -، كالصلاة، والتهجد، وقراءة القرآن الكريم. واجعل رغبتك فى جميع أعمالك وعباداتك، من أجل إرضاء ربك، لا من أجل شئ آخر، فهو وحده القادر على إبلاغك ما تريد، وتحقيق آمالك. فالمقصود بهاتين الآيتين حثه صلى الله عليه وسلم وحث أتباعه فى شخصه على استدامة العمل الصالح، وعدم الانقطاع عنه، مع إخلاص النية لله - تعالى - فإن المواظبة على الأعمال الصالحة مع الاخلاص فيها، تؤدى إلى السعادة التى ليس بعدها سعادة. ولقد استجاب صلى الله عليه وسلم لهذا الإِرشاد الحكيم، " فقد قام الليل حتى تورمت قدماه، وعندما سئل لم كل هذه العبادة، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك؟ قال " أفلا أكون عبدا شكورا " ". وسار أصحابه من بعده على هذا الهدى القويم فعمروا حياتهم بالباقيات الصالحات من الأعمال، دون أن يكون للفراغ السيئ، مكان فى حياتهم، بل واصلوا الجهاد بالجهاد، وأعمال البر بمثلها. ومن أقوال عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - إنى لأكره لأحدكم أن يكون خاليا، لا فى عمل دنيا ولا دين ". وفى رواية أنه قال " إنى لأنظر إلى الرجل فيعجبنى، فإذا قيل إنه لا عمل له سقط من عينى ".
نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعا ممن يعمرون أوقاتهم بالأعمال الصالحة، والخالصة لوجهه الكريم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.