سورة القيامة الكريمة العظيمة - محمود شلبي
سورة القيامة الكريمة ( 1 - 40 )
[ Holy Quran – Chapter : 75 - Surat : Al-Qiyamah (The Resurrection ) – Verses : 1 - 40 ]
مقدمة :
قبل التحدث عن سورة القيامة الكريمة لا بد من التعرف على بعض المعلومات والحقائق الثابتة عن يوم القيامة لادراك مدى عظمة وشدة اهوال يوم القيامة ، وجميع هذه المعلومات مرفقة بالادلة الشرعية من أيات القرأن الكريم والاحايث الشريفة الصحيحة
وهذه المعلومات تشمل ما يلي :
اولا : حالة الناس عند بعثهم من القبور في يوم القيامة :
غالبية الناس ( وخصوصا الكافرين الذين كانو لا يؤمنون بالبعث ويوم القيامة ) عندما يبعثهم الله تبارك وتعالى ويخرجون من قبورهم في يوم القيامة يكونوا في حالة خوف وذعر ورعب شديد لا يمكن وصفه كما انهم يكونوا ايضا في حالة اندهاش وصدمة شديدة لا يمكن وصفها ويكونوا ايضا في حالة من الهستريا والهلع يصرخون ويبكون ويتنادون، وهذا منطقي لان هؤلاء كانوا كفارا ولا يؤمنون بالبعث ويوم ولهذا فانهم فانهم سيصابوا بصدمة شديدة عندما بتم بعثهم من القبور وايضا سيصابوا بالرعب والذعر والهلع عندما يرون جهنم وخزنتها وعندما يرون الملائكة واهوال الحشر . وقسم اخر من الناس وهم الذين كانوا من العصاة والظالمين فانهم يكونوا الى جانب الذعر والهلع فانهم يكونوا ايضا في حالة من الندم الشديد والتحسر ولذا فانهم يكونوا يبكون بشدة ويعضون على اصابعهم ندما وحسرة على ما قصروا في جنب الله عز وجل وعلى ما ارتكبوه من المعاصي والظلم في الحياة الدنيا وخاصة بعد رؤيتهم للنار (جهنم) باعينهم . اما المؤمنين فانهم بخلاف جميع الناس فانهم يكونوا مستبشرين ومطمئنين فقد بشرتهم الملائكة في قبورهم ورأوا منزلتهم في الجنة ولذا فانهم يكونوا مطمئنين ولا ينتابهم الخوف والهلع نهائيا ولا يشعرون بالصدمة لانهم كانوا يؤمنون بالبعث ويعلمون بان الله عز وجل سيبعثهم من قبورهم للحساب .
ثانيا : اسماء يوم القيامة في القران :
يوم القيامة ذكر في القران الكريم باسماء كثيرة وكل اسم من هذه الاسماء له معنى كبير وكل اسم منها مشتق من صفة او ميزة تتعلق بهذا اليوم او يشير الى حقيقة و طبيعة هذا اليوم او يشير الى امر عظيم يحدث في هذا اليوم ، ومن هذه الاسماء ( الطامة الكبرى ، القارعة ،الغاشية ، الواقعة ، الصاخة ، يوم الدين ، يوم الخروج )
ثالثا : البعث من القبور وتسلسل الاحداث في يوم القيامة :
ان احداث و مشاهد يوم القيامة
قد ذكرت في القران الكريم والاحاديث الشريفة في
مواقع ومواطن كثيرة وقد ذكرت هذه الاحداث والمشاهد على صورة لمحات متناثرة
في اجزاء مختلفة من القران الكريم وفي احاديث
عديدة مختلفة ، وكل واحد من هذه الاحداث اوالمشاهد بالامكان
القول بانه يشكل او يمثل جزءا صغيرا
من الصورة الكاملة الكلية ، فاذا
ما تم تجميع هذه الاجزاء او المشاهد مع
بعضها البعض ثم ترتيبها بالشكل المناسب
وبالطريقة المناسبة فانه قد يكون بالامكان استنتاج الصورة الكبيرة المتكاملة باستخدام المنطق والتحليل والادلة الشرعية والاشارات والدلالات المختلفة في
القران والاحاديث ، ويكون هذا الاستنتاج اقرب للصحة كلما ازداد ارتكازه على الادلة
الشرعية الموجودة في القران الكريم والاحاديث الشريفه ، ولكن مع كل ذلك فان الصورة المتكاملة التي يتم التوصل اليها تبقى مجرد استنتاج اما الحقيقة المؤكدة والتفاصيل فهي امور
لا يعلمها سوى الله تبارك وتعالى ( والله عز وجل اعلم بكل شيء )
.
فيما يلى بعض المعلومات عن بعث الناس من القبور وما يحدث للناس بعد البعث وهذه المعلومات مرفقة بالادلة الشرعية من ايات القرأن الكريم والاحاديث الشريفة الصحيحة :
[8] بعد
ان يبعث الله تبارك وتعالى الناس من القبور ياتي ملكان لكل شخص احدهما (سائق ) لكي يسوق الشخص الى الله عز وجل او الى ارض المحشر او مكان الحساب والملك الاخر ( شهيد ) ليشهد على هذه النفس بما فعلت
من خير اوشر في الحياة الدنيا . وهذا يعني بان الناس يبعثوا في اماكن مختلفة ومتفرقة من الارض ثم يقادوا او يساقوا الى ارض المحشر فتاتيهم الملائكة لكي تقوم بسوقهم الى ارض المحشر كما يظهر من معنى الاية الكريمة التالية ( والله عز وجل اعلم )
﴿ وَجَآءَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّعَهَا سَآئِقٞ وَشَهِيدٞ ﴾ [ ق: 21]
[9] الناس يكونوا في حالة ازدحام واكتظاظ شديد في ارض المحشر ، حيث ان ارض المحشر وعلى الرغم من اتساعها الا انه يكون فيها اعداد ضخمة من الناس لا يعلم اعدادهم الا الله تبارك وتعالى، فالكلام هنا عن جميع الامم والشعوب الذين خلقهم الله عز وجل على وجه الارض منذ عهد ادم عليه السلام وحتى نهاية العالم ، ولهذا فان الناس يكونوا في حالة ازدحام واكتظاظ شديد بحيث ان كل شخص يكون في حيز ضيق او مساحة صغيرة جدا وبمقدار موطئ قدميه فقط ، وكما يشير الحديث الشريف التالي :
قال النبي ﷺ: ( تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم لعظمة الرحمن ، فلا يكون لرجلٍ من بني آدم فيه إلا موضع قدميه،)
قال البوصيري: إسناده صحيح.
( والله تبارك وتعالى اعلم )
سورة القيامة الكريمة
:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ
[1] وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ
اللَّوَّامَةِ [2] أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن
نَّجْمَعَ عِظَامَهُ [3] بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن
نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ [4] بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ
أَمَامَهُ [5] يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ [6] فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ [7] وَخَسَفَ الْقَمَرُ [8] وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [9] يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ
أَيْنَ الْمَفَرُّ [10] كَلَّا لَا وَزَرَ [11] إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ
الْمُسْتَقَرُّ [12] يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ
بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ [13] بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ
بَصِيرَةٌ [14] وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ [15] لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ
بِهِ [16] إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [17] فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ
قُرْآنَهُ [18] ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [19] كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ
الْعَاجِلَةَ [20] وَتَذَرُونَ
الْآخِرَةَ [21] وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ [22] إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [23] وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ [24] تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [25] كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ [26] وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ [27] وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ [28] وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [29] إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [30] فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ [31] وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ [32] ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ
يَتَمَطَّىٰ [33] أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ [34] ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ [35] أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ
سُدًى [36] أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ
يُمْنَىٰ [37] ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ
فَسَوَّىٰ [38] فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ
الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ [39] أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ
أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ [40]
[ القيامة : 1 – 40 ]
Translation (1) : [ Dr.
Mohsin khan ]
[ Holy Quran – Chapter : 75 - Surat :
Al-Qiyamah (The Resurrection ) – Verses : 1 - 40 ]
In the name of Allah the Almighty God , the Most
Beneficent , the Most Merciful .
I
swear by the Day of Resurrection; (1) And I swear by the
self-reproaching person (a believer). (2) Does man (a disbeliever) think
that We shall not assemble his bones? (3) Yes, We are Able to put
together in perfect order the tips of his fingers.[] (4) Nay! (Man denies
Resurrection and Reckoning. So he) desires to continue committing sins. (5) He
asks: "When will be this Day of Resurrection?" (6) So, when the sight
shall be dazed, (7) And the moon will be eclipsed, (8) And the sun and moon
will be joined together (by going one into the other or folded up or deprived
of their light).[] (9) On that Day man will say: "Where (is the refuge) to
flee?" (10) No! There is no refuge! (11) Unto your Lord (Alone) will be
the place of rest that Day. (12) On that Day man will be informed of what he sent
forward (of his evil or good deeds), and what he left behind (of his good or
evil traditions). (13) Nay! Man will be a witness against himself [as his body
parts (skin, hands, legs, etc.) will speak about his deeds]. (14) Though he may
put forth his excuses (to cover his evil deeds). (15) Move not your tongue
concerning (the Qur'ân, O Muhammad SAW) to make haste therewith. (16) It is
for Us to collect it and to give you (O Muhammad SAW) the ability to
recite it (the Qur'ân), (17) And when We have recited it to you [O Muhammad SAW
through Jibril (Gabriel)], then follow you its (the Qur'ân's) recital. (18)
Then it is for Us (Allâh) to make it clear (to you). (19) Not [as you
think, that you (mankind) will not be resurrected and recompensed for your
deeds], but you (men) love the present life of this world,
(20) And neglect the Hereafter. (21) Some faces that Day shall be
Nâdirah (shining and radiant). (22) Looking at their Lord (Allâh); (23) And
some faces, that Day, will be Bâsirah (dark, gloomy, frowning, and sad), (24)
Thinking that some calamity is about to fall on them; (25) Nay, when (the soul)
reaches to the collar bone (i.e. up to the throat in its exit), (26) And it
will be said: "Who can cure him (and save him from death)?" (27) And
he (the dying person) will conclude that it was (the time) of parting (death);
(28) And one leg will be joined with another leg (shrouded)[] (29) The drive
will be, on that Day, to your Lord (Allâh)! (30) So he (the disbeliever)
neither believed (in this Qur'ân, and in the Message of Muhammad SAW) nor
prayed! (31) But on the contrary, he belied (this Qur'ân and the
Message of Muhammad SAW) and turned away! (32) Then he walked in conceit (full
pride) to his family admiring himself! (33) Woe to you [O man (disbeliever)]!
And then (again) woe to you! (34) Again, woe to you [O man (disbeliever)]! And
then (again) woe to you! (35) Does man think that he will be left neglected
[without being punished or rewarded for the obligatory duties enjoined by his
Lord (Allâh) on him]? (36) Was he not a Nutfah (mixed male and female sexual
discharge) of semen emitted (poured forth)? (37) Then he became an 'Alaqa (a
clot); then (Allâh) shaped and fashioned (him) in due proportion.[] (38) And
made him in two sexes, male and female. (39) Is not He (Allâh Who does
that), Able to give life to the dead? (Yes! He is Able to do all things). (40)
تفسير سورة القيامة الكريمة : [ تفسير الوسيط في تفسير القران الكريم / طنطاوي ] :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [1] وَلَا أُقْسِمُ
بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [2] أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن
نَّجْمَعَ عِظَامَهُ [3] بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ
بَنَانَهُ [4] بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ [5] يَسْأَلُ
أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ [6] فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ [7] وَخَسَفَ
الْقَمَرُ [8] وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [9] يَقُولُ
الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ [10] كَلَّا لَا وَزَرَ [11] إِلَىٰ
رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ [12] يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ
يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ [13] بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ
نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [14] وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ [15] لَا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [16] إِنَّ عَلَيْنَا
جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [17]
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [18] ثُمَّ
إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [19]
[ القيامة : 1 – 19 ]
افتتح الله - تعالى - هذه السورة الكريمة بقوله - تعالى - { لاَ
أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ }. وللعلماء فى مثل هذا التركيب أقوال منها أن حرف
" لا " هنا جئ به، لقصد المبالغة فى تأكيد القسم، كما فى قولهم لا
والله. قال الآلوسى إدخال " لا " النافية صورة على فعل القسم، مستفيض فى
كلامهم وأشعارهم. ومنه قول امرئ القيس لا وأبيك يا بنة العامرى.. يعنى وأبيك. ثم
قال وملخص ما ذهب إليه جار الله فى ذلك، أن " لا " هذه، إذا وقعت فى
خلال الكلام كقوله - تعالى -{ فَلاَ وَرَبِّكَ
لاَ يُؤْمِنُونَ } فهى صلة تزاد لتأكيد القسم، مثلها فى قوله - تعالى -{ لِّئَلاَّ
يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } لتأكيد العلم..
ومنها أن " لا " هنا، جئ بها لنفى ورد كلام المشركين المنكرين ليوم
القيامة، فكأنه - تعالى - يقول لا، ليس الأمر كما زعموا، ثم قال أقسم بيوم القيامة
الذى يبعث فيه الخلق للجزاء. قال القرطبى وذلك كقولهم لا والله لا أفعل. فلا هنا
رد لكلام قد مضى، وذلك كقولك لا والله إن القيامة لحق، كأنك أكذبت قوما أنكروها..
ومنها أن " لا " فى هذا التركيب وأمثاله على حقيقتها للنفى، والمعنى لا
أقسم بيوم القيامة ولا بغيره، على أن البعث حق، فإن المسألة أوضح من أن تحتاج إلى
قسم. وقد رجح بعض العلماء القول الأول فقال وصيغة لا أقسم، صيغة قسم، أدخل حرف
النفى على فعل " أقسم " لقصد المبالغة فى تحقيق حرمة المقسم به، بحيث
يوهم للسامع أن المتكلم يهم أن يقسم به، ثم يترك القسم مخافة الحنث بالمقسم به
فيقول لا أقسم به، أى ولا أقسم بأعز منه عندى. وذلك كناية عن تأكيد القسم. والمراد
بالنفس اللوامة النفس التقية المستقيمة التى تلوم ذاتها على ما فات منها، فهى -
مهما أكثرت من فعل الخير - تتمنى أن لو ازدادت من ذلك، ومهما قللت من فعل الشر،
تمنت - أيضا - أن لو ازدادت من هذا التقليل. قال ابن كثير عن الحسن البصرى فى هذه
الآية إن المؤمن والله ما نراه إلا يلوم نفسه، يقول ما أردت بكلمتى؟ ما أردت
بأكلتى؟.. وإن الفاجر يمضى قدما ما يعاتب نفسه. وفى رواية عن الحسن - أيضا - ليس
أحد من أهل السموات والأرض إلا يلوم نفسه يوم القيامة. وجواب القسم يفهم من قوله -
تعالى - بعد ذلك { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ }. والمراد
بالإِنسان جنسه. أو المراد به الكافر المنكر للبعث. والاستفهام للتوبيخ والتقريع.
وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية أن بعض المشركين قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم
يا محمد حدثنى عن يوم القيامة، فأخبره صلى الله عليه وسلم عنه.
فقال المشرك لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك - يا محمد - أو يجمع الله
العظام. فنزلت هذه الآية. والمعنى أقسم بيوم القيامة الذى لا شك فى وقوعه فى الوقت
الذى نشاؤه، وأقسم بالنفس اللوامة التقية التى تلوم ذاتها على الخير، لماذا لم
تستكثر منه، وعلى الشر لماذا فعلته، لنجمعن عظامكم - أيها الناس - ولنبعثنكم
للحساب والجزاء. وافتتح - سبحانه - السورة الكريمة بهذا القسم، للإِيذان بأن ما
سيذكر بعده أمر بهم، من شأن النفوس الواعية أن تستشرف له، وأن تستجيب لما اشتمل
عليه من هدايات وإرشادات. ووصف - سبحانه - النفس باللوامة بصيغة المبالغة للإِشعار
بأنها كريمة مستقيمة تكثر من لوم ذاتها، وتحض صاحبها على المسارعة فى فعل الخيرات.
والعظام المراد بها الجسد، وعبر عنه بها، لأنه لا يقوم إلا بها، وللرد على
المشركين الذين استبعدوا ذلك، وقالوا - كما حكى القرآن عنهم -{ مَن
يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } وقوله - سبحانه
- { بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } تأكيد لقدرته - تعالى -
على إحياء الموتى بعد أن صاروا عظاما نخرة، وإبطال لنفيهم إحياء العظام وهى رميم.
و { قَادِرِينَ } حال من فاعل الفعل المقدر بعد بلى. وقوله { نُّسَوِّيَ } من
التسوية، وهى تقويم الشئ وجعله متقنا مستويا، يقال سوى فلان الشئ إذا جعله متساويا
لا عوج فيه ولا اضطراب. والبنان جمع بنانة، وهى أصابع اليدين والرجلين، أو مفاصل
تلك الأصابع وأطرافها. أى ليس الأمر كما زعم هؤلاء المشركين من أننا لا نعيد
الإِنسان إلى الحياة بعد موته للحساب والجزاء، بل الحق أننا سنجمعه وسنعيده إلى
الحياة حالة كوننا قادرين قدرة تامة، على هذا الجمع لعظامه وجسده، وعلى جعل أصابعه
وأطرافه وأنامله مستوية الخلق، متقنة الصنع، كما كانت قبل الموت. وخصت البنان
بالذكر، لأنها أصغر الأعضاء، وآخر ما يتم به الخلق، فإذا كان - سبحانه - قادرا على
تسويتها مع لطافتها ودقتها، فهو على غيرها مما هو أكبر منها أشد قدرة. وقوله -
تعالى - { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } بيان لحال أخرى من
أحوال فجور هؤلاء المشركين وطغيانهم، وانتقال من إنكار الحسبان إلى الإِخبار عن
حال هذا الإِنسان. والفجور يطلق على القول البالغ النهاية فى السوء، وعلى الفعل
القبيح المنكر، ويطلق على الكذب، ولذا وصفت اليمين الكاذبة، باليمين الفاجرة فيكون
فجر بمعنى كذب، وزنا ومعنى. ولفظ " الأمام " يطلق على المكان الذى يكون
فى مواجهة الإِنسان، والمراد به هنا الزمان المستقبل وهو يوم القيامة، الذى دل
عليه قوله - تعالى - بعد ذلك { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ }.
أى أن هذا الإِنسان المنكر للبعث والحساب لا يريد أن يكف عن إنكاره وكفره، بل يريد أن يستمر على فجوره وتكذيبه لهذا اليوم بكل إصرار وجحود، فهو يسأل عنه سؤال استهزاء وتهكم فيقول { أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } أى متى يجئ يوم القيامة هذا الذى تتحدثون عنه - أيها المؤمنون - وتخشون ما فيه من حساب وجزاء؟ قال القرطبى قوله - تعالى - { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } قال ابن عباس يعنى الكافر. يكذب بما أمامه من البعث والحساب.. ودليله { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ }. أى يسأل متى يكون؟ على وجه التكذيب والإِنكار، فهو لا يقنع بما هو فيه من التكذيب. ولكن يأثم لما بين يديه. ومما يدل أن الفجور التكذيب، ما ذكره القتبى وغيره، من أن أعرابيا قصد عمر بن الخطاب، وشكى إليه نَقْبَ إبله ودَبَرها - أى مرضها وجربها - وسأله أن يحمله على غيرها فلم يحمله. فقال الأعرابى
أقسم بالله أبو حفص عمر ما مسها من
نقب ولا دبر فاغفر له اللهم إن كان فجر |
|
يعنى إن كان كذبنى فيما ذكرت.. وأعيد لفظ الإِنسان فى هذه الآيات أكثر
من مرة، لأن المقام يقتضى توبيخه وتقريعه، وتسجيل الظلم والجحود عليه. والضمير فى
" أمامه " يجوز أن يعود إلى يوم القيامة. أى بل يريد الإِنسان ليكذب
بيوم القيامة، الثابت الوقوع فى الوقت الذى يشاؤه الله - عز وجل -. ويجوز أن يعود
على الإِنسان، فيكون المعنى بل يريد الإِنسان أن يستمر فى فجوره وتكذيبه بيوم
القيامة فى الحال وفى المآل. أى أن المراد بأمامه مستقبل أيامه. وجئ بلفظ "
أيان " الدال على الاستفهام للزمان البعيد، للإِشعار بشدة تكذيبهم، وإصرارهم
على عدم وقوعه فى أى وقت من الأوقات. ثم ساق - سبحانه - جانبا من أهوال يوم
القيامة، على سبيل التهديد والوعيد لهؤلاء المكذبين. فقال { فَإِذَا بَرِقَ
ٱلْبَصَرُ. وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ. وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ. يَقُولُ
ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ }. و " برق " - بكسر الراء
وفتحها - دهش وفزع وتحير ولمع من شدة شخوصه وخوفه. يقال برق بصر فلان - كفرح ونصر
- إذا نظر إلى البرق فدهش وتحير. والمراد بخسوف القمر انطماس نوره، واختفاء ضوئه.
والمراد بجمع الشمس والقمر اقترانهما ببعضهما بعد افتراقهما واختلال النظام
المعهود للكون، اختلالا تتغير معه معالمه ونظمه. وجواب { إذا } قوله { يَقُولُ
ٱلإِنسَانُ } أى فإذا برق بصر الإِنسان وتحير من شدة الفزع والخوف، بعد أن رأى ما
كان يكذب به فى الدنيا. والتعريف فى البصر للاسغراق إذ أبصار الناس جميعا فى هذا
اليوم، تكون فى حالة فزع، إلا أن هذا الفزع يتفاوت بينهم فى شدته. { وَخَسَفَ
ٱلْقَمَرُ } أى ذهب ضوؤه. وانطمس نوره. { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } أى
وقرن بينهما بعد أن كانا متفرقين.
والتصقا بعد أن كانا متباعدين، وغاب ضوؤهما بعد أن كانا منيرين. { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } أى فإذا ما تم كل ذلك، يقول الإِنسان فى هذا الوقت الذى يبرق فيه البصر، ويخسف فيه القمر، ويجمع فيه بين الشمس والقمر أين المفر. أى أين الفرار من قضاء الله - تعالى - ومن قدره وحسابه. فالمفر مصدر بمعنى الفرار.. والاستفهام بمعنى التمنى أى ليت لى مكانا أفر إليه مما أراه. وقوله - سبحانه - { كَلاَّ لاَ وَزَرَ. إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } إبطال لهذا التمنى، ونفى لأن يكون لهذا الإِنسان مهرب من الحساب. والوزر المراد به الملجأ والمكان الذى يحتمى به الشخص للتوقى مما يخافه، وأصله، الجبل المرتفع المنيع، من الوِزْر وهو الثقل. أى كلا لا وزر ولا ملجأ لك. أيها الإِنسان - من المثول أمام ربك فى هذا اليوم للحساب والجزاء. ومهما طال عمرك، وطال رقادك فى قبرك.. فإلى ربك وحده نهايتك ومستقرك ومصيرك، فى هذا اليوم الذى لا محيص لك عنه. وقوله - سبحانه - { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } بيان لما يحدث له يوم القيامة، أى يخبر الإِنسان فى هذا اليوم بما قدم من أعمال حسنة. وبما أخر منها فلم يعملها، مع أنه كان فى إمكانه أن يعملها، والمقصود بالآية المجازاة على الأعمال لا مجرد الإِخبار. قال الإِمام ابن كثير قوله - تعالى - { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } أى يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها أولها وآخرها، صغيرها وكبيرها، كما قال - سبحانه -{ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } ثم أكد - سبحانه - هذا المعنى بقوله { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ }. والبصيرة هنا بمعنى الحجة الشاهدة عليه، وهى خبر عن المبتدأ وهو { ٱلإِنسَانُ } والجار والمجرور متعلق بلفظ بصيرة والهاء فيها للمبالغة، مثل هاء علامة ونسابة. أى بل الإِنسان حجة بينة على نفسه، وشاهدة بما كان منه من الأعمال السيئة، ولو أدلى بأية حجة يعتذر بها عن نفسه. لم ينفعه ذلك. قال صاحب الكشاف { بَصِيرَةٌ } أى حجة بينة، وصفت بالبصارة على المجاز، كما وصفت الآيات بالإِبصار فى قوله{ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً } أو عين بصيرة والمعنى أنه ينبأ بأعماله، وإن لم ينبأ ففيه ما يجزئ عن الإِنباء، لأنه شاهد عليها بما عملت، لأن جوارحه تنطق بذلك، كما قال - تعالى -{ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } أى ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن نفسه ويجادل عنها. وعن الضحاك ولو أرخى ستوره، وقال المعاذير الستور، واحدها معذار، فإن صح فلأنه يمنع رؤية المحتجب، كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب. فإن قلت أليس قياس المعذرة أن تجمع معاذر لا معاذير؟ قلت المعاذير ليس بجمع معذرة، إنما هو اسم جمع لها.
ونحوه المناكير فى المنكر. فالمقصود بهاتين الآيتين بيان أن الإِنسان لن يستطيع أن يهرب من نتائج عمله مهما حاول ذلك، لأن جوارحه شاهدة عليه، ولأن أعذاره لن تكون مقبولة، لأنها جاءت فى غير وقتها، كما قال - تعالى - { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ }. ثم أرشد الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم إلى ما يجب عليه عند تبليغ القرآن إليه عن طريق الوحى. فقال - سبحانه - { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }. والضمير فى { به } يعود إلى القرآن الكريم المفهوم من المقام. والمراد بقوله { لاَ تُحَرِّكْ } نهيه صلى الله عليه وسلم عن التعجيل فى القراءة. والمقصود بقوله قرآنه، قراءته عليك، وتثبيته على لسانك وفى قلبك بحيث تقرؤه متى شئت فهو مصدر مضاف لمفعوله. قال الآلوسى قوله { وَقُرْآنَهُ } أى إثبات قراءته فى لسانك، فالقرآن هنا، وكذا فيما بعده، مصدر كالرجحان بمعنى القراءة.. مضاف إلى المفعول وقيل قرآنه، أى تأليفه على لسانك.. أى لا تتعجل - أيها الرسول الكريم - بقراءة القرآن الكريم عندما تسمعه من أمين وحينا جبريل - عليه السلام -، بل تريث وتمهل حتى ينتهى من قراءته ثم اقرأ من بعده، فإننا قد تكفلنا بجمعه فى صدرك وبقراءته عليك عن طريق وحينا، وما دام الأمر كذلك، فمتى قرأ عليك جبريل القرآن فاتبع قراءته ولا تسبقه بها، ثم إن علينا بعد ذلك بيان ما خفى عليك منه، وتوضيح ما أشكل عليك من معانيه. قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه هذا تعليم من الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم فى كيفية تلقيه الوحى من الملك، فإنه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك فى قراءته. روى الشيخان وغيرهما عن ابن عباس قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك شفتيه - يريد أن يحفظه مخافة أن يتفلت منه شئ، أو من شدة رغبته فى حفظه - فأنزل الله - تعالى - هذه الآيات. فأنت ترى أن الله - تعالى - قد ضمن لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يجمع له القرآن فى صدره وأن يجريه على لسانه، بدون أى تحريف أو تبديل، وأن يوضح له ما خفى عليه منه. قالوا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ما نزل عليه الوحى بعد ذلك بالقرآن، أطرق وأنصت، وشبيه بهذه الآيات قوله - سبحانه -{ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } ثم عادت السورة الكريمة مرة أخرى إلى الحديث عن يوم القيامة، وعن أحوال الناس فيه، وعن حالة الإِنسان فى وقت الاحتضار، وعن مظاهر قدرته - تعالى - وعن حكمته فى البعث والحساب والجزاء، فقال - سبحانه - { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ... }..
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ [20] وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ [21] وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ [22] إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [23] وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ [24] تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [25] كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ [26] وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ [27] وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ [28] وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [29] إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [30] فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ [31] وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ [32] ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ [33] أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ [34] ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ [35] أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [36] أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ [37] ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ [38] فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ [39] أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ [40]
[ القيامة : 20 – 40 ]
قوله - سبحانه - { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ
ٱلآخِرَةَ } بيان لما جبل عليه كثير من الناس، من إيثارهم منافع الدنيا الزائلة،
على منافع الآخرة الباقية، وزجر ونهى لهم عن سلوك هذا المسلك، الذى يدل على قصر
النظر، وضعف التفكير. أى كلا - أيها الناس - ليس الرشد فى أن تتركوا العمل الصالح
الذى ينفعكم يوم القيامة، وتعكفوا على زينة الحياة الدنيا العاجلة.. بل الرشد كل
الرشد فى عكس ذلك، وهو أن تأخذوا من دنياكم وعاجلتكم ما ينفعكم فى آخرتكم، كما قال
- سبحانه
-{ وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ
نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } وشبيه بهاتين
الآيتين قوله - تعالى
-{ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ
يَوْماً ثَقِيلاً } ثم بين - سبحانه - حال السعداء والأشقياء يوم القيامة فقال { وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }. وقوله { ناضرة } اسم فاعل من
النَّضْرة - بفتح النون المشددة وسكون الضاد - وهى الجمال والحسن. تقول وجه نضير،
إذا كان حسنا جميلا. وقوله { باسرة } من البسور وهو شدة الكلوح والعبوس، ومنه قوله
- تعالى
-{ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } يقال بسَر فلان
يبسُر بسُورا، إذا قبض ما بين عينيه كراهية للشئ الذى يراه. والفاقرة الداهية
العظمية التى لشدتها كأنها تقصم فقار الظهر. يقال فلان فقرته الفاقرة، أى نزلت به
مصيبة شديدة أقعدته عن الحركة. وأصل الفَقْر الوسم على أنف البعير بحديدة أو نار
حتى يخلُصَ إلى العظم أو ما يقرب منه. والمراد بقوله { يومئذ } يوم القيامة الذى
تكرر ذكره فى السورة أكثر من مرة. والجملة المقدرة المضاف إليها " إذ "
والمعوض عنها بالتنوين تقديرها يوم إذ برق البصر. والمعنى يوم القيامة، الذى يبرق
فيه البصر، ويخسف القمر.. تصير وجوه حسنة مشرقة، ألا وهى وجوه المؤمنين الصادقين..
وهذه الوجوه تنظر إلى ربها فى هذا اليوم نظرة سرور وحبور، بحيث تراه - سبحانه -
على ما يليق بذاته، وكما يريد أن تكون رؤيته - عز وجل - بلا كيفية، ولا جهة، ولا
ثبوت مسافة. وهناك وجوه أخرى تصير فى هذا اليوم كالحة شديدة العبوس، وهى وجوه
الكافرين والفاسقين عن أمر ربهم، وهذه الوجوه { تَظُنُّ } أى تعتقد أو تتوقع، أن
يفعل بها فعلا يهلكها، ويقصم ظهورها لشدته وقسوته. وجاء لفظ " وجوه " فى
الموضعين منكرا، للتنويع والتقسيم، كما فى قوله - تعالى -{ فَرِيقٌ
فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } وكما
فى قول الشاعر
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُسَاءُ
ويوم نُسَر |
|
وقد أخذ العلماء من قوله - تعالى - { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } أن الله - تعالى - يتكرم على عباده المؤمنين فى هذا اليوم، فيربهم ذاته بالكيفية التى يريدها - سبحانه -.ومنهم من فسر { نَّاضِرَةٌ } بمعنى منتظرة، أى منتظرة ومتوقعة ما يحكم الله - تعالى - به عليها. قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله - عز وجل - فى الدار الآخرة، فى الأحاديث الصحاح، من طرق متواترة عند أئمة الحديث، لا يمكن دفعها ولا منعها. لحديث أبى سعيد وأبى هريرة - وهما فى الصحيحين - " أن ناسا قالوا يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال " هل تضارون فى رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب " قالوا لا، قال " فإنكم ترون ربكم كذلك ". وفى الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال " نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال " إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر ". ثم قال ابن كثير - رحمه الله - وهذا - بحمد الله - مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة. كما هو متفق عليه بين أئمة الإِسلام، وهداة الأنام. ومن تأول { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } فقال تنتظر الثواب من ربها.. فقد أبعد هذا القائل النجعة، وأبطل فيما ذهب إليه. وأين هو من قوله - تعالى -{ كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } قال الشافعى ما حجَب الفجار إلا وقد علم أن الأبرار يرونه - عز وجل -. ثم زجر - سبحانه - الذين يكذبون بيوم الدين، ويؤثرون العاجلة على الآجلة، زجَرهم بلون آخر من ألوان الردع والزجر، حيث ذكرهم بأحوالهم الأليمة عندما يودعون هذه الدنيا فقال { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ. وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ }. والضمير فى { بَلَغَتِ } يعود إلى الروح المعلومة من المقام. كما فى قوله - تعالى -{ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ.. } ومنه قول الشاعر
أماوى ما يغنى الثراء عن الفتى إذا
حشرجت يوما وضاق بها الصدر |
|
والتراقى جمع تَرْقُوه، وهى العظام المحيطة بأعالى الصدر عن يمينه،
وعن شماله، وهى موضع الحشرجة، وجواب الشرط محذوف. أى حتى إذا بلغت روح الإِنسان
التراقى، وأوشكت أن تفارق صاحبها.. وجد كل إنسان ثمار عمله الذى عمله فى دنياه،
وانكشفت له حقيقة عاقبته. والمقصود من الآية الكريمة وما بعدها الزجر عن إيثار
العاجلة على الآجلة. فكأنه - تعالى - يقول احذروا - أيها الناس - ذلك قبل أن
يفاجئكم الموت، وقبل أن تبلغ أرواحكم نهايتها، وتنقطع عند ذلك آمالكم. وقوله -
سبحانه - { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } بيان لما يقوله أحباب الإِنسان الذى بلغت روحه
التراقى، على سبيل التحسر والتوجع واستبعاد شفائه. و { من } اسم استفهام مبتدأ. و
{ راق } خبره، وهو اسم فاعل من الرُّقية، وهى كلام يقوله القائل، أو فعل يفعله
الفاعل من أجل شفاء المريض.
والمراد به هنا مطلق الطبيب الذى يرجى على يديه الشفاء لهذا المحتضر. أى اذكروا - أيها الناس - وقت بلوغ الروح نهايتها، ووقت أن وقف من يهمهم أمر المريض مستسلمين لقضاء الله - تعالى - وملتمسين من كل من بيده شفاء مريضهم، أن يتقدم لإِنقاذه مما هو فيه من كرب، ولكنهم لا يجدون أحدا يحقق لهم آمالهم. قال الآلوسى قوله { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } أى وقال من حضر صاحبها، من يرقيه وينجيه مما هو فيه، من الرقية، وهو ما يستشفى به الملسوع والمريض من الكلام المعد لذلك، ولعله أريد به مطلق الطبيب، أعم من أن يطب بالقول أو بالفعل.. والاستفهام عند البعض حقيقى. وقيل هو استفهام استبعاد وإنكار. أى قد بلغ هذا المريض مبلغا لا أحد يستطيع أن يرقيه. وقيل هذا الكلام من كلام ملائكة الموت. أى أيكم يرقى بروحه، أملائكة الرحمة، أم ملائكة العذاب، من الرقى وهو العروج. والاستفهام عليه حقيقى. ووقف حفص رواية عن عاصم على { من } وابتدأ بقوله { راق } وكأنه قصد أن لا يتوهم أنهما كلمة واحدة، فسكت سكتة لطيفة، لتشعر أنهما كلمتان. والضمير فى المستتر فى قوله - تعالى - { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } يعود إلى هذا الإِنسان الذى أشرف على الموت، والذى بلغت روحه نهاية حياتها، والظن هنا بمعنى اليقين، أو بمعنى العلم المقارب لليقين. أى وأيقن هذا المحتضر، أو توقع أن نهايته قد اقتربت، وأنه عما قليل سيودع أهله وأحبابه.. وسيفارقهم فراقا لا لقاء بعده، إلا يوم يقوم الناس للحساب. وقوله - تعالى - { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } أى والتوت والتصقت إحدى ساقيه بالأخرى. عند سكرات الموت وشدته، فصارتا متلاصقتين لا تكاد إحداهما تتزحزح عن الأخرى، فكأنهما ملتفتان. ويصح أن يكون المعنى والتفت الساق بالساق عند وضع هذا الذى أدركه الموت فى كفنه، لأن هذا الكفن قد ضم جميع جسده، والتصقت كل ساق بالأخرى. ومنهم من يرى أن هذه الآية الكريمة كناية عن هول الموت وشدته كما فى قوله - تعالى -{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } والعرب لا تذكر الساق إلا فى المحن والشدائد العظام، ومنه قولهم قامت الحرب على ساق. قال صاحب الكشاف " والتفت " ساقه بساقه والتوت عليها عند الموت، وعن قتادة ماتت رجلاه فلا تحملانه وقد كان عليهما جوالا. وقيل التفت شدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة، على أن الساق مثل فى الشدة. وعن سعيد ابن المسيب هما ساقاه حين تلفان فى أكفانه. وقوله - سبحانه - { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } أى إلى ربك - أيها الرسول الكريم - مساق الناس ومرجعهم - لا إلى غيره - يوم القيامة.
. لكى يحاسبوا على أعمالهم. فالمساق مصدر ميمى من ساق الشئ إذا سيره أمامه إلى حيث يريد. ثم بين - سبحانه - جانبا من الأسباب التى أدت إلى سوء عاقبة المكذبين للحق، فقال - تعالى - { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ. وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ. ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ }. والفاء للتفريع على ما تقدم، من قوله - تعالى -{ أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } إلخ. أو للتفريع والعطف على قوله - سبحانه - { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ }.. أى أن هذا الإِنسان الذى أنكر الحساب والجزاء، وفارق الحياة، كانت عاقبة أمره خسرا، فلا هو صدق بالحق الذى جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا هو أدى الصلاة التى فرضها الله - تعالى - عليه، ولكنه كذب بكل ذلك، وتولى، وأعرض عن سبيل الرشاد. ثم بعد ذلك { ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } أى ذهب إلى أهله متبخترا متفاخرا، متباهيا بإصراره على كفره وفجوره. وقوله { يَتَمَطَّىٰ } من المط بمعنى المد. وأصله يتمطط، قلبت فيه الطاء حرف علة، ووصف المتبختر فى مشيه بذلك، لأنه يمط خطاه، ويمدها على سبيل الإِعجاب بنفسه، والتباهى بما هو عليه من كفر وضلال. ولم يذكر - سبحانه - المتعلق والمفعول فى الآيات الكريمة، للإِشعار بأن هذا الإِنسان الجاحد الجاهل.. لم يصدق بشئ من الحق، ولم يؤد الله - تعالى - فرضا ولا سنة، ولكنه استمر على تكذيبه وإعراضه عن الصراط المستقيم، ولم يكتف بكل ذلك، بل تفاخر وتباهى أمام غيره بما هو عليه من باطل. وقوله - سبحانه - { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ. ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } دعاء على هذا الإِنسان الشقى، المصر على إعراضه عن الحق.. بالهلاك وسوء العاقبة. و { أولى } اسم تفضيل من وَلِىَ، وفاعله ضمير محذوف يقدره كل قائل أو سامع بما يدل على المكروه. والكاف فى قوله { لك } للتبين، والكاف خطاب لهذا الإِنسان المخصوص بالدعاء عليه. وقوله { فَأَوْلَىٰ } تأكيد لقوله { أَوْلَىٰ لَك } وجملة { ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } مؤكدة للجملة الأولى. أى أجدر بك هذا الهلاك الذى ينتظرك قريبا - أيها الإِنسان - الجاحد، ثم أجدر بك، لأنك أصررت على كل ما هو باطل وسوء. قال القرطبى ما ملخصه هذا تهديد بعد تهديد، ووعيد بعد وعيد.. روى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد ذات يوم، فاستقبله أبو جهل على باب المسجد، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فهزه مرة أو مرتين ثم قال " أولى لك فأولى " فقال أبو جهل أتهددنى - يا محمد - فو الله إنى لأعز أهل هذا الوادى وأكرمه، ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال لأبى جهل. وجئ بحرف " ثم " فى عطف الجملة الثانية على الأولى، لزيادة التأكيد، وللارتقاء فى الوعيد، وللإِشعار بأن التهديد الثانى أشد من الأول، كما فى قوله - تعالى
{ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } ثم
ختم - سبحانه - السورة الكريمة بالإِشارة إلى الحكمة من البعث والجزاء، وببيان
جانب من مظاهر قدرته فقال { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى }.
والاستفهام للإِنكار كما قال فى قوله - تعالى - قبل ذلك{ أَيَحْسَبُ
ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } و " سُدَى
" - بضم السين مع القصر - بمعنى مهمل. يقال إبل سُدًى، أى مهملة ليس لها راع
يحميها.. وهو حال من فاعل " يترك ". أى أيظن هذا الإِنسان الذى أنكر
البعث والجزاء، أن نتركه هكذا مهملا، فلا نجازيه على أعماله التى عملها فى الدنيا؟
إن كان يحسب ذلك هفو فى وهم وضلال، لأن حكمتنا قد اقتضت أن نكرم المتقين، وأن
تعاقب المكذبين. والاستفهام فى قوله { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ
يُمْنَىٰ.. } للتقرير، والنطفة القليل من الماء و { يُمْنَىٰ } يراق هذا المنى فى
رحم المرأة. أى كيف يحسب هذا الإِنسان أنه سيترك سدى؟ ألم يك فى الأصل قطرة ماء
تصب من الرجل فى رحم المرأة وتراق فيه؟ بل إنه كان كذلك. ثم { كَانَ } بعد ذلك {
عَلَقَةً } أى قطعة دم متجمد { فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } أى فخلقه الله - تعالى - خلقا
آخر بقدرته، وسواه فى أحسن تقويم، كما قال{ لَقَدْ
خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.. } وجملة
{ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } بمثابة النتيجة
بعد المقدمات والأدلة. أى أليس ذلك الرب العظيم الشأن والقدرة، الذى أحسن كل شئ
خلقه والذى خلق الإِنسان فى تلك الأطوار المتعددة.. أليس ذلك الإِله صاحب الخلق
والأمر. { بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } وعلى أن يعيدهم إلى
الحياة مرة أخرى، ليجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى؟
بلَى إنه لقادر على ذلك قدرة تامة. وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه
الآية جملة من الأحاديث منها أن رجلا كان إذا قرأ هذه الآية قال سبحانك اللهم
وبلَى. فسئل عن ذلك فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. وصلى الله
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.