النبي صالح عليه السلام ومعجزة الناقة وقوم ثمود - محمود شلبي
( قصة نبي الله صالح عليه السلام وقوم ثمود ومعجزة الناقة )
مقدمة :
ان قوم ثمود كانوا قوما كافرين ، وليس ذلك فحسب بل كانوا ايضا قوم سوء جاحدين ظالمين وكانوا ايضا مجرمين وسفاحين وقتلة وخبثاء ماكرين ويستحقوا العقاب الذي انزله الله تبارك وتعالى بهم! فعلى الرغم من كفرهم فان الله العظيم الكريم واكرم الاكرمين تبارك وتعالى قد اكرمهم بناقة معجزة تعطي وتدر من اللبن ما يكفي قوم ثمود جميعهم (حيث جاء في العديد من المراجع بان هذه الناقة لم تكن ناقة عادية كباقي النوق فقد كانت تعطي كميات ضخمة من الحليب تكفي جميع قوم ثمود..) ، ولم تكن هذه الناقة عادية وانما كانت معجزة خارقة اخرجها الله عز وجل لقوم ثمود من صخور الجبل فكانت ناقة حية تمشي بينهم وتأكل العشب وتدر اللبن (كما طلبوا بل واكثر ) لتكون دليلا على صدق رسوله صالح عليه السلام .
اي ان الاعجاز في هذه الناقة العظيمة كان يتمثل في امرين
اولا : ان هذه الناقة لم تولد بالشكل المعروف كباقي النوق اوالجمال، وانما اخرجها الله عز وجل لقوم ثمود من صخور الجبل، فكانت بذلك معجزة عظيمة خارقة لم يسبق لها مثيل.
ثانيا: ان هذه الناقة كانت تدر كميات ضخمة من اللبن تكفي جميع قوم ثمود ( اي ان لبن هذه الناقة كان يكفي الالوف من الناس) ، وهذا يعتبر معجزة خارقة اخرى في هذه الناقة حيث انه لا يوجد على وجه الارض ناقة تنتج لبنا او حليبا يكفي الالوف من الناس ،
ولهذا فان هذه الناقة تعتبر معجزتين اثنتين معا (وليس معجزة واحدة فقط) كما انها كانت كرما وفضلا عظيما من الله عز وجل اكرم به الله قوم ثمود على الرغم من كفرهم . ولكن وعلى الرغم من كل ذلك فان قوم ثمود قابلوا هذه المعجزة العظيمة الخارقة بالتكذيب والانكار بدلا من ان يؤمنوا بالله عز وجل ، وقابلوا هذا الفضل والكرم العظيم من الله عز وجل بالجحود ونكران الجميل بدلا من ان يشكروه على كرمه وفضله العظيم، فقاموا (بكل وقاحة وقذارة وغطرسة) بذبح هذه الناقة المعجزة العظيمة بل وقاموا بالتأمر على قتل النبي صالح عليه السلام وجميع اهله فاهلكهم الله عز وجل جميعا وانجى نبيه والمؤمنين (ان الله عزيز ذو انتقام ) (ابراهيم:47)
هذه الايات الكريمة تحدثت عن قصة قوم ثمود ونبي الله صالح
عليه السلام
وقصة نبي الله صالح عليه
السلام وقوم ثمود تتضمن حقيقة هامة وخطيرة وتنبه المسلمين
الى منكر عظيم يتسبب في نزول عقاب الله بالجميع وان الله
شديد العقاب تبارك وتعالى ، وهذا المنكر هو السكوت على اهل
الباطل والسكوت على الظالمين والسكوت على من يرتكبون الظلم والمعاصي
والتدبر في هذه الايات
الكريمة وقصة قوم ثمود يقودنا الى ثلاثة اسئلة هامة
السوأل الاول :
كم شخصا من قوم ثمود قام
بذبح الناقة ؟
والاجابة : رجل واحد فقط
قال تعالى ( فنادوا صاحبهم
فتعاطي فعقر )
السؤال الثاني :
كم شخصا شارك في التخطيط
والتحريض
والاجابة : 9 اشخاص
قال تعالى ( وكان في
المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون )
السؤال الثالث :
ماذا كان موقف الاخرين
من قوم ثمود ؟
الاجابة :
سكتوا ورضوا بما فعل هؤلاء السفهاء
السؤال الرابع :
على من انزل الله العقاب
على هذا الفعل وتلك الجريمة ؟
الاجابة : اهلكهم الله جميعا وعاقب قوم ثمود جميعا باستثناء قلة قليلة جدا وهم الذين صدقوا النبي صالح واتبعوه وامنوا بالله عز وجل وهؤلاء انجاهم الله عز وجل مع النبي صالح واهله
قال تعالى ( فأخذتهم الرجفة
فاصبحوا في دارهم جاثمين )
( عقرها واحد فقط ورضي البقية وسكتوا عليه وصفقوا له فكانوا شركاء للقاتل في جريمته اما بتحريضه على الاجرام او بمساعدته او بالتصفيق له او بالرضا بما فعله المجرم او بالسكوت والتزام الصمت على الجريمة الشنيعة التي تمت امام اعينهم ولهذا كانوا جميعهم شركاء للقاتل المجرم في جريمته ولهذا اهلكهم الله عز وجل جميعهم )
وهذا يعني بان
القاتل – والمحرض –
والمخطط - والشامت - والراضي – والساكت
كلهم وجميعهم اخذهم
العذاب وحل بهم العقاب لانهم جميعهم كانوا شركاء في
الجريمة
فاياكم ان توافقوا اهل الباطل على باطلهم واياكم ان تسكتوا للظالمين على ظلمهم
وان لم تستطيعوا قول الحق فلا تقولوا الباطل او تصفقوا له
( اللهم ارنا الحق حقا
وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه )
حقيقة هامة لا بد من التذكير بها بخصوص قوم ثمود !
ان الاغلبية الساحقة من قوم ثمود كانوا كفارا رفضوا الايمان بالله عز وجل ورفضوا ترك عبادة الاصنام باستثناء القلة القليلة ممن امنوا، ولم يكن اصرار قوم ثمود على الاشراك وعبادة الاصنام بسبب الجهل بل هم كانوا يعلمون (في قرارة انفسهم) بان الله عز وجل هو الاله الوحيد للكون ولا شريك له وكانوا يعلمون بان جميع الاصنام التي يعبدونها هي حجارة لا تضر ولاتنفع وليست الهة وجميعهم كانوا يعلمون بان عبادتهم للاصنام هي هراء وباطل وضلال وتضليل وخاصة بعد ان ارسل الله عز وجل لهم هذه المعجزة الخارقة علي يد النبي صالح عليه السلام وبعد ان رأوا هذه العجزة باعينهم حيث كانت هذه الناقة تسير بينهم وتأكل العشب امامهم بل وكانت تشاركهم في الماء ، ولكنهم رغم كل ذلك رفضوا الايمان بالله تبارك وتعالى واصروا على عبادة الاصنام بدافع الاستكبار والاستعلاء والكبر والمكابرة، فهم كانوا يعتبرون انفسهم افضل من نبي الله صالح عليه السلام فقد كان زعماؤهم واثرياءهم يعتقدون بانهم احق بالنبوة والرسالة من النبي صالح عليه السلام لانهم اكثر مالا وثراءا وولدا وجاها كما يتضح عند قراءة الاية الكريمة ( أألقي عليه الذكر من بيننا بل هو كذاب أشر (25) )، ومن ناحية اخرى فان اصرارهم على عبادة الاصنام كان بدافع مكاسب مالية للطواغيت والاثرياء وكهنة الاصنام فهم لا يريدون دين الله الحق وشريعته السماوية التى تحرم الظلم وسفك الدماء وتنصف المظلوم وتحرم استعباد الناس وقتلهم وتحرم سرقة ونهب اموال الناس واكلها بالباطل وتعطي كل ذي حق حقه، انهم يريدون عبادة الاصنام لان ذلك يتيح لهم ان يحكموا الناس ويستعبدونهم بشرائع وقوانين يضعوها بانفسهم ويقوم الاثرياء وكهنة الاصنام بوضعها وتسمح لهم هذه القوانين بالسلب والنهب والظلم والقتل دونما اي اعتراض.
وقوم ثمود لم يكونوا فقط كفارا وانما كانوا طواغيت وظالمين ومجرمين وقتلة ولصوص وقاطعي طريق يسلبون اموال الناس والقوافل الذين يمرون من جوراهم وكانوا يتصفون بالعنجهية والعناد على الكفر والباطل، وتروي المراجع بانه عندما دعاهم صالح عليه السلام الي عبادة الله عز وجل طلبوا منه ان ياتيهم بمعجزة تثبت لهم بانه نبي ورسول من عند الله عز وجل وطلبوا منه ان يخرج لهم من صخور الجبل ناقة تسير بينهم وتأكل العشب وتشرب الماء ويحصلوا منها على اللبن بكميات كبيرة، ووعدوا صالح عليه السلام بانهم اذا جاءهم بهذه المعجزة فانهم سيؤمنوا بالله عز وجل وكانوا يظنون بان صالح عليه السلام لن يستطيع ان ياتيهم بهذه المعجزة العظيمة التي لا يستطيع احد من البشر ان ياتي بها ، فدعا صالح الله عز وجل ان يخرج لثمود ناقة من صخر الجبل كما طلبوا، فاستجاب الله لدعائه واخرج لهم ناقة من صخر الجبل تأكل العشب وتشرب الماء وتسير بينهم ويشربون منها اللبن، ولما تحققت هذه المعجزة العظيمة التي طلبوها امام اعينهم وامام اعين جميع الناس تأمر الطواغيت والاثرياء من قوم ثمود على قتل الناقة فارسلوا احد المجرمين السفاحين فتعاطى الخمر ثم قام بذبح الناقة، وقد تأمر الطواغيت على ذبح الناقة كان لهدف واضح وذلك لانهاء هذه المعجزة العظيمة وللقضاء على هذا الدليل الحي العظيم الذي يثبت صدق النبي صالح ولم يكتفوا بذلك بل وتأمروا على قتل النبي صالح نفسه وقتل اهله.
خلاصة الكلام ان جميع قوم ثمود الذين اهلكهم الله عز وجل كانوا كفار وطواغيت وفاسدين وظالمين ومجرمين سفاحين وقتله ولصوص وقطاع طريق ويستحقون الهلاك ، ولم يكن في قوم ثمود اناس صالحين وأخيار سوى قلة قليلة جدا وهم فقط الذين امنوا بما جاء به صالح عليه السلام واتبعوه وجميع هؤلاء المؤمنين والاتقياء انجاهم الله من الهلاك والعذاب وتبارك الله الرحمن الرحيم
ولهذا السبب اهلك الله عز وجل جميع قوم ثمود باستثناء المؤمنين الذين صدقوا واتبعوا نبي الله صالح عليه السلام
( وما ربك بظلام للعبيد) صدق الله العظيم
ناقة الله تبارك وتعالى :
ناقة الله (عز وجل) المذكورة في هذه الايات الكريمة والعديد من سور
القران الكريم هي المعجزة التي ايد بها
الله عز وجل نبيه صالح عليه السلام ليثبت لقومه بانه نبي الله عز وجل وفيما يلي كامل التفاصيل عن ناقة الله المعجزة
التعريف بناقة الله عز وجل :
ناقة الله هي الناقة التي طلبها قوم ثمود من نبيهم صالح -عليه السلام- ليصدقوه بما أتاهم به من النبوة، وأنه مرسلٌ من الله سبحانه وتعالى، حيث طلبوا منه آيةً كدليلٍ على صدقه وقد حدد قوم صالح نوع المعجزة بأنفسهم وصفتها، فقد طلبوا من نبيهم صالح -عليه السلام- أن يُخرج لهم من الجبل أو من الصخر ناقةً لونها أحمر عشراء، ثم تضع حملها وهم ينظرون إليها، كما أنها ترد الماء الذي كانوا يردون منه فتشرب منه وتغدو عليه وتروح، ثم تأتيهم بلبنٍ مثل ما شربت من الماء، فما كان من صالح -عليه السلام- إلا أن دعا الله ليرزقه تلك المعجزة حتى يُصدقه قومه ويؤمنوا به وبرسالته، ولما جاء أمر الله طلب سيدنا صالح من قومه أن يخرجوا إلى هضبة أو جهةٍ معينةٍ من الأرض ففعلوا كما طلب منهم، فإذا بتلك الهضبة تتمخض تماماً كما تتمخض الحامل، ثم انفرجت بأمر الله فخرجت الناقة من وسطها، فقال لهم نبي الله صالح -عليه السلام - إن هذه هي الناقة التي طلبتموها كآية فاتركوها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء، قال تعالى: (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ، وقد كانت تلك الناقة مُعجزةً بجميع تفاصيلها؛ نشأتها، وطبيعتها ومشربها، ولبنها، فقد كانت تشرب يوماً من ماء قوم ثمود وتترك لهم شرب يوم، وكانت في يوم شربها من الماء تُعطيهم لبناً يكفيهم، حتى عقروها فعذبهم الله لفعلتهم تلك.
قصة نبي الله صالح عليه السلام مع قومه :
لعلَّ أهم ما يبرز في قصة سيدنا صالح - عليه السلام - مع قومه ثمود ما يتعلَّق بناقة الله - ناقة صالح - وقد جاء ذكر وبيان قصة نبي الله صالح مع قومه ثمود في العديد من سور القرآن الكريم، منها: سورة الأعراف، وهود، والحِجر، والشعراء، وفصّلت، وغيرها الكثير من سور القرآن الكريم بغض النظر إن كان على سبيل الإشارة فقط أو السرد والتفصيل، أما عن قصة صالح مع قومه كما جاء بيانها من عند الله سبحانه وتعالى وبناءً على ما ورد فيها من الآيات الكريمة أن الله - سبحانه وتعالى - أرسل نبيه صالحاً عليه السلام إلى قوم ثمود ليدعوهم إلى الإيمان بالله وحده وترك ما كانوا يعبدون من دون الله، وثمود قبيلةٌ عربية، وإليها ينتمي نبي الله صالحٌ - عليه السلام -، وكانت منطقة الحِجْر موطن هذه القبيلة، وهي تلك المنطقة الواقعة بين الحدود الشمالية من المملكة العربية السعودية وشرق المملكة الأردنية الهاشمية، وقد سخّر الله لقبيلة ثمود النعم السابغة من مظاهر الحضارة والعمران، إلا أنهم مع كلِّ ما آتاهم الله من نعمٍ جحدوا بذلك وكفروا بنعم الله عليهم، وأنكروا وحدانية الله، حيث إنّ صالحاً لما أُرسل إليهم طلبوا منه أن يأتيهم بآيةٍ معجزة تثبت لهم صدقه وأنه رسولٌ أرسله الله إليهم، فلبّى صالح لهم ذلك الطلب بأمر الله وإرادته، وأمرهم ألّا يمسّوا الناقة بسوءٍ، ويتركوها تأكل من أرض الله وتشرب بأمر الله، فعصوا أمر صالح ولم يمتثلوا له، فكانت عاقبتهم أن عذَّبهم الله على عصيانهم لأمر نبيه وكفرهم بنعم الله، ونجّى صالحاً والذين آمنوا معه.
موطن ناقة صالح ( مدائن صالح ) :
خرجت ناقة صالح - عليه السلام - من
مكان إقامة قوم ثمود المعروف بدار الحِجر، والتي تشتهر بمدائن صالح، أما موقع
مدائن صالح تحديدًا فكما مرَّ في الفقرة السابقة أنها في الشمال الغربي من المملكة
العربية السعودية على مشارف الحدود الأردنية، بين المدينة المنورة ومدينة تبوك،
على بعد ما يقارب 22 كيلومتراً إلى الجهة الشمالية من محافظة العلا، وقد ورد ذكر
تلك المنطقة "الحجر" في كتاب الله على أنها موطن قوم ثمود، وهي المكان
الذي ظهرت فيه ناقة صالح التي أرسلها الله لهم آيةً، فعقروها فأهلكهم بعد ذلك
بالصّيحة، وتضم مدائن صالح مجموعة كبيرةً من الآثار الإسلامية الخالدة، كما تضم
الكثير من المعالم التاريخية قبل الإسلام وقبل الميلاد، ومن المعالم المشتهرة في
مدائن صالح بعض القلاع الإسلامية، وبعض بقايا السكك الحديدية المتبقية من سكة
الحجاز، والتي تمتد إلى ما يقارب 13 كيلومتراً، وكذلك المحطة والقاطرات.
العبر المستفادة من قصة صالح عليه
السلام مع قومه :
تحوي قصة نبي الله صالح -عليه السلام- العديد من
الفوائد، والعبر، والفوائد التي نستمدّها من كتاب الله كما قصَّها عنهم، ومن تلك
الفوائد والعبر ما يلي:
1) إخلاص سيدنا صالح - عليه السلام - مع قومه في
دعوتهم إلى الحق بتوحيد الله عز وجل، مستخدماً معهم أسلوب الترغيب والترهيب. وبرغم
تكذيب قومه وإنكارهم للحق إلا أنه لم ييأس أو يملَ من الدعوة حتى بلَّغ رسالة ربه
على الوجه الذي يرتضيه ويشعر فيه بكمال دعوته.
2) أنّ العاقل من يعتبر بآثار
الكافرين، الذين ظلموا أنفسهم حتى استحقوا العذاب، كما أن العاقل يربأ بنفسه عن أن
يسلك درب من ظلموا أنفسهم؛ فالسعيد من وُعظ بغيره.
3) الإيمان المطلق بالله سبحانه
وتعالى إذا خالط قلوب المؤمنين واستقر في نفوسهم، ولَّد لديهم الشجاعة، والقوة،
والصراحة، والجرأة في وجه الباطل، والإقدام على نصرة الحق. 4) ينبغي على العاقل
الفطن أن يستعمل الأساليب المنطقية الحكيمة في دعوته لغيره، وهو ما يتَّضح جلياً
في الحوار الدائر بين سيدنا صالح عليه السلام وقومه، فقد سلك صالح في دعوته لقومه
أكثر الأساليب حكمة ومنطقيّة.
5) إذا لم يُحسن العبد استغلال النّعم
التي رزقه الله إياها وكفر بالله المنعم، انقلبت تلك النّعم نِقماً، وزالت عن
صاحبها.
الايات الكريمة :
Traslations : [By Dr. Mohsin Khan ]
First Verses :
[ Holy Quran – Chapter : 11 - Surat : Hood ( The Prophet Hood ) - Verses : 61 - 68 ]
In the name of Allah the Almighty God , the Most Beneficent , the Most Merciful .
And to Thamûd (people, We sent) their brother Sâlih. He said: "O my people! Worship Allâh, you have no other ilâh (god) but Him. He brought you forth from the earth and settled you therein, then ask forgiveness of Him and turn to Him in repentance. Certainly, my Lord is Near (to all by His Knowledge), Responsive." (61) They said: "O Sâlih! You have been among us as a figure of good hope (and we wished for you to be our chief), till this [new thing which you have brought; that we leave our gods and worship your God (Allâh) Alone]! Do you (now) forbid us the worship of what our fathers have worshipped? But we are really in grave doubt as to that which you invite us (monotheism)." (62)He said: "O my people! Tell me, if I have a clear proof from my Lord, and there has come to me a Mercy (Prophethood) from Him, who then can help me against Allâh, if I were to disobey Him? Then you increase me not but in loss. (63) "And O my people! This she-camel of Allâh is a sign to you, leave her to feed (graze) in Allâh's land, and touch her not with evil, lest a near torment should seize you." (64) But they killed her. So he said: "Enjoy yourselves in your homes for three days. This is a promise (i.e. a threat) that will not be belied." (65) So when Our Commandment came, We saved Sâlih and those who believed with him by a Mercy from Us, and from the disgrace of that Day. Verily, your Lord, He is the All-Strong, the All-Mighty (66) And As-Saîhah (torment - awful cry) overtook the wrong-doers, so they lay (dead), prostrate in their homes, (67) As if they had never lived there. No doubt! Verily, Thamûd disbelieved in their Lord. So away with Thamûd! (68)
Second Verses :
[ Holy Quran – Chapter : 27 - Surat : An-Naml ( The Ants ) - Verses : 45 - 53 ]
In the name of Allah the Almighty God , the Most Beneficent , the Most Merciful .
And indeed We sent to Thamûd their brother Sâlih, saying: "Worship Allâh (Alone and none else). Then look! They became two parties (believers and disbelievers) quarreling with each other." (45) He said: "O my people! Why do you seek to hasten the evil (torment) before the good (Allâh's Mercy)? Why seek you not the Forgiveness of Allâh, that you may receive mercy?" (46) They said: "We augur ill omen from you and those with you." He said: "Your ill omen is with Allâh; nay, but you are a people that are being tested." (47) And there were in the city nine men (from the sons of their chiefs), who made mischief in the land, and would not reform. (48) They said: "Swear one to another by Allâh that we shall make a secret night attack on him and his household, and thereafter we will surely say to his near relatives: 'We witnessed not the destruction of his household, and verily, we are telling the truth.'" (49) So they plotted a plot, and We plotted a plot, while they perceived not. (50) Then see how was the end of their plot! Verily! We destroyed them and their nation, all together. (51) These are their houses in utter ruin, for they did wrong. Verily, in this is indeed an Ayâh (a lesson or a sign) for people who know. (52) And We saved those who believed, and used to fear Allâh, and keep their duty to Him. (53)
Third Verses :
[ Holy Quran – Chapter : 54 - Surat : Al-Qamar ( The Moon ) – Verses : 23 - 32 ]
In the name of Allah the Almighty God , the Most Beneficent , the Most Merciful .
Thamûd (people also) belied the warnings. (23)
And they said: "A man, alone among us — shall we follow him?
Truly, then we should be in error and distress or madness!" (24)
"Is it that the Reminder is sent to him [Prophet Sâlih A.S.]
alone from among us? Nay, he is an insolent liar!" (25)
Tomorrow they will come to know, who is the liar, the insolent one!
(26)
Verily, We are sending the she-camel as a test for them. So watch
them [O Sâlih (Saleh) A.S.], and be patient! (27)
And inform them that the water is to be shared between (her and)
them. each one's right to drink being established (by turns). (28)
But they called their comrade and he took (a sword) and killed
(her). (29)
Then, how (terrible) was My Torment and My Warnings? (30)
Verily, We sent against them a single Saîhah (torment - awful cry),
and they became like the stubble of a fold-builder. (31)
And indeed, We have made the Qur'ân easy to understand and remember, then is there any that will remember (or receive admonition)? (32)
Fourth Verses
[ Holy Quran – chapter ( 91 ) – Surat : Ash-Shams ( The Sun ) – Verses : 11-
15 . ]
In the name of Allah the Almighty God , the Most Beneficent , the Most Merciful .
Thamûd (people) denied (their Prophet) through their transgression (by rejecting the true Faith of Islâmic Monotheism, and by following polytheism, and by committing every kind of sin). (11)
When
the most wickedman among them went forth (to kill the she-camel). (12)
But the Messenger of Allâh [Sâlih (Saleh) A.S.] said to them: "Be cautious! (Fear the evil end). That is the she-camel of Allâh! (Do not harm it) and bar it not from having its drink!" (13)
Then they denied him and they killed it. So their Lord destroyed them because of their sin, and made them equal in destruction (i.e. all grades of people, rich and poor, strong and weak)! (14)
And
He (Allâh) feared not the consequences thereof. (15)
تفسير الايات الكريمة [ تفسير الوسيط في تفسير القران الكريم / طنطاوي ] :
التفسير :
ثم تتوبوا إليه توبة صادقة تجعلكم تندمون على ما كان منكم فى الماضى من شرك وكفر، وتعزمون على التمسك بكل ما يرضى الله - تعالى - فى المستقبل. ثم فتح أمامهم باب الأمل فى رحمة الله - تعالى - فقال { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } أى إن ربى قريب الرحمة من المحسنين، مجيب دعاء الداعين المخلصين، فاقبلوا على عبادته وطاعته، ولا تقنطوا من رحمة الله. ثم حكى القرآن ما رد به قوم صالح عليه فقال { قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا.. }. أى قال قوم صالح له بعد أن دعاهم لما يسعدهم يا صالح لقد كنت فينا رجلا فاضلا نرجوك لمهمات الأمور فينا لعلمك وعقلك وصدقك.. قبل أن تقول ما قلته، أما الآن وبعد أن جئتنا بهذا الدين الجديد فقد خاب رجاؤنا فيك، وصرت فى رأينا رجلا مختل التفكير. فالإِشارة فى قوله { قَبْلَ هَـٰذَا } إلى الكلام الذى خاطبهم به حين بعثه الله إليهم. والاستفهام فى قولهم { أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } للتعجيب والإِنكار. أى أجئتنا بدعوتك الجديدة لتنهانا عن عبادة الآلهة التى كان يعبدها آباؤنا من قبلنا؟ لا، إننا لن نستجيب لك، وإنما نحن قد وجدنا آباءنا على دين وإننا على آثارهم نسير. ثم ختموا ردهم عليه بقولهم { وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ }. ومريب اسم فاعل من أراب. تقول أربت فلانا فأنا أريبه، إذا فعلت به فعلا يوجب لديه الريبة أى القلق والاضطراب. أى لن نترك عبادة الأصنام التى كان يعبدها آباؤنا، وإننا لفى شك كبير، وريب عظيم من صحة ما تدعونا إليه. فانظر كيف قابل هؤلاء السفهاء الدعوة إلى الحق بالتصميم على الباطل، ولكن صالحا - عليه السلام - لم ييأس بل يرد عليهم بأسلوب حكيم فيقول { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ }. أى قال صالح - عليه السلام - لقومه يا قوم أخبرونى إن كنت على حجة واضحة من ربى ومالك أمرى. { وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً } أى وأعطانى من عنده لا من عند غيره رحمة عظيمة حيث اختارنى لحمل رسالته. وتبليغ دعوته. وجملة { فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ } جواب الشرط وهو قوله { إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً }. أى إذا كان الله - تعالى - قد منحنى كل هذه النعم، وأمرنى بأن أبلغكم دعوته فمن ذا الذى يجيرنى ويعصمنى من غضبه، إذا أنا خالفت أمره أو قصرت فى تبليغ دعوته، احتفاظا برجائكم فى، ومسايرة لكم فى باطلكم؟ لا، إننى سأستمر فى تبليغ ما أرسلت به إليكم، ولن يمنعنى عن ذلك ترغيبكم أو ترهيبكم.
وقوله { فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } تصريح منه بأن ما
عليه هو الحق الذى لا يقبل الشك أو الريب، وأن مخالفته توصل إلى الهلاك والخسران.
والتخسير مصدر خسر، يقال خسر فلان فلانا إذا نسبه إلى الخسران. أى فما تزيدوننى
بطاعتكم ومعصية ربى غير الوقوع فى الخسران، وغير التعرض لعذاب الله وسخطه وحاشاى
أن أخالف أمر ربى إرضاء لكم. فالآية الكريمة تصور تصويرا بليغا ما كان عليه صالح -
عليه السلام - من إيمان عميق بالله - تعالى -، ومن ثبات على دعوته ومن حرص على
طاعته - سبحانه -. ثم أرشد صالح - عليه السلام - إلى المعجزة الدالة على صدقه فيما
يبلغه عن ربه فقال { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً.. } أى
معجزة، واضحة دالة على صدقى وفى إضافة الناقة إلى الله - تعالى - تعظيم لها وتشريف
لحالها، وتنبيه على أنها ناقة مخصوصة ليست كغيرها من النوق التى تستعمل فى الركوب
والنحر وغيرهما. لأن الله - تعالى - قد جعلها معجزة لنبيه صالح - عليه السلام -
ولم يجعلها كغيرها. وقد ذكر بعض المفسرين من صفات هذه الناقة وخصائصها. ما لا
يؤيده نقل صحيح، لذا أضربنا عن كل ذلك صفحا، ونكتفى بأن نقول بأنها كانت ناقة ذات
صفات خاصة مميزة، تجعل قوم صالح يعلمون عن طريق هذا التمييز لها عن غيرها أنها
معجزة دالة على صدق نبيهم - عليه السلام - فيما يدعوهم إليه. وقوله { فَذَرُوهَا
تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ
قَرِيبٌ } أمر لهم بعدم التعرض لها بسوء وتحذير لهم من نتائج مخالفة أمره. أى
اتركوا الناقة حرة طليقة تأكل فى أرض الله الواسعة ومن رزقه الذى تكفل به لكل
دابة، واحذروا أن تمسوها بشئ من السوء مهما كان قليلا، فإنكم لو فعلتم ذلك عرضتم
أنفسكم لعذاب الله العاجل القريب. والتعبير بقوله { فَيَأْخُذَكُمْ } بفاء التعقيب
وبلفظ الأخذ، يفيد سرعة الأخذ وشدته، لأن أخذه - سبحانه - أليم شديد. ولكن قوم
صالح - عليه السلام - لم يستمعوا إلى تحذيره، بل قابلوه بالطغيان والعصيان، {
فَعَقَرُوهَا } أى فعقروا الناقة{ وَعَتَوْاْ عَنْ
أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ
ٱلْمُرْسَلِينَ } والفاء معطوفة على محذوف أى فخالفوا ما نهاهم عنه نبيهم فعقروها أى
نحروها وأصل العقر قطع عرقوب البعير، ثم استعمل فى النحر لأن ناحر البعير يعقله ثم
ينحره فقال لهم صالح - عليه السلام - بعد عقرها { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ
ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ }. والتمتع الانتفاع بالمتاع،
وهو اسم لما يحتاج إليه الإِنسان فى هذه الحياة من مأكل ومشرب وغيرهما.
والمراد بدارهم أماكن سكناهم التى يعيشون فيها. أى قال لهم نبيهم بعد
نحرهم للناقة عيشوا فى بلدكم هذا، متمتعين بما فيه من نعم لمدة ثلاثة أيام فقط،
فهى آخر ما بقى لكم من متاع هذه الدنيا، ومن أيام حياتكم. { ذلك } الوعد بنزول
العذاب بكم بعد هذه المدة القصيرة. { وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } فيه لأنه صادر من
الله - تعالى - الذى لا يخلف وعده. وعبر عن قرب نزول العذاب بهم بالوعد على سبيل
التهكم بهم. قال الجمل " ومكذوب " يجوز أن يكون مصدراً على وزن مفعول،
وقد جاء منه ألفاظ نحو المجلود والمعقول والمنشور والمغبون، ويجوز أن يكون اسم
مفعول على بابه وفيه تأويلان أحدهما غير مكذوب فيه، ثم حذف حرف الجر فاتصل الضمير
مرفوعاً مستتراً فى الصفة ومثله يوم مشهود. والثانى أنه جعل هو نفسه غير
مكذوب،لأنه قد وفى به، وإذا وفى به فقد صدق ". ولقد تحقق ما توعدهم به نبيهم،
فقد حل بهم العذاب فى الوقت الذى حدده لهم، قال - تعالى - { فَلَمَّا جَآءَ
أَمْرُنَا } أى فلما جاء أمرنا بإنزال العذاب بهم فى الوقت المحدد. { نَجَّيْنَا
صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } أى برحمة عظيمة كائنة
منا. ونجيناهم أيضاً { وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } أى من خزى وذل ذلك اليوم الهائل
الشديد الذى نزل فيه العذاب بالظالمين من قوم صالح - عليه السلام - فأبادهم.
فالتنوين فى قوله { يومئذ } عوض عن المضاف إليه المحذوف. وقوله - سبحانه - { إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم -
وللمؤمنين عما أصابهم من أذى. أى إن ربك - أيها الرسول الكريم - هو القوى الذى لا
يعجزه شئ، العزيز الذى لا يهون من يتولاه ويرعاه، فلا تبتئس عما أصابك من قومك،
فربك قادر على أن يفعل بهم، ما فعله بالظالمين السابقين من أمثالهم. ثم صور القرآن
الكريم حال هؤلاء الظالمين تصويرا يدعو إلى الاعتبار والاتعاظ فقال { وَأَخَذَ
ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ. كَأَن
لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً
لِّثَمُودَ } والصيحة الصوت المرتفع الشديد. يقال صاح فلان إذا رفع صوته بقوة.
وأصل ذلك تشقيق الصوت، من قولهم انصاح الخشب والثوب، إذا انشق فسمع له صوت. و {
جاثمين } من الجثوم وهو للناس وللطير بمنزلة البروك للإِبل. يقال جثم الطائر يجثم
جثما وجثوما فهو جاثم.. إذا وقع على صدره، ولزم مكانه فلم يبرحه. ويغنوا فيها أى
يقيموا فيها. يقال غنى فلان بالمكان يغنى إذا أقام به وعاش فيه فى نعمة ورغد. أى
وأخذ الذين ظلموا من قوم صالح - عليه السلام - عن طريق الصحة الشديدة التى صيحت
بهم بأمر الله - تعالى - { فَأَصْبَحُواْ } بسببها { فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ }
أى هلكى صرعى، ساقطين على وجوههم، بدون حركة.
.. { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ } أى كأن هؤلاء القوم الظالمين لم
يقيموا فى ديارهم عمرا طويلاً وهم فى رخاء من عيشهم. { أَلاَ إِنَّ ثَمُودَاْ
كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ } أى ألا إن هؤلاء الظالمين من قبيلة
ثمود، كفروا نعمة ربهم وجحودها ألا بعداً وسحقاً وهلاكاً لهؤلاء المجرمين من قبيلة
ثمود. وفى تكرار حرف التنبيه { ألا } وتكرار لفظ { ثمود } تأكيد لطردهم من رحمة
الله، وتسجيل لما ارتكبوه من منكرات. وبذلك انطوت صفحة أولئك الظالمين من قوم صالح
- عليه السلام - كما انطوت من قبلهم صحائف قوم نوح وهود - عليهما السلام -. ومن
أبرز العبر والعظات التى نأخذها من قصة صالح مع قومه كما وردت فى هذه السورة
الكريمة أن النفوس إذا انطمست، والعقول إذا انتكست، تعجب مما لا عجب فيه وتستنكر
ما هو حق وصدق، وتسئ ظنها بالشخص الذى كان بالأمس القريب موضع رجائها وثقتها، لأنه
أتاهم بما لم يألفوه... حتى ولو كان ما أتاهم به فيه سعادتهم وهدايتهم... فصالح -
عليه السلام - كان مرجوا فى قومه قبل أن يكون نبياً، فلما صار نبياً وبلغهم ما
أرسله الله به، خاب أملهم فيه، وساء ظنهم به، وجاهروه بالعداوة والعصيان... مع أنه
أتاهم بما يسعدهم... وصدق الله إذ يقول{ سَأَصْرِفُ عَنْ
آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ
كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ
يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً
ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } هذا،
وقد وردت أحاديث تصرح بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد مر على ديار ثمود وهو
فى طريقه إلى غزوة تبوك. ومن هذه الأحاديث ما رواه الشيخان عن ابن عمر قال " لما
مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجر قال لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا
أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم، لئلا يصيبكم ما أصابهم.
ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى جاوز الوادى ".
التفسير :
قوله - سبحانه - { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ
صَالِحاً.. } معطوف على قوله - تعالى -{ وَلَقَدْ
آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } واللام
فى قوله { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ.. } جواب لقسم محذوف، و { ثَمُودَ } اسم للقبيلة
التى منها صالح - عليه السلام -، سميت باسم جدها ثمود. وقيل سميت بذلك لقلة مائها،
لأن الثمد هو الماء القليل. وكانت مساكنهم بالحجر - بكسر الحاء وسكون الجيم -، وهو
مكان بين الحجاز والشام، ومازلت مساكنهم تعرف بمدائن صالح إلى اليوم. وقد مر النبى
صلى الله عليه وسلم بديارهم، وهو ذاهب إلى غزوة تبوك، سنة تسع بعد الهجرة. وصالح -
عليه السلام - هو نبيهم، وكان واحدا منهم، وينتهى نسبه إلى نوح - عليه السلام -
وقبيلة ثمود تسمى عادا الثانية، أما قبيلة عاد فتسمى عادا الأولى، ونبيهم هود -
عليه السلام - قالوا وكان بين القبيلتين زهاء مائة عام. والمعنى وبالله لقد أرسلنا
إلى قبيلة ثمود، أخاهم صالحا - عليه السلام -، فقال لهم ما قاله كل نبى لقومه {
أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } - تعالى - وحده، ولا تشركوا معه آلهة أخرى. و "
إذا " فى قوله - تعالى - { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } هى الفجائية
و { يَخْتَصِمُونَ } من المخاصمة بمعنى المجادلة والمنازعة. أى أرسلنا نبينا صالحا
إلى قومه، فكانت المفاجأة أن انقسم قومه إلى قسمين قسم آمن به - وهم الأقلون -،
وقسم كفر به - وهم الأكثرون. وهذه الخصومة بين الفريقين، قد أشار إليها القرآن فى
قوله - تعالى
-{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ
ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ
مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ ٱلَّذِينَ
ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } وقوله
- تعالى - { قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ
ٱلْحَسَنَةِ... } بيان لما وجهه صالح إلى الكافرين من قومه، من نصائح حكيمة... أى
قال صالح - عليه السلام - للمكذبين لرسالته من قومه بأسلوب رقيق حكيم يا قوم لماذا
كلما دعوتكم إلى الحق أعرضتم عن دعوتى، وآثرتم الكفر على الإيمان، واستعجلتم عقوبة
الله - تعالى - التى حذرتكم منها، قبل أن تتضرعوا إليه - سبحانه - بطلب الهداية
والرحمة. وقوله { لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } حض
منه على الإِقلاع عما هم فيه من عناد وضلال. أى هلا استغفرتم الله - تعالى -
وأخلصتم له العبادة، واتبعتمونى فيما أدعوكم إليه، لكى يرحمكم ربكم ويعفو عنكم.
فالمراد بالسيئة العذاب الذى تعجلوه، والذى أشار إليه - سبحانه - فى قوله{ فَعَقَرُواْ
ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا
بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }
ثم حكى - سبحانه - ما رد به هؤلاء المتكبرون على نبيهم فقال - تعالى -
{ قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ... }. وقوله { ٱطَّيَّرْنَا } أصله
تطيرنا، فأدغمت التاء فى الطاء، وزيدت همزة الوصل، ليتأتى الابتداء بالكلمة.
والتطير التشاؤم. قال الآلوسى وعبر عنه بذلك، لأنهم كانوا إذا خرجوا مسافرين
فيمرون بطائر يزجرونه فإن مر سانحا - بأن مر من ميامن الشخص إلى مياسره - تيمنوا،
وإن مر بارحا - بأن مر من المياسر إلى الميامن - تشاءموا. فلما نسبوا الخير والشر
إلى الطائر، استعير لما كان سببا لهما من قدر الله - تعالى - وقسمته - عز وجل - أو
من عمل العبد الذى هو سبب الرحمة والنعمة. أى قال المكذبون من قوم صالح فى الرد
عليه أصابنا الشؤم والنحس بسبب وجودك فينا، وبسبب المؤمنين الذين استجابوا لدعوتك.
حيث أصبنا بالقحط بعد الرخاء والضراء بعد السراء. ولا شك أن قولهم هذا يدل على
جهلهم المطبق، وعلى سوء تفكيرهم، لأن السراء والضراء من عند الله - تعالى - وحده.
ولا صلة لهما بوجود صالح والذين آمنوا معه بينهم ولذا رد عليهم صالح - عليه السلام
- بقوله { طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ... }. أى قال لهم موبخا وزاجرا ليس الأمر كما
زعمتم أن وجودنا بينكم هو السبب فيما أصابكم من شر، بل الحق أن ما يصيبكم من شر
وقحط هو من عند الله، بسبب أعمالكم السيئة، وإصراركم على الكفر، واستحبابكم
المعصية على الطاعة. والعقوبة على المغفرة. ثم زاد صالح - عليه السلام - الأمر
توضيحا وتبيانا فقال لهم { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ }. أى قال لهم ليس ما
أصابكم بسببنا. بل أنتم قوم " تفتنون " أى تختبرون وتمتحنون بما يقع
عليكم من شر، حتى تتوبوا إلى خالقكم، قبل أن ينزل بكم العذاب الماحق، إذا ما بقيتم
على كفركم. فأنت ترى أن صالحا - عليه السلام - قد رد على جهالتهم بأسلوب قوى رصين،
بين لهم فيه، أن تشاؤمهم فى غير محله، وأن حظهم ومستقبلهم ومصيرهم بيد الله -
تعالى - وحده، وأن ما أصابهم من بلاء وقحط، إنما هو لون من امتحان الله - تعالى -
لهم، لكى يتنبهوا ويستجيبوا لدعوة الحق، قبل أن يفاجئهم الله - تعالى - بالعذاب
الذى يهلكهم. ولكن هذا النصح الحكيم الذى وجهه صالح إلى المكذبين من قومه، لم يجد
أذنا صاغية منهم، بل قابله زعماؤهم بالتكبر وبالإِصرار على التخلص من صالح - عليه
السلام - ومن أهله، وقد حكى القرآن ذلك فى قوله - تعالى - { وَكَانَ فِي
ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ
قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ
لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }.
والمراد بالمدينة مدينة قوم صالح - عليه السلام - وهى الحِجْر - بكسر
الحاء وإسكان الجيم -. قال الجمل قوله " تسعة رهط " أى تسعة أشخاص،
وبهذا الاعتبار وقع تمييزاً للتسعة، لا باعتبار لفظه، وهم الذين سعوا فى عقر
الناقة، وباشره منهم قدار بن سالف، وكانوا من أبناء أشراف قوم صالح، والإِضافة
بيانية. أى تسعة رهط. وفى الصباح الرهط دون العشرة من الرجال، ليس فيهم امرأة.
ووصفهم بأنهم يفسدون فى الأرض ولا يصلحون. للإِشارة إلى أن نفوسهم قد تمحضت للفساد
وللإِفساد، ولا مكان فيها للصلاح وللإِصلاح. وقوله { تَقَاسَمُواْ } فعل أمر محكى
بالقول، بمعنى احلفوا بالله، ويجوز أن يكون فعلا ماضيا مفسرا لقالوا، فكأنه قيل ما
الذى قالوا؟ فكان الجواب تقاسموا أى أقسموا. وقوله { لَنُبَيِّتَنَّهُ } من البيات
وهو مباغتة العدو ليلا لقتله. يقال بيت القوم العدو، إذا أوقعوا به ليلا. والمراد
بوليه المطالبون بدمه من أقاربه، وفى ذلك إشارة إلى أن هؤلاء الظالمين لم يكونوا
ليستطيعوا قتل صالح - عليه السلام - علانية، خوفا من مناصرة أقاربه له. و {
مَهْلِكَ } بفتح الميم وكسر اللام بزنة مرجع - مصدر ميمى، من هلك الثلاثى، وقرأ
بعضهم { مُهَلِكَ } بضم الميم وفتح اللام - من أهلك الرباعى، فهو أيضا مصدر ميمى
من أهلك، ويجوز أن يكون اسم زمان أو مكان. والمعنى وكان فى المدينة التى يسكنها
صالح - عليه السلام - وقومه، تسعة أشخاص، دأبهم وديدنهم، الإِفساد فى الأرض، وعدم
الإِصلاح فيها، بأى حال من الأحوال. وقد تعاهد هؤلاء التسعة. وأكدوا ما تعاهدوا
عليه بالأيمان المغلظة. على أن يباغتوا نبيهم وأهله ليلا، فيقتلوهم جميعا، ثم
ليقولن بعد جريمتهم الشنعاء لأقارب صالح - عليه السلام - ما حضرنا هلاك أهله وهلاك
صالح معهم، ولا علم عندنا بما حل بهم وبه من قتل، وإنا لصادقون فى كل ما قلناه.
وهكذا المفسدون فى الأرض، يرتكبون أبشع الجرائم وأشنعها، ثم يبررونها بالحيل
الساذجة الذميمة ثم بعد ذلك يحلفون بأغلظ الأيمان أنهم بريئون من تلك الجرائم. ومن
العجيب أن هؤلاء المجرمين الغادرين يقولون فيما بينهم { تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ }
أى احلفوا بالله، على أن تنفذوا ما اتفقنا عليه من قتل صالح وأهله ليلا غيلة
وغدرا. فهم يؤكدون إصرارهم على الإِجرام بالحلف بالله، مع أن الله - تعالى - برئ
منهم ومن غدرهم. وقولهم { مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ } نفى منهم لحضور
قتلهم، فضلا عن مباشرة قتلهم، كأنهم أرادوا بهذه الجملة الإِتيان بحيلة يبررون بها
كذبهم، أى أننا قتلناهم فى الظلام، فلم نشاهد أشخاصهم، وإنا لصادقون فى ذلك. ولكن
هذا المكر السىء، والتحايل القبيح قد أبطله الله - تعالى - وجعله يحيق بهم
وبأشياعهم، فقد قال - تعالى - { وَمَكَرُواْ مَكْراً } أى بهذا الحلف فيما بينهم
على قتل صالح وأهله غدرا { وَمَكَرْنَا مَكْراً } أى ودبرنا لصالح - عليه السلام -
ولمن آمن به، تدبيرا محمودا محكما { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أى وهم لا يشعرون
بتدبيرنا الحكيم، حيث أنجينا صالحا ومن معه من المؤمنين، وأهلكنا أعداءه أجمعين.
ثم بين - سبحانه - الآثار التى ترتبت على مكرهم السىء، وعلى تدبيره المحكم فقال - تعالى - { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } أى فانظر - أيها العاقل - وتأمل واعتبر فيما آل إليه أمر هؤلاء المفسدين، لقد دمرناهم وأبدناهم، وأبدنا معهم جميع الذين كفروا بنبينا صالح - عليه السلام. قال بعض العلماء ما ملخصه قوله - تعالى - { أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } قرأه الجمهور بكسر همزة { إِنَّا } على الاستئناف، وقرأه عاصم وحمزة والكسائى { أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ } بفتح الهمزة وفى إعراب المصدر المنسبك من أن وصلتها أوجه منها أنه بدل من { عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ } ومنها أنه خبر مبتدأ محذوف، وتقديره هى أى عاقبة مكرهم تدميرنا إياهم... وقوله - سبحانه - { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ.. } مقرر ومؤكد لما قبله من تدمير المفسدين وإهلاكهم. أى إن كنت - أيها المخاطب - تريد دليلا على تدميرهم جميعا، فتلك هى بيوتهم خاوية وساقطة ومتهدمة على عروشها، بسبب ظلمهم وكفرهم ومكرهم. { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } الذى فعلناه بهم من تدمير وإهلاك { لآيَةً } بينة، وعبرة واضحة، { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أى يتصفون بالعلم النافع الذى يتبعه العمل الصالح. ثم ختم - سبحانه - هذه القصة بتأكيد سنته التى لا تتخلف فقال { وَأَنجَيْنَا } أى بفضلنا وإحساننا، { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } وهم نبينا صالح وأتباعه { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } أى وكانوا يتقون الله - تعالى - ويخافون عذابه. وبذلك تكون السورة الكريمة قد ساقت لنا جانبا من قصة صالح مع قومه هذا الجانب فيه ما فيه من عظات وعبر لقوم يعقلون.
قصة قبيلة ثمود مع نبيهم صالح - عليه السلام - قد وردت فى سور متعددة
منها سورة الأعراف، وسورة هود، وسورة الشعراء، وسورة النمل. وينتهى نسبهم إلى جدهم
ثمود، وقيل سموا بذلك لقلة ماء المكان الذى كانوا يعيشون فيه، لأن الثمد هو الماء
القليل. وكانت مساكنهم بالحجر - بكسر الحاء وسكون الجيم -، وهو مكان يقع بين
الحجاز والشام، وما زال معروفا إلى الآن. ونبيهم صالح - عليه السلام - ينتهى نسبه
إلى نوح - عليه السلام -. وقوله { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } أى كذبت قبيلة
ثمود بالنذر التى جاءتهم عن طريق رسولهم صالح - عليه السلام - فالنذر بمعنى
الإِنذارات التى أنذرهم بها صالح - عليه السلام - ثم حكى - سبحانه - مظاهر تكذيبهم
فقال { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ... }. و " بشرا
" منصوب على المفعولية بالفعل " نتبعه " على طريقة الاشتغال، وقدم
لاتصاله بهمزة الاستفهام، لأن حقها التصدير، والاستفهام للإِنكار، وواحدا صفة لقوله
{ أَبَشَراً }. أى أن قوم صالح - عليه السلام - حين جاءهم برسالته التى تدعوهم إلى
إخلاص العبادة لله - تعالى -، أنكروا ذلك، وقالوا أنتبع واحدا من البشر جاءنا بهذا
الكلام الذى يخالف ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا؟. { إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ
وَسُعُرٍ } أى إنا إذا لو اتبعناه لصرنا فى ضلال عظيم، وفى { سُعُرٍ } أى وفى جنون
واضح، ومنه قولهم ناقة مسعورة، إذا كانت لا تستقر على حال، وتفرط فى سيرها
كالمجنونة. أو المعنى إنا لو اتبعناه لكنا فى ضلال، وفى نيران عظيمة. فالسعر بمعنى
النار المسعرة، ثم أخذوا فى تفنيد دعوته، فقالوا { أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ
مِن بَيْنِنَا.. } والاستفهام للإِنكار والنفى. والمراد بالإِلقاء الإِنزال.
وبالذكر الوحى الذى أوحاه الله - تعالى - إليه، وبلغه لهم. أى أأنزل الوحى على
صالح وحده دوننا؟ لا لم ينزل عليه الوحى دوننا، فهو واحد من أفنائنا، وليس من
أشرافنا.. { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } أى بل صالح فيما يدعونا إليه كذاب {
أَشِرٌ } أى بطر متكبر، معجب بنفسه، يقال أشر فلان، إذا أبطرته النعمة، وصار
مغرورا متكبرا على غيره، ولا يستعمل نعم الله فيما خلقت له. وهكذا الجاهلون
الجاحدون، يقلبون الحقائق، وتصير الحسنات فى عقولهم سيئات، فصالح - عليه السلام -
الذى جاءهم بما يسعدهم، أصبح فى نظرهم كذابا مغرورا، لا يليق بهم أن يتبعوه.. وقد
ورد - سبحانه - عليهم ردا يحمل لهم التهديد والوعيد، فقال - تعالى - {
سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ }. أى سيعلم هؤلاء الكافرون، فى
الغد القريب يوم ينزل بهم العذاب المبين، من هو الكذاب فى أقواله، ومن هو المغرور
المتكبر على غيره، أصالح - عليه السلام - أم هم؟! والتعبير بالسين فى قوله {
سَيَعْلَمُونَ } لتقريب مضمون الجملة وتأكيده.
والمراد بقوله { غَداً } الزمن المستقبل القريب الذى سينزل فيه العذاب
عليهم.. ثم بين - سبحانه - بعد ذلك، ما أمر به نبيه صالحا - عليه السلام - فقال {
إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ }.
وقوله { مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ } أى مخرجوها وباعثوها، لأنهم اقترحوا على نبيهم
صالح أن يأتيهم بمعجزة تدل على صدقه، لكى يتبعوه، فأخرج الله - تعالى - لهم تلك
الناقة، من مكان مرتفع قريب منهم. وإلى هذا المعنى أشار - سبحانه - فى آيات أخرى
منها قوله - تعالى
-{ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ مَآ أَنتَ إِلاَّ
بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ قَالَ هَـٰذِهِ
نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } وقوله
{ فِتْنَةً } أى اختبارا وامتحانا لهم، فهو مفعول لأجله. وقوله { فَٱرْتَقِبْهُمْ
} من الارتقاب بمعنى الانتظار، ومثله { وَٱصْطَبِرْ } فهو من الاصطبار، وأل فى
قوله { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ.. } للعهد. أى الماء
المعهود لهم، وهو ماء قريتهم الذى يستعملونه فى حوائجهم المتنوعة. وقوله {
قِسْمَةٌ } بمعنى المقسوم، وعبر عنه بالمصدر للمبالغة. والضمير فى " بينهم
" يعود عليهم وعلى الناقة، وجىء بضمير العقلاء على سبيل التغليب. وقوله {
مُّحْتَضَرٌ } اسم مفعول من الحضور الذى هو ضد الغيبة، وحذف المتعلق لظهوره. أى
محتضر عنده صاحبه. والشِّرْب النصيب والمرة من الشُّرب. أى وقلنا لنبينا صالح على
سبيل الإِرشاد والتعليم، بعد أن طلب منه قومه معجزة تدل على صدقه. قلنا له. أخبرهم
أننا سنرسل الناقة، وسنخرجها لهم أمام أعينهم، لتكون دليلا على صدقك، ولتكون
امتحانا واختبارا لهم، حتى يظهر لك وللناس أيؤمنون أم يصرون على كفرهم. {
فَٱرْتَقِبْهُمْ } - أيها الرسول الكريم -، وانتظر ماذا سيصنعون بعد ذلك {
وَٱصْطَبِرْ } على أذاهم صبرا جميلا، حتى يحكم الله بينك وبينهم. { وَنَبِّئْهُمْ
} أى وأخبرهم خبرا هاما، هذا الخبر هو { أَنَّ ٱلْمَآءَ } الذى يستقون منه {
قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } وبين الناقة، أى مقسوم بينهم وبينها، فهم لا يشاركونها فى
يوم شربها، وهى لا تشاركهم فى يوم شربهم. { كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } أى كل نصيب
من الماء يحضره من هوله، فالناقة تحضر إلى الماء فى يومها، وهم يحضرون إليه فى يوم
آخر. ففى هاتين الآيتين تعليم حكيم من الله - تعالى - لنبيه صالح، وإرشاد له إلى
ما يجب أن يسكله معهم، بيقظة واعية يدل عليها قوله - تعالى- { فَٱرْتَقِبْهُمْ }
وبصبر جميل لا يأس معه ولا ضجر، كما يشير إليه قوله - تعالى - { وَٱصْطَبِرْ }.
وسياق القصة ينبىء عن كلام محذوف، يعلم من سياقها، والتقدير أرسلنا الناقة، وقلنا
له أخبرهم، أن الماء مقسوم بينهم وبين الناقة واستمروا على ذلك فترة من الزمان،
ولكنهم ملوا هذه القسمة، ولم يرتضوها، وأجمعوا على قتل الناقة.
( فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ ) وهو " قدار بن سالف " وهو المعبر عنه بقوله - تعالى - فى آية أخرى{ إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } وعبر عنه - سبحانه - بصاحبهم، لأنه كان معروفا، وزعيما من زعمائهم.. والمقصود بندائهم إياه إغراؤه بعقر الناقة وقتلها، مخالفين بذلك وصية نبيهم لهم بقوله{ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } وقوله - تعالى - { فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } مفرع على ما قبله، وقوله { تَعَاطَىٰ } مطاوع للفعل عاطاه، وهو مشتق من عطا يعطو، إذا تناول الشىء. وهذه الصيغة " تعاطى " تشير إلى تعدد الفاعل، فكأن هذا النداء بقتل الناقة، تدافعوه فيما بينهم، وألقاه بعضهم على بعض، فكان كل واحد منهم يدفعه إلى غيره، حتى استقر عند ذلك الشقى الذى ارتضى القيام به وتولى كبره، حيث عقر الناقة، فمفعول " عقر " محذوف للعلم به. قال الآلوسى قوله { فَتَعَاطَىٰ } العقر، أى فاجترأ على تعاطيه مع عظمه غير مكترث به. { فَعَقَرَ } أى فأحدث العقر بالناقة، وجوز أن يكون فتعاطى الناقة فعقرها. أو فتعاطى السيف فقتلها، وعلى كل فمفعول تعاطى محذوف... ولا تعارض بين هذه الآية التى تثبت أن الذى عقر الناقة هو هذا الشقى، وبين الآيات الأخرى التى تصرح بأنهم هم الذين عقروها، كما فى قوله - تعالى -{ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ... } لأن المقصود أن القوم قد اتفقوا على هذا القتل للناقة، فنادوا واحدا منهم لتنفيذه، فنفذه وهم له مؤيدون، فصاروا كأنهم جميعا عقروها، لرضاهم بفعله، والعقر. يطلق على القتل والذبح والجرح، والمراد هنا قتلها ونحرها. والتعبير بقوله - تعالى بعد ذلك { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } يشير إلى هول العقوبة التى نزلت بهم، بسبب ما فعلوه من عقر الناقة، ومن تكذيبهم لنبيهم. أى انظر وتدبر - أيها العاقل - كيف كان عذابى وإنذارى لهؤلاء القوم؟ لقد كان شيئا هائلا لا تحيط به العبارة. ثم فصل - سبحانه - هذا العقاب فقال { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } والهشيم ما تهشم وتفتت وتكسر من الشجر اليابس، مأخوذ من الهشم بمعنى الكسر للشىء اليابس، أو الأجوف. والمحتظر هو الذى يعمل الحظيرة التى تكون مسكنا للحيوانات. أى إنا أرسلنا عليهم - بقدرتنا ومشيئتنا - صيحة واحدة صاحها بهم جبريل - عليه السلام - فصاروا بعدها كغصون الأشجار اليابسة المكسرة، يجمعها إنسان ليعمل منها حضيرة لسكنى حيواناته. والمقصود بهذا التشبيه، بيان عظم ما أصابهم من عقاب مبين، جعلهم، كالأعواد الجافة حين تتحطم وتتكسر ويجمعها الجامع ليصنع منها حظيرته، أو لتكون تحت أرجل مواشيه. وهذا العذاب عبر عنه هنا وفى سورة هود بالصيحة فقال (وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ... ) وعبر عنه فى سورة الأعراف بالرجفة فقال{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ... } وعبر عنه فى سورة فصلت بالصاعقة فقال{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } وعبر عنه فى سورة الحاقة بالطاغية، فقال{ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ... } ولا تعارض بين هذه التعبيرات لأنها متقاربة فى معناها، ويكمل بعضها بعضا، وهى تدل على شدة ما أصابهم من عذاب. فكأنه - سبحانه - يقول لقد نزل بهؤلاء المكذبين الصحية التى زلزلت كيانهم، فصعقتهم وأبادتهم، وجعلتهم كعيدان الشجر اليابس.. ثم ختم - سبحانه - هذه القصة بما ختم به سابقتها فقال { وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }.
التفسير :
وبعد هذا الحديث الطويل المؤكد بالقسم، والدال على وحدانيته، وبديع صنعه.. أتبع ذلك ببيان ما حل بالمكذبين السابقين، ليكون هذا البيان عبرة وعظة للمشركين المعاصرين للنبى، فقال - تعالى - { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ. إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا. فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا. وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }. والمراد بثمود تلك القبيلة التى أرسل الله - تعالى - إلى أهلها صالحا - عليه السلام - لكى يأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده. ومفعول " كذبت " محذوف للعلم به. والباء فى قوله " بطغواها " للسببية، والطَّغْوَى اسم مصدر من الطغيان، وهو مجاوزة الحد المعتاد. أى كذبت قبيلة ثمود - نبيهم صالحا - عليه السلام بسبب طغيانهم وإفراطهم فى الجحود والتكبر والعناد وقيل إن الباء للتعدية، والطغوى اسم للعذاب الذى نزل بهم، والذى توعدهم به نبيهم. أى كذبت ثمود بعذابها، الذى توعدهم رسولهم به، إذا استمروا فى كفرهم وطغيانهم. والظرف فى قوله - سبحانه - { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } متعلق بقوله { طغواها } ، لأن وقت انبعاث أشقاهم لقتل الناقة. هو أشد أوقات طغيانهم وفجورهم. وفعل " انبعث " مطاوع بعث، تقول بعثته فانبعث، كما تقول كسرته فانكسر. ويصح أن يكون متعلقا بقوله { كذبت }. وقوله { أَشْقَاهَا } أى أشقى تلك القبيلة، وهو قُدَار - بزنة غراب - بن سالف، الذى يضرب به المثل فى الشؤم، فيقال فلان أشأم من قدار. أى كذبت ثمود نبيها، بسبب طغيانها، وقت أن أسرع أشقى تلك القبيلة، وهو قدار بن سالف، لعقر الناقة التى نهاهم نبيهم عن مسها بسوء. وعبر - سبحانه - بقوله { ٱنبَعَثَ } للإِشعار بأنه قام مسرعا عندما أرسله قومه لقتل الناقة، ولم يتردد فى ذلك لشدة كفره وجحوده. وقوله - تعالى - { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } أى فقال لهم رسول الله - تعالى - إليهم. وهو صالح - عليه السلام - على سبيل التحذير والإِنذار احذروا عقر ناقة الله - تعالى -، واحذروا سقياها، أى الوقت المحدد لشرابها فلا تمنعوها فيه من الشرب، فإن لها يوم لا تشاركونها فيه الشرب، وإن لكم يوما آخر هى لن تشارككم فيه. وقد قال لهم صالح - عليه السلام - هذا الكلام، عندما شعر بأنهم قد بيتوا النية على عقرها. فالفاء فى قوله - تعالى - { فَقَالَ لَهُمْ... } عاطفة على قوله { كذبت } لإِفادة الترتيب والتعقيب.. أى قال لهم ذلك فى أعقاب شعوره بتصميمهم على تكذيبه، وعلى قتل الناقة. ولفظ " ناقة " منصوب على التحذير، والكلام على حذف مضاف. أى احذروا عقر ناقة الله، وأضيفت إلى لفظ الجلالة، على سبيل التشريف لها، لأنها قد جعلها - سبحانه - معجزة لنبيه صالح - عليه السلام - ودليلا على صدقه.
وقوله { وَسُقْيَاهَا } معطوف على ناقة الله، وهو منصوب - أيضا - على
التحذير. أى احذروا أن تقتلوا الناقة، واحذروا أن تشاركوها فى اليوم الخاص بشربها،
فضلا عن أن تؤذوها. وقوله - سبحانه - { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ
عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } بيان لموقفهم السيئ من تحذير
نبيهم لهم، ولما أصابهم من عذاب مهلك بسبب هذا التكذيب. وقوله { فَدَمْدَمَ } -
بزنة فعلل - بمعنى تضعيف العذاب وترديده، يقال دمدمت على الشئ، أى أطبقت عليه،
ودمدم عليه القبر، أى أطبقه عليه. أى فكذبت قوم صالح نبيهم، وأصروا على هذا
التكذيب، وتجاوزوا ذلك إلى عقر الناقة التى نهاهم عن مسها بسوء.. فكانت نتيجة ذلك،
أن أهلكهم الله - تعالى - وأن أخذهم أخذ عزيز مقتدر، فقد أطبق عليهم الأرض، وسواها
من فوقهم جميعا دون أن يفلت منهم أحد، وصاروا كلهم تحت ترابها، ونجى - سبحانه -
صالحا ومن آمن معه. بفضله ورحمته. والضمير فى قوله - سبحانه - { وَلاَ يَخَافُ
عُقْبَاهَا } يعود إلى الله - تعالى - أى ولا يخاف الله - تعالى -عاقبة ما فعله
بهؤلاء الطغاة الأشقياء، لأن الذى يخاف إنما هو المخلوق. أما الخالق لكل شئ، فإنه
- تعالى - لا يخاف أحدا، لأنه لا يسأل عما يفعل، ولأنه - تعالى - هو العادل فى
أحكامه، والضمير فى عقباها، يعود إلى الفعلة أو إلى الدمدمة. ومنهم من جعل الضمير
فى " يخاف " يعود إلى أشقاها، أى أن هذا الشقى قد أسرع إلى عقر الناقة
دون أن يخشى سوء عاقبة فعله، لطغيانه وجهله. نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعا
من عباده الصالحين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.