ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب - محمود شلبي
( ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب )
( Piety does not lie in turning your face to East or West )
الايات الكريمة :
بِسْمِ الـــلَّـــهِ
الرَّحْـمَٰـنِ الرَّحِـيـمِ
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ
وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
[ البقرة : 177 ]
بِسْمِ الـــلَّـــهِ
الرَّحْـمَٰـنِ الرَّحِـيـمِ
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ
عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
[ التوبة : 60 ]
Translations :
Translation (1) [ Shown in
photo ] :
[ Holy Quran – Chapter : 2 - Surat : Al-Baqara ( The Cow ) – Verse : 177 ]
In the Name of ALLAH , the Most Beneficent , the Most Merciful
177: Piety does not lie in turning your face to East or West: Piety lies in believing in God, the Last Day and the angels, the Scriptures and the prophets, and disbursing your wealth out of love for God among your kin and the orphans, the wayfarers and mendicants, freeing the slaves, observing your devotional obligations, and in paying the zakat and fulfilling a pledge you have given, and being patient in hardship, adversity, and times of peril. These are the men who affirm the truth, and they are those who follow the straight path.
[ Holy Quran – Chapter : 9 -
Surat : At-Tawba ( The Repentance ) –
Verse : 60 ]
In the Name of ALLAH , the Most Beneficent , the Most Merciful
60: Charities are meant for the indigent and needy, and those who collect and distribute them, and those whom you wish to win over, and for redeeming slaves (and captives) and those who are burdened with debt, and in the cause of God, and the wayfarers: So does God ordain. God is all-knowing and all-wise.
Translation (2) [ Mohsin
khan ] :
[ Holy Quran – Chapter : 2 - Surat : Al-Baqara ( The Cow ) – Verse : 177 ]
In the Name of ALLAH , the Most Beneficent , the Most Merciful
It is not Al-Birr (piety, righteousness, and each and every act of obedience to Allâh, etc.) that you turn your faces towards east and (or) west (in prayers); but Al-Birr is (the quality of) the one who believes in Allâh, the Last Day, the Angels, the Book, the Prophets[] and gives his wealth, in spite of love for it, to the kinsfolk, to the orphans, and to Al-Masâkin (the poor), and to the wayfarer, and to those who ask, and to set slaves free, performs As-Salât (Iqâmat-as-Salât), and gives the Zakât, and who fulfill their covenant when they make it, and who are patient in extreme poverty and ailment (disease) and at the time of fighting (during the battles). Such are the people of the truth and they are Al¬Muttaqûn (pious - see V.2:2) (177)
[ Holy Quran – Chapter : 9 -
Surat : At-Tawba ( The Repentance ) –
Verse : 60 ]
In the Name of ALLAH , the Most Beneficent , the Most Merciful
As-Sadaqât (here it means Zakât) are only for the Fuqarâ'[] (poor), and Al-Masâkin[] (the poor) and those employed to collect (the funds); and to attract the hearts of those who have been inclined (towards Islâm); and to free the captives; and for those in debt; and for Allâh's Cause (i.e. for Mujâhidûn - those fighting in the holy battle), and for the wayfarer (a traveller who is cut off from everything); a duty imposed by Allâh. And Allâh is All-Knower, All-Wise. (60)
Translation (3) [ Yusuf Ali
] :
[ Holy Quran – Chapter : 2 - Surat : Al-Baqara ( The Cow ) – Verse : 177 ]
In the Name of ALLAH , the Most Beneficent , the Most Merciful
2-177
It is not righteousness that ye turn your faces Towards east or West; but it is righteousness- to believe in God and the Last Day, and the Angels, and the Book, and the Messengers; to spend of your substance, out of love for Him, for your kin, for orphans, for the needy, for the wayfarer, for those who ask, and for the ransom of slaves; to be steadfast in prayer, and practice regular charity; to fulfil the contracts which ye have made; and to be firm and patient, in pain (or suffering) and adversity, and throughout all periods of panic. Such are the people of truth, the God-fearing.
[ Holy Quran – Chapter : 9 -
Surat : At-Tawba ( The Repentance ) –
Verse : 60 ]
In the Name of ALLAH , the Most Beneficent , the Most Merciful
9-60
Alms are for the poor and the needy, and those employed to administer the (funds); for those whose hearts have been (recently) reconciled (to Truth); for those in bondage and in debt; in the cause of God; and for the wayfarer: (thus is it) ordained by God, and God is full of knowledge and wisdom.
Translation (4) [
Pictal ] :
[ Holy Quran – Chapter : 2 - Surat : Al-Baqara ( The Cow ) – Verse : 177 ]
In the Name of ALLAH , the Most Beneficent , the Most Merciful
[2:177]
It is not righteousness that ye turn your faces to the East and the West; but righteous is he who believeth in Allah and the Last Day and the angels and the Scripture and the prophets; and giveth wealth, for love of Him, to kinsfolk and to orphans and the needy and the wayfarer and to those who ask, and to set slaves free; and observeth proper worship and payeth the poor-due. And those who keep their treaty when they make one, and the patient in tribulation and adversity and time of stress. Such are they who are sincere. Such are the God-fearing.
[ Holy Quran – Chapter : 9 -
Surat : At-Tawba ( The Repentance ) –
Verse : 60 ]
In the Name of ALLAH , the Most Beneficent , the Most Merciful
[9:60]
The alms are only for the poor and the needy, and those who collect
them, and those whose hearts are to be reconciled, and to free the captives and
the debtors, and for the cause of Allah, and (for) the wayfarer; a duty imposed
by Allah. Allah is Knower, Wise.
تفسير الايات الكريمة [ تفسير الوسيط في تفسير القران الكريم / طنطاوي ] :
اولا : الاية الكريمة من سورة البقرة :
بِسْمِ الـــلَّـــهِ الرَّحْـمَٰـنِ الرَّحِـيـمِ
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ
ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُتَّقُونَ
[ البقرة : 177 ]
{ ٱلْبِرَّ } اسم جامع لكل خير، ولكل طاعة وقرية يتقرب بها العبد إلى
خالقه - عز وجل -. قال الراغب " البر - بفتح الباء - خلاف البحر، وتصور منه
التوسع فاشتق منه البر - بكسر الباء - بمعنى التوسع فى فعل الخير، وينسب ذلك إلى
الله - تعالى - تارة نحو{ إِنَّهُ هُوَ
ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } وإلى العبد تارة فيقال بر العبد ربه، أى توسع فى طاعته فالبر من الله
الثواب، ومن العبد الطاعة ". وتولية الوجوه قبل الشىء معناه التوجه إليه بجعل
الوجه متجها إلى جهته فلفظ " قيل " بمعنى جهة وهو منصوب على الظرفية
المكانية. و { ٱلْمَشْرِقِ } الجهة التى تشرق منها الشمس، والمغرب الجهة التى تغرب
فيها. قال الإِمام الرازى اختلف العلماء فى أن هذا الخطاب عام أو خاص. فقال بعضهم
أراد بقوله { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } أهل الكتاب لما شددوا فى الثبات على التوجه بنحو
بيت المقدس فقال - تعالى - ليس البر هذه الطريقة ولكن البر من آمن بالله. وقال
بعضهم بل المراد مخاطبته المؤمنين لما ظنوا أنهم قد نالوا البغية بالتوجه إلى
الكعبة من حيث كانوا يحبون ذلك فخوطبوا بهذا الكلام وقال بعضهم بل هو خطاب للكل،
لأن عند نسخ القبلة وتحويلها حصل من المؤمنين الاغتباط بهذه القبلة، وحصل منهم
التشدد فى تلك القبلة حتى ظنوا أنه الفرض الأكبر فى الدين، فبعثهم الله - تعالى -
بهذا الخطاب على استيفاء جميع العبادات والطاعات، وبين أن البر ليس بأن تولوا
وجوهكم شرقاً وغرباً، وإنما البر. كيت وكيت. وهذا أشبه بالظاهر إذ لا تخصيص فيه،
فكأنه - تعالى - قال ليس البر المطلوب هو أمر القبلة، بل البر المطلوب هو هذه
الخصال التى عدها ". وهذا القول الثالث - الذى يرى أصحابه أن الخطاب للكل،
والذى قال عنه الإِمام الرازى هذا أشبه بالظاهر - هذا القول، هو الذى تسكن إليه
النفس، لأنه لا يوجد نص صحيح يخصص الخطاب لطائفة معينة من الناس ولأن المقصود من
الآية الكريمة إنما هو إفهام الناس فى كل زمان ومكان أن مجرد تولية الوجه إلى قبلة
مخصوصة ليس هو البر الكامل الذى يعنيه الإِسلام، وإنما البر الكامل يتأنى فى
استجابة الإِنسان لتلك الخصال الشريفة التى اشتملت عليها الآية، تلك الخصال التى
تجعل المستمسكين بها على صلة طيبة بخالقهم وعلى صلة طيبة بغيرهم، - كما سنبين ذلك
عند تعليقنا على هذه الآية الكريمة -. والمعنى ليس البر - الذى هو كل طاعة يتقرب
بها الإِنسان إلى خالقه - فى تولية الوجه عند الصلاة إلى جهة المشرق والمغرب،
وإنما البر الذى يجب الاهتمام به لأنه يؤدى إلى السعادة والفلاح - يكون فى
الإِيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وفى انفاق المال فى وجوه
الخير، وفى اتباع ما ذكرته الآية الكريمة من خصال جليلة.
هذا وقد قرأ حمزة وحفص عن عاصم { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } بنصب البر على
أنه خبر ليس، واسمها قوله - تعالى - { أَن تُوَلُّواْ } أى ليس توليتكم وجوهكم قبل
المشرق والمغرب البر كله. وقرأ الباقون { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } برفع البر على أنه
اسم ليس، وخبرها قوله - تعالى - { أَن تُوَلُّواْ } أى ليس البر كله توليتكم وجوهكم
قبل المشرق والمغرب. قال الطبرسى وكلا المذهبين حسن، لأن كل واحد من اسم ليس
وخبرها معرفة، فإذا اجتمعا فى التعريف تكافآ فى كون أحدهما اسما والآخر خبراً كما
تتكافأ النكرتان. وقوله - تعالى - { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ
وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ } إلخ بيان
لما هو البر الذى يجب أن تتجه إليه الأفكار، وتستجيب له النفوس. و { وَلَـٰكِنَّ }
حرف استدراك، البر اسمها. وقوله { مَنْ آمَنَ } وقع فى اللفظ موقع الخبر عن قوله {
ٱلْبِرَّ } والخبر فى المعنى لفظ مقدر مضاف إلى من آمن، يفهم من سياق الجملة،
والمعنى مع ملاحظة المقدر ولكن البر بر من آمن بالله. وهذا اللون من الإِيجاز الذى
حذف فيه المضاف معهود فى كلام البلغاء إذ تجدهم يقولون السخاء حاتم، والشعر زهير.
أى السخاء سخاء حاتم، والشعر شعر زهير. وقيل إن البر هنا بمعنى البار فجعل المصدر
فى موضع اسم الفاعل، كما يقال ماء غور أى غائر، ورجل صوم أى صائم. وقيل إن المحذوف
هو لفظ مضاف إلى البر. أى ولكن ذا البر من آمن بالله. وقد ابتدأت الآية حديثها عن
خصال البر بالإِيمان بالله، لأنه أساس كل بر. وأصل كل خير، والإِيمان بالله هو
التصديق بأنه هو الواحد الفرد الصمد، الذى لا تعنو الوجوه إلا له، ولا تتجه القلوب
بالعبادة إلا إليه، ومتى رسخ هذا الإِيمان فى النفوس ارتفع بها إلى مكانة التكريم
التى أرادها الله - تعالى - لبنى آدم وصانها عن الذلة والاستكانة وأعطاها نبراس
الهداية والسداد فى كل نواحى الحياة. ثم ذكرت الإِيمان باليوم الآخر، وهو التصديق
بالبعث وما يقع بعده من حساب وثواب وعقاب على الوجه الذى وصفته نصوص الشريعة بأجلى
بيان. والإِيمان باليوم الآخر من ثماره أنه يغرس فى النفوس محبة الخير، والحرص على
إسداء المعروف وينفرها من اقتراف الشرور وارتكاب الآثام. ولقد تحدث القرآن عن
الإِيمان بالله واليوم الآخر فى عشرات الآيات، وأقام الأدلة الساطعة، والبراهين
القاطعة على وحدانية الله وعلى أنه هو صاحب الكمال المطلق، كما أقام الحجج
والبراهين على أن البعث حق وضرب الأمثال لذلك، وسفه عقول المنكرين له.
ثم ذكرت الإِيمان بالملائكة والملائكة أجسام لطيفة نورانية، قادرون
على التشكل فى صورة حسنة مختلفة، وصفهم القرآن بأنهم{ لاَّ
يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ووجه
دخول التصديق بهم فى حقيقة الإِيمان، أن الله وسطهم فى إبلاغ وحيه لأنبيائه، وبين
ذلك فى كتابه، وتحدث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عنهم فى كثير من أحاديثه،
فمن لم يؤمن بالملائكة على هذا الوجه الذى جاءت به الشريعة فقد انكر الوحى، إذ
الإِيمان بهم أصل للإِيمان بالوحى، فيلزم من إنكارهم إنكار الوحى، وهو يستلزم
إنكار النبوة وإنكار الدار الآخرة. ثم ذكرت الآية الإِيمان بالكتاب. والمراد به
القرآن لأنه المقصود بالدعوة، ولأنه هو الأمين على الكتب قبله، فما وافقه منها كان
حقاً وما خالفه كان باطلا. والإِيمان به يستلزم الإِيمان بجميع الكتب المنزلة من
عند الله على أنبيائه، لأنه هو الذى أخبرنا بذلك وأمرنا بذلك وأمرنا بأن نؤمن
بالله وملائكته وكتبه ورسله. ثم ذكرت الإِيمان بالنبيين، أى التصديق بأنهم رجال
اصطفاهم الله - تعالى - لتلقى هدايته وكتبه وتبليعها للناس بصدق وأمانة وسلامة
بصيرة. والنبيون الذين يجب الإِيمان بهم كل من ثبتت نبوته عن طريق القرآن الكريم
أو الحديث الصحيح، وكل من أنكر نبوة نبى قد ثبتت نبوته فقد خرج عن طريق الإِيمان.
ولقد قام الدليل القاطع على أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين
والمرسلين، وكل من ادعى غير ذلك فهو من الضالين المضلين. وقد جمعت هذه الأمور
الخمسة التى ذكرتها الآية كل ما يلزم أن يصدق به الإِنسان، لكى يكون ذا عقيدة
سليمة، تصل به إلى الفلاح والسعادة. ثم ذكرت الآية بعد بيان أصول الإِيمان أصول
الأعمال الصالحة فقالت. { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ
وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وفى
ٱلرِّقَابِ }. وهذه الجملة معطوفة على قوله - تعالى - { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ }.
والضمير فى قوله { عَلَىٰ حُبِّهِ } يعود إلى المال، أى أعطى المال وبذله عن طيب
خاطره حالة كونه محباً له راغباً فيه. لأن الإِعطاء والبذل فى هذه الحالة يدل على
قوة الإِيمان، وصفاء الوجدان، ويسمو بصاحبه إلى أعلا الدرجات. قال - تعالى -{ لَن
تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وقد
بين النبى صلى الله عليه وسلم أن أفضل الصدقة ما كان فى حال الصحة، لأن الإِنسان
فى هذه الحالة يكون مظنة الحاجة إلى المال فقد أخرج البخارى فى صحيحه عن أبى هريرة
- رضى الله عنه - قال جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال " يا
رسول الله، أى الصدقة أعظم أجراً؟ قال " أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر
وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا وكذا وقد كان لفلان " ".
وقيل الضمير يعود إلى الله - عز وجل - أى يعطون المال على حب الله
وطلباً لمرضاته. وقيل يعود إلى الايتاء الذى دل عليه قوله - تعالى - { وَآتَى
ٱلْمَالَ } فكأنه قال يعطى ويحب الاعطاء رغبة فى ثواب الله. والمراد بذوى القربى
أقرباء المعطى للمال والمعنى وأعطى المال مع محبته لهذا المال لأقاربه المحتاجبين
لأنهم أولى بالمعروف، ولأن إعطاءهم إحسان وصلة رحم، ولذلك جاء ذكرهم فى الآية
مقدماً على بقية الأصناف التى تستحق العطف والإِحسان. روى الإِمام أحمد والترمذى
والنسائى وغيرهم عن سليمان بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن
الصدقة على المسكين صدقة. وعلى ذى الرحم اثنتان صدقة وصلة ". { وَٱلْيَتَامَىٰ
} جمع يتيم، وهو من فقد أباه بالموت ولم يبلغ الحلم. وهؤلاء اليتامى فى حاجة إلى
الإِحسان إليهم بعد ذوى القربى متى كانوا محتاجين، لشدة عجزهم عن كسب ما يسد حاجتهم.
{ وَٱلْمَسَاكِينَ } جمع مسكين، وهو من لا يملك شيئاً من المال، أو يملك ما لا
يكفى حاجاته وهذا النوع من الناس فى حاجة إلى العناية والرعاية لأنهم فى الغالب
يفضلون الاكتفاء بالقليل على إراقة وجوههم بالسؤال. وفى الصحيحين عن أبى هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس المسكين
الذى يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان. قالوا فما المسكين
يا رسول الله؟ قال الذى لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس
شيئاً
". { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } هو المسافر
المنقطع عن ماله. وسمى بذلك - كما قال الآلوسى - لملازمته السبيل - أى الطريق - فى
السفر، أو لأن الطريق تبرزه فكأنها ولدته وكأن إفراده لانفراده عن أحبابه ووطنه
وأصحابه فهو أبدا يتوق إلى الجمع، ويشتاق إلى الربع، والكريم يحن إلى وطنه حنين
الشارف إلى عطنه ". وهذا النوع من الناس فى حاجة إلى المساعدة والمعاونة حتى
يستطيع الوصول إلى بلده، وفى هذا تنبيه إلى المسلمين وإن اختلفت أوطانهم ينبغى أن
يكونوا فى التعاطف والتعاون على متاعب الحياة كالأسرة الواحدة. { وَٱلسَّآئِلِينَ
} جمع سائل، وهو الطالب للإِحسان والمعروف. ويحمل حاله على أنه فى حاجة إلى المعاونة،
لأن السؤال علامة الحاجة غالباً. والرقاب جمع رقبة وهى فى الأصل العنق، وتطلق على
البدن كله كما تطلق العين على الجاسوس. فصح حمل الرقاب على الأسارى والأرقاء.
وقوله { وفى ٱلرِّقَابِ } متعلق بآتى، أى آتى المال على حبه فى تخليص الأسرى من
أيدى العدو بفدائهم، وتخليص الأرقاء بشرائهم وإعتاقهم. وهذه الأصناف الستة التى
ذكرت فى تلك الآية الكريمة { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ.. } إلخ. ليس المقصود
من ذكرها الاستيعاب والحصر، ولكنها ذكرت كأمثلة وخصت بالذكر لأنها أحوج من غيرها
إلى العون والمساعدة.
والذى يراجع القرآن الكريم يجده قد عنى عناية كبرى بالفقراء والمساكين
وجميع أصناف المحتاجين حتى لا تكاد سورة من سوره تخلو من الحث على الإِنفاق عليهم،
وبذل العون فى مساعدتهم - وأيضا - هناك عشرات الأحاديث فى الحض على مد يد العون
إلى ذوى القرابة والمعسرين، وذلك لأن المجتمعات تحيا وتنهض بالتراحم، وتذل وتشقى
بالتقاطع والتدابر بين أبنائها. ثم ذكرت الآية ألواناً أخرى من البر تدل على قوة
الإِيمان وحسن الخلق فقالت { وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ } وإقامة
الصلاة أداؤها فى مواقيتها مستوفية لأركانها وسننها وخشوعها على الوجه الشرعى الذى
أمر الله به، والمراد بالزكاة هنا، الزكاة المفروضة على الوجه الذى فصلته السنة
المطهرة. وإبتاؤها يكون بإعطائها لمستحقيها من الفقراء والمساكين وغيرهم ممن ذكرهم
الله فى قوله - تعالى
-{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ
عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وفي
سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ } وفى ذكر الزكاة المفروضة بعد ذكر إيتاء المال على حبه لذوى القربى
واليتامى.. إلخ دليل على أن فى الأموال حقوقا لذوى الحاجات سوى الزكاة، وذلك لأنه
من المعروف بين أهل العلم أن الحاجة إذا بلغت بطائفة من أبناء الأمة حد الضرورة،
يجب على الأغنياء منها أن يسعوا فى سدها ولو مما زاد على قدر الزكاة. والأغنياء
الذين يكتفون بدفع الزكاة، ولا يمدون يد المساعدة لسد حاجة المحتاجين، وتفريج كرب
المكروبين، ودفع ضرورة البائسين، ليسوا على البر الذى يريده الله من عباده
المتقين. ومسألة " هل فى المال حق سوى الزكاة " من المسائل التى تناولها
بعض العلماء بالشرح والتفصيل. وقوله { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ
} معطوف على قوله { مَنْ آمَنَ } فإنه فى قوة قولك، ومن أوفوا بعهدهم، وأوثرت صيغة
اسم الفاعل للدلالة على وجوب استمرار الوفاء. الوفاء بالعهد يشمل ما عاهد المؤمنون
عليه الله من الإِذعان لكل ما جاء به الدين، ويشمل ما يعاهد به الناس بعضهم بعضاً
مما لا يحل حراماً ولا يحرم حلالا. والموفون بعهدهم هم الذين إذا وعدوا أنجزوا،
وإذا حلفوا بروا فى أيمانهم، وإذا قالوا صدقوا فى قولهم، وإذا ائتمنوا أدوا
الأمانة، وقد وعدهم الله على ذلك بأجزل الثواب، وأعلى الدرجات. وفى قوله - تعالى -
{ إِذَا عَاهَدُواْ } إشارة إلى أن إيفاءهم بالعهد لا يتأخر عن وقت حصول العهد. ثم
ختم - سبحانه - خصال البر بقوله { وَٱلصَّابِرِينَ فى ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّاءِ
وَحِينَ ٱلْبَأْسِ }. البأساء من البؤس، وهى ما يصيب الناس فى الأموال كالفقر
والاحتياج. يقال بئس يبأس بؤساً وبأساً أى اشتدت حاجته. والضراء من الضر، وهى ما
يصيبهم فى أنفسهم كالأمراض والأسقام يقال ضره وأضره وضاره وضراً، ضد نفع والألف فى
البأساء والضراء للتأنيث.
وحين البأس، أى ووقت القتال فى سبيل الله لإِعلاء كلمته، يقال بؤس
ببؤس بأسا فهو بئيس، أى شجاع شديد. وقوله { وَٱلصَّابِرِينَ } معطوف فى المعنى على
{ مَنْ آمَنَ } كقوله { وَٱلْمُوفُونَ } إلا أنه جاء منصوبا على المدح بتقدير -
أخص أو أمدح - وغير سبكه عما قبله، تنبيها على فضيلة الصبر ومزيته على غيره من
الفضائل حتى لكأنه ليس من جنس ما سبقه من فضائل، وهذا الأسلوب يسمى عند علماء
اللغة العربية بالقطع، وهو أبلغ من الإِتباع. ولا ريب فى أن صفة الصبر على الشدائد
والآلام وحين القتال فى سبيل الله، جديرة بأنه ينبه لمزيد فضلها، إذ هى أصل لكثير
من المكارم كالعفاف عما فى أيدى الناس، والتسليم للقضاء الذى لا مرد له، والإِقدام
الذى يحمى به الدين وتسلم به النفوس والأموال والأعراض وليس الصبر هو الخضوع
والاستكانة والاستسلام من غير مقاومة ولا عمل وإنما الصبر جهاد ومحاولة للتغلب على
المصاعب، ومع الاحتفاظ برباطة الجأش والثقة بحسن العاقبة. وقد خصت الآية ثلاثة
حالات بالصبر لأن هذه الحالات هى أبرز الأشياء التى يظهر فيها هلع الهالعين وجزع
الجازعين، كما يتميز فيها أصحاب النفوس القوية المطمئنة من غيرهم. وجاءت كلمة
" حين " فى قوله { وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } مشيرة إلى أن مزية الصبر فى
القتال إنما تظهر حين يلتقى الجمعان، وتدور رحى الحرب، لأن بعض الناس قد يكون
قوياً فى بدنه، وقد يحشر نفسه فى زمرة الأبطال المقاتلين، ولكنه عندما يرى الأعناق
تتساقط من حوله تخور قواه، ويلوذ بالفرار، أو يستسلم للعدو. وفى هذه الحالة تسلب
عنه صفة الصابرين حين البأس. وتحق عليه صفة الضعفاء الجبناء. وقد جاءت أنواع الصبر
فى الآية على وجه الترقى من الشديد إلى الأشد، وذلك لأن الصبر على المرض أصعب من
الصبر على الفقر، والصبر حين البأس أصعب من الصبر على المرض. ثم ختمت الآية حديثها
عن هؤلاء الجامعين لهذه الخصال بقوله تعالى { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ
وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }. أولئك اسم إشارة للجمع، وقد أشير به إلى من
تقدم ذكرهم من الجامعين لخصال البر. والصدق توصف به الأقوال المطابقة للواقع،
وتوصف به الأعمال الواقعة على الوجه الذى يرضى الله - تعالى -. والمتقون من
الاتقاء وهو الحذر، ويطلق المتقى فى كلام الشارع على الانسان الذى صان نفسه عن كل
ما يغضب الله، وامتثل لأوامره ونواهيه. أى أولئك الذين تقدم ذكرهم من المحرزين
لخصال البر هم الصادقون فى إيمانهم وفى كل أحوالهم، وأولئك هم المتقون لعذاب الله
- تعالى - بسبب امتثالهم لأوامره، واجتنابهم لما نهى عنه. واسم الإِشارة {
أُولَـٰئِكَ } جىء به لإِحضارهم فى أذهان المخاطبين وهم متصفون بتلك المناقب
الجليلة. وفى تكرير الإِشارة زيادة تنويه بشأنهم وفضلهم.
وجاء الإِخبار عنهم بأنهم الصادقون المتقون، لتشيرهم بأنهم قد بلغوا بإحرازهم لتلك الخصال السابقة الغاية التى يطمح إليها أرباب البصائر المتنيرة، والنفوس المتقيمة، والقلوب السليمة، وهى مقام الصدق والتقوى الذى يرتفع بصاحبه إلى السعادة فى الدنيا، والنعيم الدائم فى الآخرة. هذا وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على خمسة عشر نوعاً من أنواع البر الذى يهدى إلى الحياة السعيدة فى الدنيا، وإلى رضا الله - تعالى - فى الآخرة، وذلك لأنها قد أرشدت إلى أن البر أنواع ثلاثة جامعة لكل خير بر فى العقيدة، وبر فى العمل، وبر فى الخلق. أما بر العقيدة فقد بينته أكمل بيان فى قوله - تعالى - { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ }. فقد جمعت فى هذه الجملة الكريمة مالا يتم الإِيمان إلا بتحققه. وأما بر العمل فقد وضحته أبلغ توضيح فى قوله - تعالى - { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وفي ٱلرِّقَابِ }. ولا شك أن إنفاق المال فى تلك الوجوه من شأنه أن يسعد الأفراد والجماعات والأمم، ويكون مظهراً من أفضل مظاهر العمل الصالح الذى يرضى الله - تعالى -. وأما بر الخلق فقد ذكرته بأحكم عبارة فى قوله - تعالى - { وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ في ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّاءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ }. وذلك لأن التمسك بهذه الفضائل. أداء الصلاة وإيتاء الزكاة. والوفاء بالعهود، والتذرع بالصبر - يدل على صفاء الإِيمان وطهارة الوجدان وحسن الخلق وكمال الاستقامة. وهكذا تجمع آية واحدة من كتاب الله بين بر العقيدة وبر العمل وبر الخلق، وتربط بين الجميع برباط واحد لا ينفصم، ونضع على هذا كله عنواناً واحداً " البر " وتمدح من استجمع أنواعه بالصدق والتقوى. فلله هذا الاستقراء البديع، وذلك التوجيه السديد، الذى يشهد أن هذا القرآن من عند الله{ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } وبعد أن بين - سبحانه - أن البر الجامع لألوان الخير يتجلى فى الإِيمان بالله واليوم الآخر.. وفى بذل المال فى وجوه الخير، وفى المحافظة على فرائضه - سبحانه - وفى غير ذلك من أنواع الطاعات التى ذكرتها الآية السابقة بعد كل ذلك شرع - سبحانه - فى بيان بعض الأحكام العملية الجليلة التى لا يستغنى عنها الناس فى حياتهم، وبدأ هذه الأحكام بالحديث عن حفظ الدماء لماله من منزلة ذات شأن فى إصلاح العالم - فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ...لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.
ثانيا : الاية الكريمة من سورة التوبة :
بِسْمِ الـــلَّـــهِ الرَّحْـمَٰـنِ الرَّحِـيـمِ
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ
عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ
[ التوبة : 60 ]
قال الإِمام ابن كثير. لما ذكر الله - تعالى - اعتراض المنافقين
الجهلة على النبى - صلى الله عليه وسلم - ولمزهم إياه فى قسم الصدقات. بين -
سبحانه - أنه هو الذى قسمها، وبين حكمها، وتولى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمها إلى
أحد غيره فجزأها لهؤلاء المذكورين، كما رواه أبو داود فى سنته " عن
زياد بن الحارث الصدائى قال. أتيت النبى - صلى الله عليه وسلم - فبايعته. فأتى رجل
فقال. أعطنى من الصدقة فقال له. " إن الله لم يرض بحكم نبى ولا غيره. فى
الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك ". والمراد
بالصدقات هنا - عند كثير من العلماء - الزكاة المفروضة. ولفظ الصدقات. مبتدأ.
والخبر محذوف، والتقدير إنما الصدقات مصروفة للفقراء والمساكين.. إلخ. والفقراء.
جمع فقير، وهو من له أدنى شئ من المال. أو هو من لا يملك المال الذى يقوم بحاجاته
الضرورية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن. يقال فقر الرجل - من باب تعب - إذا قل ماله.
قالوا وأصل الفقير فى اللغة الشخص الذى كسر فقار ظهره، ثم استعمل فيمن قل ماله
لانكساره بسبب احتياجه إلى غيره. أو هو من الفقرة بمعنى الحفرة، ثم استعمل فيما
ذكر لكونه أدنى حالا من أكثر الناس، كما أن الحفرة أدنى من مستوى سطح الأرض
المستوية. والمساكين جمع مسكين، وهو من لا شئ له، فيحتاج إلى سؤال الناس لسد
حاجاته ومطالب حياته. وهو مأخوذ من السكون الذى هو ضد الحركة، لأن احتياجه إلى
غيره أسكنه وأذله. وقيل المسكين هو الذى له مال أو كسب ولكنه لا يكفيه، وعلى هذا
يكون قريب الشبه بالفقير. وقوله { وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } بيان للصنف الثالث
من الأصناف الذين تجب لهم الزكاة. والمراد بهم. من كلفهم الإِمام بجمع الزكاة
وتحصيلها ممن يملكون نصابها. ويدخل فيهم العريف، والحاسب، والكاتب، وحافظ المال،
وكل من كلفه الإِمام أو نائبه بعمل يتعلق بجمع الزكاة او حفظها، أو توزيعها.
وقوله. { وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } بيان للصنف الرابع. والمراد بهم الأشخاص
الذين يرى الإِمام دفع شئ من الزكاة إليهم تأليفاً لقلوبهم، واستمالة لنفوسهم نحو
الإِسلام، لكف شرهم، أو لرجاء نفعهم، وهم أنواع منهم قوم من الكفار، كصفوان بن
أمية، فقد أعطاء النبى - صلى الله عليه وسلم - من غنائم حنين، وكان صفوان يومئذ
كافراً، ثم أسلم وقال والله لقد أعطانى النبى - صلى الله عليه وسلم - وكان أبغض
الناس إلى، فما زال يعطينى. حتى أسلمت وإنه لأحب الناس إلى. ومنهم قوم كانوا حديثى
عهد بالإِسلام وكانوا من ذوى الشرف فى أقوامهم فكان النبى - صلى الله عليه وسلم -
يعطيهم، ليثبت إيمانهم، وليدخل معهم فى الإِسلام أتباعهم.
ومن أمثلة ذلك ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الأقرع بن
حابس وعيينة بن حصن، والزبرقان بن بدر، فقد أعطاهم - صلى الله عليه وسلم -
لمكانتهم فى عشيرتهم، ولشرفهم فى أقوامهم. وليدخل معهم فى الإِسلام غيرهم. ومنهم
قوم كانوا ضعاف الإيمان، فكان - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم تأليفاً لقلوبهم،
وتقوية لإِيمانهم لكى لا يسرى ضعف إيمانهم إلى غيرهم. ومن أمثلة هذا الصنف العباس
من مرداس السلمى، فقد أعطاه النبى - صلى الله عليه وسلم - تأليفاً لقلبه، وتثبيتاً
لإِيمانه. والخلاصة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يتألف قلوب بعض الناس
بالعطاء، دفعاً لشرهم، أو أملا فى نفعهم، أو رجاء هدايتهم. وقوله { وَفِي
ٱلرِّقَابِ } بيان لنوع خامس من مصارف الزكاة. وفى الكلام مجاز بالحذف، والتقدير
وتصرف الصدقات أيضا فى فك الرقاب بأن يعان المكاتبون بشئ منها علىأداء بدل الكتابة
لكن يصيروا أحراراً. أو بأن يشترى بجزء منها عدداً من العبيد لكى يعتقوا من الرق.
وذلك لأن الإِسلام يحبب أتباعه فى عتق الرقاب، وفى مساعدة الأرقاء على أن يصيروا
أحراراً. وقوله { وَٱلْغَارِمِينَ } من الغرم بمعنى الملازمة للشئ ومنه قوله.
تعالى{ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } أى
عذاب جهنم كان ملازماً لأهلها من الكافرين. والمراد بالغارمين من لزمتهم الديون فى
غير معصية لله، ولا يجدون المال الذى يدفعونه لدائنيهم، فيعطون من الزكاة ما
يعينهم على سداد ديونهم. وقوله { وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } بيان لنوع سابع من مصارف
الزكاة. والسبيل الطريق الذى فيه سهولة، وجمعه سبل. وأضيف إلى الله تعالى للإِشارة
إلى أنه هو السبيل الحق الذى لا يحوم حوله باطل، وهو الذى يوصل السائر فيه إلى
مرضاة الله ومثوبته. أى وتصرف الصدقات فى سبيل الله، يدفع جزء منها لمساعدة
المجاهدين والغزاة والفقراء الذين خرجوا لإِعلاء كلمة الله. قال بعض العلماء ما
ملخصه قال أبو حنيفة ومالك والشافعى. يصرف سهم سبيل الله المذكور فى الآية الكريمة
إلى الغزاة.. لأن المفهوم فى الاستعمال المتبادر إلى الأفهام أن سبيل الله هو
الغزو، وأكثر ما جاء فى القرآن الكريم كذلك. وقال الإِمام أحمد يجوز صرف سبيل الله
إلى مريد الحج. وقال بعضهم يجوز صرف سبيل الله إلى طلبة العلم. وفسره بعضهم بجميع
القربات. فيدخل فيه جميع وجوه الخير، مثل تكفين الموتى، وبناء القناطر، والحصون،
وعمارة المساجد { وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } عام فى الكل.. وقوله { وَٱبْنِ
ٱلسَّبِيلِ } بيان للصنف الثامن والأخير من الأصناف الذين هم مصارف الزكاة.
والمراد بابن السبيل المسافر المنقطع عن ماله فى سفره. ولو كان غنياً فى بلده،
فيعطى من الزكاة ما يساعده على بلوغ موطنه.
وقد اشترط العلماء لابن السبيل الذى يعطى من الصدقة، أن يكون سفره فى
غير معصية الله. فإن كان فى معصية لم يعط لأن إعطاءه يعتبر إعانة له على المعصية،
وهذا لا يجوز. وقد ألحقوا بابن السبيل، كل من غاب من ماله، ولو كان فى بلده.
وقوله. فريضة من الله، منصوب بفعل مقدر أى فرض الله لهم هذه الصدقات فريضة، فلا
يصح لكم أن تبخلوا بها عنهم، أو تتكاسلوا فى إعطائها لمستحقيها. فالجملة الكريمة
زجر للمخاطبين عن مخالفة أحكامه. سبحانه. وقوله { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } تذييل
قصد به بيان الحكمة من فرضية الزكاة. أى والله - تعالى - عليم بأحوال عباده، ولا
تخفى عليه خافية من تصرفاتهم، حكيم فى كل أوامره ونواهيه، فعليكم. أيها المؤمنون.
أن تأتمروا بأوامره، وأن تنتهوا عن نواهيه لتنالوا رضاه. هذا، من الأحكام والآداب
التى أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى 1- أن المراد بالصدقات هنا ما يتناول
الزكاة المفروضة وغيرها من الصدقات المندوبة، وذلك لأن اللفظ عام فيشمل كل صدقة
سواء أكانت واجبة أم مندوبة، ولأن لفظ الصدقة فى عرف الشرع وفى صدر الإِسلام، كان
يشمل الزكاة المفروضة، والصدقة المندوبة، ويؤيده قوله - تعالى -{ خُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } ومن
العلماء من يرى أن المراد بالصدقات فى الآية الزكاة المفروضة، لأن أل فى الصدقات
للعهد الذكرى والمعهود هو الصدقات الواجبة التى أشار إليها القرآن. بقوله قبيل هذه
الآية.{ وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } ولأن
الصدقات المندوبة يجوز صرفها فى غير الأصناف الثمانية كبناء المساجد والمدارس.
ويبدو لنا أن لفظ الصدقات فى الآية عام بحيث يتناول كل صدقة، إلا أن الزكاة
المفروضة تدخل فيه دخولا أوليا. 2- قال بعض العلماء ظاهر الآية يقضى بالقسمة بين
الثمانية الأصناف، ويؤيد هذا وجهان. الأول. ما يقتضيه اللفظ اللغوى، إن قلنا.
الواو للجمع والتشريك. والثانى ما رواه أبو داود فى سنته من قوله - صلى الله عليه
وسلم
- " إن الله لم يرض بحكم نبى ولا غيره فى الصدقات، حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية
أجزاء
". وقد ذهب إلى هذا الشافعى وعكرمة والزهرى، إلا إن استغنى أحدهما فتدفع
إلى الآخرين بلا خلاف. وذهبت طوائف إلى جواز الصرف فى صنف واحد. منهم عمر وابن
عباس وعطاء وابن جبير ومالك وأبو حنيفة. قال فى التهذيب وخرجوا عن الظاهر فى دلالة
الآية المذكورة والخبر بوجوه الأول أن الله - تعالى - قال فى سورة البقرة{ وَإِن
تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } فدل
على أن ذكر العدد هنا لبيان جنس من يستحقها. الثانى الخبر، وهو قوله - صلى الله
عليه وسلم - لمعاذ "
أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة فى أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد فى
فقرائهم
".
الثالث حديث سلمة بن صخر. فإنه - صلى الله عليه وسلم - جعل له صدقة
بنى زريق. الرابع أنه لم يظهر فى ذلك خلاف من جهة الصحابة فجرى كالمجمع عليه. 3-
يرى جمهور العلماء أن الفقراء والمساكين صنفان من مصارف الزكاة لأن الله. - تعالى
- قد ذكر كل صنف منهما على حدة، إلا أنهم اختلفوا فى أيهما أسوأ حالا من الآخر.
فالشافعية يرون أن الفقير أسوأ حالا من المسكين. ومن أدلتهم على ذلك، أن الله.
تعالى. بدأت فى الآية بالفقراء، وهذا البدء، يشير إلى أنهم أشد حاجة من غيرهم، لأن
الظاهر تقديم الأهم على المهم. ولأن لفظ الفقير أصله فى اللغة المفقور الذى نزعت
فقرة من فقار ظهره فلا يستطيع التكسب، ومعلوم أنه لا حال فى الاقلال والبؤس آكد من
هذه الحال. ولأن الله. تعالى. وصف بالمسكنة من كانت له سفينة من سفن البحر فقال{ أَمَّا
ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ } أما
الأحناف والمالكية فيرون أن المسكين أسوأ حالا من الفقير. ومن أدلتهم على ذلك أن
علماء اللغة عرفوا المسكين بأنه أسوأ حالا من الفقير، وإلى هذا ذهب يعقوب بن
السكيت، والقتبى، ويونس بن حبيب. ولأن الله - تعالى - وصف المسكين وصفاً يدل على
البؤس والفاقة فقال{ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } أى
مسكيناً ذا حاجة شديدة، حتى لكأنه قد لصق بالتراب من شدة الفاقة، ولم يصف الفقير
بذلك.. قال بعض العلماء وأنت إذا تأملت أدلة الطرفين وجدت أنها متعارضة ومحل نظر،
وأياما كان فقد اتفق الرأيان على أن الفقراء والمساكين صنفان. وروى عن أبى يوسف
ومحمد أنهما صنف واحد واختاره الجبائى، ويكون العطف بينهما لاختلاف المفهوم.
وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أوصى لفلان وللفقراء والمساكين فمن قال إنهما صنف
واحد جعل لفلان نصف الموصى به، ومن قال إنهما صنفان جعل له الثلث من ذلك. 4- ظاهر
الآية يدل على أن الزكاة يجوز دفعها لكل من يشمله اسم الفقير والمسكين، إلا أن هذا
الظاهر غير مراد لأن الأحاديث الصحيحة قد قيدت هذا الإِطلاق. قال القرطبى اعلم أن
قوله - تعالى - { لِلْفُقَرَآءِ } مطلق ليس فيه شرط وتقييد، بل فيه دلالة على جواز
الصرف إلى جملة الفقراء، سواء أكانوا من بنى هاشم أو من غيرهم، إلا أن السنة وردت
باعتبار شروط، منها ألا يكونوا من بنى هاشم، وألا يكونوا ممن تلزم المتصدق نفقته،
وهذا لا خلاف فيه. وشرط ثالث ألا يكن قوياً على الاكتساب لأنه - سبحانه - قال " لا
تحل الصدقة لغنى، ولا لذى مرة سوى ". ولا خلاف بين
علماء المسلمين فى أن الصدقة المفروضة لا تحل للنبى - صلى الله عليه وسلم - ولا
لبنى هاشم ولا لمواليهم.
. وكذلك لا يصح أن تعطى لغير المسلمين، ففى الصحيحين عن ابن عباس - رضى
الله عنهما
- " أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن "
أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم " فاقتضى
ذلك أن الصدقة مقصورة على فقراء المسلمين. إلا أنه نقل عن أبى حنيفة جواز دفع صدقة
الفطر إلى الذمى. 5- أخذ بعض العلماء من قوله - تعالى { وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
} أنه يجب على الإِمام أن يرسل من يراه أهلا لجمع الزكاة ممن تجب عليهم. وقد تأكد
هذا الوجوب بفعل النبى - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت فى أحاديث متعددة أنه أرسل
بعض الصحابة لجمع الزكاة. روى البخارى عن أبى حميد الساعدى قال استعمل رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - رجلا على صدقات بنى سليم يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه.
6- أخذ بعض العلماء - أيضاً - من قوله - تعالى - { وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ }
أن حكمهم باق، لأنهم قد ذكروا من بين مصارف الزكاة، ولأن الرسول - صلى الله عليه
وسلم - قد أعطاهم، فيعطون عند الحاجة. قال الإِمام القرطبى ما ملخصه واختلف
العلماء فى بقاء المؤلفة قلوبهم. فقال عمر والحسن والشعبى وغيرهم انقطع هذا الصنف
بعز الإِسلام وظهوره. وهذا مشهور من مذهب مالك وأصحاب الرأى. قال بعض علماء
الحنفية. لما أعز الله الإِسلام وأهله، أجمع الصحابة فى خلافة أبى بكر على سقوط
سهمهم. وقال جماعة من العلماء هم باقون لأن الإِمام ربما احتاج أن يستألف على
الإِسلام وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين. وقال ابن العربى. الذى عندى أنه
إن قوى الإِسلام زالوا، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم كما كان رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - يعطيهم، فإن فى الصحيح " بدأ الإِسلام
غريباً وسيعود كما بدأ ". والذى يبدو لنا
أن ما قاله ابن العربى أقرب الأقوال إلى الصواب لأن مسألة إعطاء المؤلفة قلوبهم
تختلف باختلاف الأحوال فإن كان الإِمام يرى أن من مصلحة الإِسلام إعطاءهم، أعطاهم،
وإن كانت المصحلة فى غير ذلك لم يعطهم. 7- دلت الآية الكريمة على أن الزكاة ركن من
أركان الاسلام، لقوله تعالى { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ }. قال بعض العلماء ما
ملخصه، تلك هى فريضة الزكاة. ليست أمر الرسول وإنما هى أمر الله وفريضته وقسمته
وما الرسول فيها إلا منفذ للفريضة المقسومة من رب العالمين. وهذه الزكاة تؤخذ من
الأغنياء على أنها فريضة من الله، وترد على الفقراء على أنها فريضة من الله، وهى
محصورة فى طوائف من الناس عينهم القرآن وليست متروكة لاختيار أحد حتى ولا اختيار
الرسول نفسه.
وبذلك تأخذ الزكاة مكانها فى شريعة، ومكانها فى النظام الإِسلامي، لا
تطوعاً ولا تفضلا ممن فرضت عليهم، فهى فريضة محتمة، ولا منحة ولا جزافا من القاسم
الموزع فهى فريضة معلومة. إنها إحدى فرائض الإِسلام تجمعها الدولة المسلمة بنظام
معين لتؤدى بها خدمة اجتماعية محددة. وهى. ليست إحساناً من المعطى، وليست شحاذة من
الآخذ، كلا فما قام النظام الاجتماعى فى الإِسلام على التسول ولن يقوم. إن قوم
الحياة فى النظام الإِسلامى هو العمل - بكل صنوفه وألوانه - على الدولة المسلمة أن
توفر العمل لكل قادر عليه. والزكاة ضريبة تكافل اجتماعى بين القادرين والعاجزين،
تنظمها الدولة وتتولاها فى الجمع والتوزيع، متى قام المجمع على أساس الإِسلام
الصحيح، منفذاً شريعة الله لا يبتغى له شرعاً ولا منهجاً سواه. إن فريضة الزكاة
تؤدى فى صورة عبادة إسلامية، ليطهر الله بها القلوب من الشح، وليجعلها شرعة تراحم
وتضامن بين أفراد الأمة المسلمة. إنها فريضة من الله، الذى يعلم ما يصلح لهذه
البشرية، ويدير أمرها بالحكمة { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }. وبعد هذا الحديث عن
الصدقات التى كان المنافقون يلمزون الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها، أخذت
السورة فى مواصلة حديثها عن رذائل المنافقين، وعن سوء أدبهم.. فقال تعالى - {
وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ... }.