سبحان الذي اسرى بعبده ليلا (الخامس) - الاسراء والمعراج (5) - محمود شلبي
( سبجان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله )
ليلة الاسراء والمعراج العظيمة
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
[ الاسراء 1 ]
افتتحت سورة الإِسراء بتنزيه الله - تعالى - عن كل ما لا يليق بجلاله، كما يدل على ذلك لفظ " سبحان " الذى من أحسن وجوه إعرابه، أنه اسم مصدر منصوب - على أنه مفعول مطلق - بفعل محذوف، والتقدير سبحت الله - تعالى - سبحانا أى تسبيحا، بمعنى نزهته تنزيها عن كل سوء. قال القرطبى " وقد روى طلحة بن عبيد الله الفياض أحد العشرة - أى المبشرين بالجنة - أنه قال للنبى صلى الله عليه وسلم ما معنى سبحان الله؟ فقال " تنزيه الله من كل سوء ". وقوله { أسرى } من الإِسراء، وهو السير بالليل خاصة. قال الجمل يقال أسرى وسرى، بمعنى سار فى الليل، وهما لازمان، لكن مصدر الأول الإِسراء ومصدر الثانى السرى - بضم السين كالهدى - فالهمزة ليست للتعدية إلى المفعول، وإنما جاءت التعدية هنا من الباء. ومعنى أسرى به، صيره ساريا فى الليل. والمراد { بعبده } خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، والإِضافة للتشريف والتكريم. وأوثر التعبير بلفظ العبد، للدلالة على أن مقام العبودية لله - تعالى - هو أشرف صفات المخلوقين وأعظمها وأجلها، إذ لو كان هناك وصف أعظم منه فى هذا المقام لعبر به، وللإِشارة - أيضا - إلى تقرير هذه العبودية لله - تعالى - وتأكيدها، حتى لا يلتبس مقام العبودية بمقام الألوهية، كما التبسا فى العقائد المسيحية، حيث أَلهوا عيسى - عليه السلام -، وأَلهوا أمه مريم، مع أنهما بريئان من ذلك.. قال الشيخ القاسمى نقلا عن الإِمام ابن القيم فى كتاب " طريق الهجرتين " أكمل الخلق أكملهم عبودية لله - تعالى -، ولهذا كان النبى صلى الله عليه وسلم أقرب الخلق إلى الله - تعالى - وأعظمهم عنده جاها، وأرفعهم عنده منزلة، لكماله فى مقام العبودية. وكان صلى الله عليه وسلم يقول " أيها الناس ما أحب أن ترفعونى فوق منزلتى. إنما أنا عبد " وكان يقول " لا تطرونى كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ". وذكره - سبحانه - بسمة العبودية فى أشرف مقاماته فى مقام الإِسراء حيث قال { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ }. وفى مقام الدعوة حيث قال{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ } وفى مقام التحدى حيث قال{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } وقوله { ليلا } ظرف زمان لأسرى. قال صاحب الكشاف " فإن قلت الإِسراء لا يكون إلا بالليل فما معنى ذكر الليل؟. قلت أراد بقوله ليلا بلفظ التنكير، تقليل مدة الإِسراء، وأنه أسرى به بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية.
.. ". وقوله { مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى } بيان لابتداء الإِسراء وانتهائه. أى جل شأن الله - عز وجل - وتنزه عن كل نقص، حيث أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم فى جزء من الليل، من المسجد الحرام الذى بمكة إلى المسجد الأقصى الذى بفلسطين. ووصف مسجد مكة بالحرام، لأنه لا يحل انتهاكه بقتال فيه، ولا بصيد صيده، ولا بقطع شجره. ووصف مسجد فلسطين بالأقصى، لبعده عن المسجد الحرام، إذ المسافة بينهما كان يقطعها الراكب للإِبل فى مدة شهر أو أكثر. قال الآلوسى ووصفه بالأقصى - أى الأبعد - بالنسبة إلى من بالحجاز. وقال غير واحد إنه سمى به لأنه أبعد المساجد التى تزار من المسجد الحرام وبينهما زهاء أربعين ليلة. وقيل - وصف بذلك - لأنه ليس وراءه موضع عبادة فهو أبعد مواضعها... وظاهر الآية يفيد أن الإِسراء كان من المسجد الحرام، فقد أخرج الشيخان والترمذى والنسائى من حديث أنس بن مالك - رضى الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بينا أنا فى الحجر - وفى رواية - فى الحطيم، بين النائم واليقظان، إذ أتانى آت فشق ما بين هذه إلى هذه، فاستخرج قلبى فغسله ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض يقال له البراق فحملت عليه ". وقيل أُسرِى به من بيت أم هانئ بنت أبى طالب، فيكون المراد بالمسجد الحرام الحرم لإِحاطته بالمسجد والتباسه به. فعن ابن عباس - رضى الله عنهما - الحرم كله مسجد. ويمكن الجمع بين هذه الروايات، بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بقى فى بيت أم هانئ لفترة من الليل، ثم ترك فراشه عندها وذهب إلى المسجد، فلما كان فى الحِجْر أو فى الحطيم بين النائم واليقظان، أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العلا. ثم عاد إلى فراشه قبل أن يبرد - كما جاء فى بعض الروايات. وبذلك يترجح لدينا أن وجود الرسول صلى الله عليه وسلم فى تلك الليلة فى بيت أم هانئ، لا ينفى أن الإِسراء بدأ من المسجد الحرام، كما تقرر الآية الكريمة. وقوله { ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } صفة مدح للمسجد الأقصى. أى جل شأن الله الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، الذى أحطنا جوانبه بالبركات الدينية والدنيوية. أما البركات الدينية فمن مظاهرها أن هذه الأرض التى حوله، جعلها الله - تَعالى - مقرا لكثير من الأنبياء، كإبراهيم وإسحاق ويعقوب، وداود وسليمان، وزكريا ويحيى وعيسى. قال - تعالى –
{ وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا.. } وقال - سبحانه - فى شأن إبراهيم{ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } والمقصود بهذه الأرض أرض الشام، التى منها فلسطين. وأما البركات الدنيوية فمن مظاهرها كثرة الأنهار والأشجار والثمار والزروع فى تلك الأماكن. قال بعض العلماء وقد قيل فى خصائص المسجد الأقصى أنه متعبد الأنبياء السابقين، ومسرى خاتم النبيين، ومعراجه إلى السماوات العلا.. وأولى القبلتين وثاني المسجدين، وثالث الحرمين، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه. وقوله - سبحانه - { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ } إشارة الى الحكمة التى من أجلها أسرى الله - تعالى - بنبيه صلى الله عليه وسلم فقوله { لنريه } متعلق بأسرى. و " من " للتبعيض لأن ما رآه النبى صلى الله عليه وسلم وإن كان عظيما إلا أنه مع عظمته بعض آيات الله بالنسبة لما اشتمل عليه هذا الكون من عجائب. أى أسرينا بعبدنا محمد ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله، ثم عرجنا به إلى السماوات العلا، لنطلعه على آياتنا، وعلى عجائب قدرتنا، والتى من بينها مشاهدته لأنبيائنا الكرام، ورؤيته لما نريد أن يراه من عجائب وغرائب هذا الكون. ولقد وردت أحاديث متعددة فى بيان ما أراه الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم فى تلك الليلة المباركة، ومن ذلك ما رواه البخارى عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "... ووجدت فى السماء الدنيا آدم فقال لى جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه ورد على آدم السلام فقال مرحبا وأهلا بابنى، فنعم الابن أنت.. ". وفى رواية للإِمام أحمد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما عرج بى ربى - عز وجل - مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون فى أعراضهم.. ". ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يدل على سعة علمه، ومزيد فضله فقال - تعالى - { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }. أى إنه - سبحانه - هو السميع لأقوال عباده مؤمنهم وكافرهم، مصدقهم ومكذبهم. بصير بما يسرونه ويعلنونه، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب، بدون ظلم أو محاباة. هذا وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآية جملة من المسائل منها 1- أن هذه الآية دلت على ثبوت الإِسراء للنبى صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأما العروج به صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا فقد استدل عليه بعضهم بآيات سورة النجم، وهى قوله - تعالى –
{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية أحاديث كثيرة بأسانيدها ومتونها، وقال فى أعقاب ذكر بعضها قال البيهقى وفى هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسرى به - عليه الصلاة والسلام - من مكة إلى بيت المقدس، وهذا الذى قاله هو الحق الذى لا شك فيه ولا مرية. وقال القرطبى ثبت الإِسراء فى جميع مصنفات الحديث، وروى عن الصحابة فى كل أقطار الإِسلام، فهو من المتواتر بهذا الوجه، وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابيا. 2- قال بعض العلماء ما ملخصه ذهب الاكثرون إلى أن الإِسراء كان بعد المبعث، وأنه قبل الهجرة بسنة. قاله الزهرى وابن سعد وغيرهما. وبه جزم النووى، وبالغ ابن حزم فنقل الإِجماع فيه. وقال كان فى رجب سنة اثنتى عشرة من النبوة. وإختار الحافظ المقدسى أنه كان فى ليلة السابع والعشرين من شهر رجب. والذى تطمئن إليه النفس أن حادث الإِسراء والمعراج، كان بعد وفاة أبى طالب والسيدة خديجة - رضى الله عنها -. ووفاتهما كانت قبل الهجرة بسنتين أو ثلاثة. وفى هذه الفترات التى أعقبت وفاتهما اشتد أذى المشركين بالنبى صلى الله عليه وسلم فكان هذا الحادث لتسليته صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم، ولتشريفه وتكريمه.. 3- من المسائل التى ثار الجدل حولها، مسألة أكان الإِسراء والمعراج فى اليقظة أم فى المنام؟ وبالروح والجسد أم بالروح فقط؟. وقد لخص بعض المفسرين أقوال العلماء فى هذه المسألة فقال اعلم أن هذا الإِسراء به صلى الله عليه وسلم المذكور فى هذه الآية الكريمة زعم بعض أهل العلم أنه بروحه دون جسده، زاعما أنه فى المنام لا فى اليقظة، لأن رؤيا الأنبياء وحى. وزعم بعضهم أن الإِسراء بالجسد، والمعراج بالروح دون الجسد. ولكن ظاهر القرآن يدل على أنه بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما، لأنه قال { بعبده } والعبد مجموع الروح والجسد. ولأنه قال { سبحان } والتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناما لم يكن له كبير شأن حتى يتعجب منه. ولأنه لو كان رؤيا منام لما كان فتنة، ولا سببا لتكذيب قريش له صلى الله عليه وسلم لأن رؤيا المنام ليست محل إنكار لأن المنام قد يرى فيه ما لا يصح. ولأنه - سبحانه - قال { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ } والظاهر أن ما أراه الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم إنما كان رؤيا عن طريق العين ويؤيده قوله - تعالى - { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } ولأنه ثبت فى الأحاديث الصحيحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استعمل فى رحلته البراق، واستعماله البراق يدل على أن هذا الحادث كان بالروح والجسد وفى اليقظة لا فى المنام.
وما ثبت فى الصحيحين عن طريق شريك عن أنس - رضى الله عنه - أن الإِسراء المذكور وقع مناما، لا ينافى ما ذكرنا مما عليه أهل السنة والجماعة، ودلت عليه نصوص الكتاب والسنة من أنه كان يقظة وبالروح والجسد، لإِمكان أنه صلى الله عليه وسلم رأى الإِسراء المذكور مناما، ثم جاءت تلك الرؤيا كفلق الصبح، فأسرى به يقظة تصديقا لتلك الرؤيا المنامية. هذا، ومن العلماء الذين فصلوا القول فى تلك المسألة تفصيلا محققا، القاضى عياض فى كتابه " الشفا " فقد قال - رحمه الله - بعد أن ساق الآراء فى ذلك والحق فى هذا والصحيح - إن شاء الله - أنه إسراء بالروح والجسد فى القصة كلها، وعليه تدل الآية وصحيح الأخبار والاعتبار. ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة، وليس فى الإِسراء بجسده وروحه حال يقظته استحالة.... وما قاله القاضى عياض - رحمه الله - فى هذه المسألة هو الذى نعتقده، ونلقى الله - تعالى - عليه. وبعد أن بين الله - سبحانه - جانبا من مظاهر تكريمه وتشريفه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق إسرائه به. أتبع ذلك بالحديث عما أكرم به نبيه موسى - عليه السلام - فقال { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً... }.
[ معلومات عن مسجد او مصلى قبة الصخرة ]
مصلى قبة الصخرة أحد أجزاء المسجد الأقصى «فالمسجد الأقصى هو كل ما داخل سور الأقصى»، وهو جزء من أحد أهم المساجد الإسلامية في مدينة القدس وفلسطين والعالم الإسلامي، ومن أجمل الأبنية في العالم، إذ تُعتبر قبّته من أهم وأبرز المعالم المعمارية الإسلامية، كما ويُعتبر أقدم بناء إسلامي بقي مُحافظا على شكله وزخرفته، بنى هذا المسجد والقبّة الخليفة عبد الملك بن مروان، حيث بدأ في بنائها عام 66 هـ الموافق 685م، وانتهى منها عام 72 هـ الموافق 691م، وأشرف على بنائها المهندسان رجاء بن حيوة الكندي، وهو من التابعين المعروفين، ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان، وقبّة الصخرة عبارة عن بناء مثمن الأضلاع له أربعة أبواب، وفي داخله تثمينة أخرى تقوم على دعامات وأعمدة أسطوانية، في داخلها دائرة تتوسطها «الصخرة المُشرفة» التي عرج منها النبي محمد إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج،[3]
وترتفع هذه الصخرة نحو 1,5 متراً عن أرضية البناء، وهي غير منتظمة الشكل يتراوح قطرها بين 13 و 18 متراً، وتعلو الصخرة في الوسط قبّة دائرية بقطر حوالي 20 متراً، مطلية من الخارج بألواح الذهب، ارتفاعها 35م، يعلوها هلال بارتفاع 5م.[4]
ويذكر بعض العلماء أن الكنائس التي بناها فرسان الهيكل فيما بعد تأثرت بأسلوب العمارة الإسلامية وبنمط قبة الصخرة، ويظهر ذلك جليًا في قلعة كاستل دل مونتي الإيطالية.[5]
فيما تعتبر قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم الإسلامية في العالم، ذلك أنها إضافة إلى مكانتها وقدسيتها الدينية، تمثل أقدم نموذج في العمارة الإسلامية من جهة، ولما تحمله من روعة فنية وجمالية تطوي بين زخارفها بصمات الحضارة الإسلامية على مر فتراتها المتتابعة من جهة أخرى، حيث جلبت انتباه واهتمام الباحثين والزائرين وجميع الناس من كل بقاع الدنيا، لما امتازت به من تناسق وانسجام بين عناصرها المعمارية والزخرفية، حتى اعتبرت آية في الهندسة المعمارية.
وقد اهتم المسلمون برعاية وعناية قبة الصخرة المشرفة، على مر الفترات الإسلامية المتعاقبة، وبخاصة بعد ما كان يحدث بها من خراب جراء التأثيرات الطبيعية، مثل الهزات الأرضية والعواصف والأمطار والحرائق، فلم يتأخر أي خليفة أو سلطان في ترميمها والحفاظ عليها.
تاريخ مسجد قبة الصخرى :
بنى المصلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عام 72 هـ لاستقطاب المسلمين إلى هذه البقعة المقدسة، وذلك نتيجة لانتقال العاصمة من المدينة المنورة إلى دمشق وإقامة الأمويين في بلاد الشام[محل شك]، ويقع وسط هضبة صخرية واسعة تسمى الحرم الشريف ويقع على امتداد محوره الجامع القبلي.
إن بناء قبة الصخرة هو من أهم معالم المسجد الأقصى المبارك، وقد شرع في إنشائه عبد الملك بن مروان، الخليفة الأموي الخامس، سنة 68 هـ \688 م، حول الصخرة المشرفة الواقعة على صحن مرتفع في وسط ساحة الحرم الشريف، وانتهى البناء سنة 72 هـ \691 م. وقد أقام عبد الملك فوقها بناء مستديرًا مكونًا من قبة خشبية مرتكزة على رقبة مستديرة الشكل، محاطة بست عشرة نافذة. وهذه الرقبة مستندة على رواق مستدير، محمولة على أربعة أركان من الرخام الأبيض المشجر، واثني عشر عمودًا موزعة، بحيث يعقب كل ركن ثلاثة عمد. ويتكون باقي البناء الذي في ظاهر الرواق الداخلي المستدير من مطافين يحوطان به. وهما منفصلان أحدهما عن الآخر برواق وسطي مثمن الشكل. محمول على ثمانية أركان. مؤزرة بالرخام المشجر والملون البديع، وستة عشر عمودًا موزعة، بحيث يعقب كل ركن عمودان. ويربط الأركان والعمد التي بينها بساطل، أي روابط خشبية ملبسة بالنحاس الأصفر المنقوش المذهب. ويعلو البساطل قناطر كلها مزينة بالفص المذهب البديع المزين بأنواع التشجير والتنميق. وقد نص على هذه القناطر سقف مائل من الخشب، دهن باطنه بأشكال هندسية ظريفة، وصفح من الظاهر بأنواع الرصاص. ويشغل باقي المساحة مطاق خارجي يقع بين الرواق الوسطي وجدران البناء الخارجية التي تكون شكلًا مثمنًا، وفي كل ضلع من هذا المثمن المقابل للجهات الأربع باب. وعلى بعد بضعة أمتار خارج الباب الشرقي تقوم فيه السلسلة. وهي بناء جميل كثير الشبه بقبة الصخرة مما جعل بعض الدارسين يعتقد أنه بني نموذجًا لها.
وجدير بالذكر، أن جميع الدراسات والاختبارات الأثرية الكثيرة التي أجراها علماء مختصون على البناء خلال عمليات الصيانة والترميم على مدى الأزمان، أثبتت بما لا يدع مجالًا لأي شك، أن قبة الصخرة، بكامل أساساتها وجدرانها الخارجية، هي من إنشاء عبد الملك بن مروان، وأنها بناء متجانس الأجزاء، لا يضم بقايا أي بناء قديم كما توهم بعضهم.
تسمية مسجد قبة الصخرة :
سُميَّ المسجد مسجد قبة الصخرة بهذا الاسم نسبةً إلى الصخرة المُشرفة التي عرج منها النبي محمد في رحلة الإسراء والمعراج.
إن قبة الصخرة أثر هام في تاريخ العمارة الإسلامية مرتبط بكل مسلم وبعقيدته في الإسراء والمعراج، وهي في العمارة الإسلامية أقدم أثر باق يشهد على نشأة فن العمارة الإسلامية وعلى جمال زخرفة هذا الفن الجديد، وقبة الصخرة أثر يشهد لبانيه خليفة المسلمين الأموي عبد الملك بن مروان بجهده ويوضع لبنة أولى في صرح العمارة الإسلامية.
وصف مسجد قبة الصخرة :
هو بناء من الحجر على تخطيط مثمن طول ضلعه نحو 12,5 متراً وداخل المثمن الخارجي مثمن آخر داخلي وفي كل ضلع من أضلاعه ثلاثة عقود محمولة على عمود وثمانية أكتاف وداخل المثمن الثاني دائرة من 12 عمود وأربعة أكتاف وفوق الدائرة قبة قطرها 20,44 متراً وارتفاع القبة الحالي يبلغ 35,30 متراً عن مستوى التربة، مرفوعة على رقبة أسطوانة فتحت بها 161 نافذة، وهي من الخشب تغطيها من الداخل طبقة من الجبص ومن الخارج طبقة من الرصاص، وللمسجد أربعة أبواب متعامدة.
أما القبب الخارجية والداخلية فهي منظمة على هيكل مركزي، هيكل القبة الخارجية مشبوك على إطار الأسطوانة الخارجية، هذا الإطار مصنوع من جسور خشبية موصولة مع بعضها لتشكل سلسلة دائرية مستمرة فوق هذه الجسور يوجد شبكة خشبية يوضع عليها طبقة الغطاء الخارجية.
وتقع الصخرة المقدسة في مركز هذا المصلى ويعتقد العامة أن هذه الصخرة معلقة بين السماء والأرض وهذا اعتقاد خاطئ. ويوجد أسفل الصخرة كهف به محراب قديم يطلق عليه مصلى الأنبياء، ويحيط بالصخرة حاجز من الخشب المعشق من تجديدات السلطان الناصر محمد بن قلاوون عام 725 هـ، وتحيط بمنطقة الصخرة أربع دعامات من الحجر المغلف ببلاطات الرخام بينها 12 عموداً من الرخام تحمل 16 عقداً تشكل في أعلاها رقبة أسطوانية، تقوم عليها القبة.
الصخرة المشرفة :
هي عبارة عن قطعة ضخمة من الصخر تقع تحت القبة في وسط المصلى، طولها من الشمال إلى الجنوب حوالي 18 متراً، وعرضها من الشرق إلى الغرب حوالي أربعة عشر متراً، وأعلى نقطة فيها مرتفعة عن الأرضية نحو متر ونصف، وحولها حاجز من الخشب المنقوش والمدهون، وحول هذا الحاجز مصلى للنساء وله أربعة أبواب، يفصل بينه وبين مصلى الرجال حاجز من الحديد المشبك.
المغارة :
المغارة تقع تحت الصخرة ويطلق عليها اسم ( مغارة الأرواح ) ، وينزل إليها من الناحية الجنوبية بأحد عشر درجة، وشكلها قريب من المربع وطول كل ضلع حوالي أربعة أمتار ونصف، ولها سقف ارتفاعه ثلاثة أمتار، وفي السقف ثغرة اتساعها متر واحد وعند الباب قنطرة مقصورة بالرخام على عمودين.[6]
الزخرفة :
الزخرفة الداخلية.
الزخارف الداخلية لقبة المسجد الأقصى
غطت معظم أروقة وجدران المصلى من الداخل بالفسيفساء وهي تظهر الفن الإسلامي في الزخرفة كي تشكل وحدة فنية منسجمة في التكوين ومتحدة في الأسلوب، حيث أنّ حجارة الفسيفساء كانت مصنوعة محلياً. أجمل ما في الزخرفة الآيات القرآنية في أعلى أقواس المضلع المثمن الأوسط تعتبر أقدم ما كتب من الخط العربي الجميل، أطلق عليه اسم الخط الجليل. ومجموعة الألواح البرونزية المذهبة التي تغطي بعضها أجزاء من الأبواب الأربعة أو الأفاريز الواصلة بين تيجان أعمدة أرواق هي أجزاء فريدة في العالم لأصالتها ولجمالها وغناها الزخرفي، وتسيطر عليها أوراق العنب والعناقيد المعالجة بمهارة متجددة.
وقد جاء الاستغناء عن الصور الممثلة للإنسان والحيوان وفقًا لأحكام الديانة الإسلامية. واستعيض عنها بالأشكال الطبيعية والرسوم المركبة والتقليدية، مما أعطى المكان رونقًا يمتاز من غيره بما يبحث في النفس من الشعور بالهدوء والطمأنينة والتأمل العميق. والزخرفة بمجموعها مكونة من أشكال متباينة مرنة التكييف، ولا شك أن الفنان الصانع لها كان أمينًا في صنعه على المبادئ الأساسية لأساليب الزخرفة التي كثيرًا ما أهملت، وهي أن تأتي الزينة والزخرفة متنافسين مع المكان الذي تجملانه. وهندسة البناء الداخلية هي التي تطلبت أن تكون الزخرفة على ما جاءت عليه.
وصفوة القول إن قبة الصخرة في هندستها وشكلها وزخرفتها كانت ولا تزال من أجمل وأروع المباني التي أتحف بها العالم. وقلما يوجد في مباني العالم ما يفوقها، أو يضارعها بهاء وروعة وجمالًا. فزيادة على زخرفة سقوفها المذهبة وجدرانها الرخامية ونوافذها الزجاجية تفتن العين بالفسيفساء. وجمال تأليفها، وألوانها التي جاءت كلها على أحسن تناسق وانسجام، وبالأشكال المختلفة التي استعملت، والأساليب، والألوان، ودقة الصنع التي بلغت الحد الأعلى من الكمال. كل هذا جعل من قبة الصخرة أثرًا فريدًا في تاريخ الفن.
قبة الصخرة المشرفة بين التقديس والخزعبلات :
الصخرة المشرفة هي صخرة طبيعية غير منتظمة الشكل تقع في أعلى نقطة من المسجد الأقصى المبارك في موقع قلب المسجد بالضبط، وهي صخرة طبيعية تتراوح أبعادها بين حوالي 13 مترًا و18 مترًا، ويبلغ ارتفاعها حوالي المترين تقريبًا، وقد دارت حولها القصص الخيالية غير الصحيحة بشكل كبير، فمن قال إنها طائرة في الهواء، ومن قال إنها طارت خلف النبي ، ومن قال إن لها نورًا، وغير ذلك..
والحقيقة أنها صخرة عادية ليس فيها أي ميزة إلا أنها كانت قبلة أنبياء بني إسرائيل قبل النبي عليه الصلاة والسلام، وقيل إن النبيعرج من فوقها للسماء ليلة الإسراء والمعراج، وفيها مغارة صغيرة تسمى (مغارة الأرواح) وهي تجويف طبيعي أيضًا وليس فيه أي ميزة خارقة للعادة. وقد بنيت الصخرة المشرفة فوق الصخرة، وهي ظاهرة للعيان إلى اليوم.
وحاكت القصص الشعبية خيالات وخزعبلات كثيرة حول الصخرة المشرفة، ذكرها الكثير من العلماء، وجمعها الأستاذ عيسى القدومي في كتابه (المسجد الأقصى: الحقيقة والتاريخ)، فمن هذه الخزعبلات والأكاذيب التي جمعها الأستاذ القدومي أن الصخرة من صخور الجنة، وأنها سيدة الصخور، وهي معلقة من كل الجهات كما أن مياه الأرض كلها تخرج من تحت هذه الصخرة، وتتحول إلى مرجانة بيضاء.
أيضًا نشرت الأكاذيب عنها أن عليها موضع قدم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وعليها أثر أصابع الملائكة، وأن الماء الذي يخرج من أصل الصخرة، وهي نهر من أنهار الجنة، وأن المياه العذبة والرياح واللواقح من تحت صخرة ببيت المقدس.
قيل أيضًا أنها عرش الله الأدنى، ومن تحتها بسطت الأرض، وأنها وسط الدنيا وأوسط الأرض كلها، وأخيرًا أن لها مكانة الحجر الأسود في الكعبة.
وأكد الدكتور عبد الله معروف في دراسته لمعالم المسجد الأقصى أن العلماء أنكروا هذا التعلق بالصخرة، وبينوا أنها صخرة طبيعية وجزء من المسجد الأقصى، وليس لها أية ميزة خاصة.
ويؤكد الدكتور على أن تنبيه الناس على أمر صخرة بيت المقدس لا يقلل من فضائل المسجد الأقصى وبيت المقدس بالبركة والفضيلة، وثبت عن رسول الله ﷺ في كتب الصحاح والسنن الكثير من الأحاديث التي نصت على ما حباه الله تعالى من الخير والبركة، وبينت الخصائص التي تميز بها المسجد الأقصى وأرضه لما لها من مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة في الشرع الإسلامي. فبركة المسجد الأقصى ثابتة بالكتاب والسنة، ولنا غنى في الصحيح منها عن الموضوع والمكذوب.
وخلاصة الأمر هو أن كل ما قيل في هذه الصخرة أصله من الإسرائيليات، وليس له أصل في المصادر الإسلامية الأساسية سواء القرآن الكريم أو الصحيح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم. وما التركيز على هذا الأمر إلا بسبب انتشار كبير لبعض هذه الخزعبلات بين المسلمين في هذه الأيام، وخاصة مسألة تعليق الصخرة في الهواء!
عظمة معجزة الاسراء والمعراج ومدلولاتها :
ان ليلة الاسراء والمعراج لم تكن ليلة عادية او حدث عادي بل كانت ليلة وظاهرة عظيمة ومعجزة خارقة لم يحدث مثلها في تاريخ البشرية وهذه الليلة تمثل واحدة من اكبر معجزات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ففي هذه الليلة حدثت امور خارقة للطبيعة والقوانين العلمية المعروفة على وجه الارض وحدثت في هذه الليلة امور عظيمة مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهذه الامور لم تحدث مع اي واحد من البشر ولا حتى مع اي واحد من الانبياء الكرام من قبل .وان الله تبارك وتعالى قد ايد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بعدد كبير جدا من المعجزات بلغ عددها الف معجزة او اكثر كما تشير المراجع واكبر هذه المعجزات هو القران الكريم ثم تليها مباشرة معجزة ليلة الاسراء والمعراج المباركة ثم معجزة انشقاق القمر للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
اسباب عظمة معجزة الاسراء والمعراج :
عظمة معجزة الاسراء والمعراج يعود سببها الى امرين
اولهما : هو عظمة الاحداث والامور التي حصلت في هذه الليلة العظيمة والمباركة
وثانيهما : هو عظمة مدلولات ومؤشرات هذه الاحداث
فما هي ليلة الاسراء والمعراج ؟
وما هي الاحداث العظيمة التي حدثت في هذه الليلة المباركة العظيمة ؟
اولا : ما هي ليلة الاسراء والمعراج ؟
وللاجابة على هذا السؤال سنذكر فيما يلى المعلومات الثابتة شرعا عن معجزة ليلة الاسراء والمعراج المباركة والحكمة من حدوث هذه المعجزة العظيمة
وقعت ليلةُ الإسراءِ والمِعراج بحسبِ المشهور من الرّوايات في السّابعِ والعشرينَ من شهرِ رجب في السنة الثانيةَ عشرة من البعثةِ النّبوية،[١] وهيَ ليلةٌ مميزةٌ في التّقويمِ الإسلاميّ، أُسرِيَ فيها برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى على ظَهرِ دابَّةٍ أرسلها الله -سبحانه وتعالى- إليه، وتُسمّى البُراق، وبرفقةِ جبريل -عليه السلام- وصلا معاً إلى المسجد الأقصى وذلك في جزءٍ من الليل، حتّى أُعرِجَ بهما بعدها إلى السّماوات العُلا من هناك انتهاءً إلى بلوغِهم سدرة المنتهى، ورجوعهم إلى البيت الحرامِ من جديد في نفسِ تلك الليلة.[٢][٣]
تزامن وقوعُ هذه المُعجزة مع أحداثٍ مؤلمةٍ عانى منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ كانت قُريش قد فرضت عليهم حِصاراً، و تُوُفّيَ عمُّه أبو طالب الذي كانَ يعصمه ويُدافِع عنه أمامَ قريشٍ، وكانت قد تُوفّيت زوجته العزيزة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، كما كان قبل ذلك خروجه إلى الطائف وضربُهُم إياهُ بالحجارة، فأتت هذه الرحلة الروحانية الكريمة مواساةً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتثبيتاً له، واختباراً لإيمانِ الصّحابة الكِرام.[١]
ثبتَ أمرُ هذه اللّيلةِ في النّصوص الشّرعية، إذ سُمَّيت بها سورةٌ في القرآنِ الكريمِ وهي سورةُ الإسراءِ، وجاءَ في مطلَعِها قوله -تعالى-: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ)،[٤] كما جاءَ في صحيحِ مُسلم أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في هذا الشّأنِ: (أُتِيتُ بالبُراقِ، وهو دابَّةٌ أبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الحِمارِ، ودُونَ البَغْلِ، يَضَعُ حافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قالَ: فَرَكِبْتُهُ حتَّى أتَيْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ، قالَ: فَرَبَطْتُهُ بالحَلْقَةِ الَّتي يَرْبِطُ به الأنْبِياءُ، قالَ ثُمَّ دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فيه رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجاءَنِي جِبْرِيلُ عليه السَّلامُ بإناءٍ مِن خَمْرٍ، وإناءٍ مِن لَبَنٍ، فاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فقالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اخْتَرْتَ الفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بنا إلى السَّماءِ).[٥][٦]
الحكمة من الإسراء والمعراج
تظهرُ الحكمة من وقوعِ حادثةِ الإسراء والمعراج في أمورٍ عدّة، نذكر منها ما يأتي:
الحكمةُ الأولى:
لبيانِ فضل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومكانته عند الله -عزَّ وجلَّ-؛ إذ وصَلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رحلته إلى مكانٍ ومنزلةٍ لم يَصلها غيره قَط مِن رُسلٍ أو ملائكة، حتّى أنّه كانَ يَسمعُ صوتَ صَريف الأقلام، كما أنّه صلّى إماماً بالأنبياءِ جميعهم في المسجدِ الأقصى، وفي اصطفائه للإمامة تشريفٌ له عليهم، لتكونَ هذه الرّحلة من معجزاته وفضائلهِ التي لم يَسبق لأحدٍ قط من الأنبياء وُلُوجها،[٧] كما أنّ في إمامته عليهم؛ إشارةً إلى توحيدِ رسالاتهم جميعاً، وأنّ شريعته -صلى الله عليه وسلم- ناسِخةٌ لشرائعهم، فهم يقتدونَ به، وعلى أتباعهم فعل ذلك.[٨]
الحكمة الثانية:
لمواساةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ذكرنا فيما تَقدَّم ما عانى منه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في تلك الفترة، فجاءت حادثة الإسراء والمِعراج تخفيفاً له ولمن حوله، ورفعاً لمعنويّاتِهم، وتأييدهم بجملةٍ من الرُؤى المستقبليّة.[٩]
الحكمة الثالثة:
تعليماً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشياءً عن الغيبِ حتّى يُبلِّغها بيقينٍ؛ فالبَشَرُ بطبيعتهم يَميلونُ إلى السؤالِ عمّا هو مجهولٌ، والغيبُ عالمٌ لا يُدركهُ الإنسانُ بعقله ولا سبيلَ له إلى تصوُّرهِ سوى بالنّقلِ، إذ رأى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الجنّة والنّار، وصَعد إلى السماوات وشاهدها بتفاصيلها، ثمّ وبفضلِ هذه الحادثة أصبحت أمّة محمّد -صلى الله عليه وسلم- تحمِلُ كنزاً من الغيبِ يدفعها نحوَ الأمامِ ولا يزيدها إلا تثبيتاً وثباتاً على الحقِّ.[١٠]
الحكمة الرابعة:
ليَرى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً من آياتِ الله العظيمةَ الدّالّة على وحدانيته وقُدرته وصِدقِ وَحيه؛ إذ يُرِي الله -عزَّ وجلَّ- رسولهُ الكريمَ الجنّة وشيئاً من نعيمها وهي وَعْدهُ الحقُّ للمؤمنين، كما أراه النّارَ وشيئاً من وعيدِها، وهي وَعْدهُ الحقُّ للظالمينَ والمشركين.[١١]
الحكمة الخامسة :
تجهيزُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لملاقاةِ ربّه بشقّ الصّدر؛ إذ يروي الإمامُ مسلم في صحيحه أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فُرِجَ سَقْفُ بَيْتي وأنا بمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِن ماءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جاءَ بطَسْتٍ مِن ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وإيمانًا فأفْرَغَها في صَدْرِي، ثُمَّ أطْبَقَهُ، ثُمَّ أخَذَ بيَدِي فَعَرَجَ بي إلى السَّماءِ)،[١٢] والمغزى أنّه غسل قلبه فلم يبقَ فيه شيءٌ إلّا الإيمان.[٨]
الحكمة السادسة :
تشريفُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصعوده على البُراق؛ فالبُراقٌ كما تقدم، مخلوقٌ من مخلوقاتِ الجنّة، وهو كحصانِ الطائِر دونَ تشبيهٍ، ولا شكَّ أنّ في إرساله خصيصاً ليحملَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الأعلى فيه تشريفٌ وتعظيمٌ لشأنِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-.[٨]
الحكمة السابعة : دلالةُ اختياره للمسجد الأقصى ليكونَ مسرى رسوله الكريم؛ فالمسجدُ الأقصى هو أولى القبلتين، وله قداسةٌ ومكانةٌ في نفوسِ المسلمين، ولعلّ اختياره ليكونَ مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تأكيداً لهذه القداسة وتمكيناً لها، وهي دعوةٌ إلى شدّ الرّحالِ إليهِ، والدّفاعُ عنه، وتحريره.[٨]
الحكمة الثامنة : في الإسراءِ والمعراجِ إعلانٌ لعموميةِ الرّسالة التي جاءَ بها الإسلام وشمولها وصلاحها لكلِّ زمانٍ ومكان؛ إذ يتضمّن ما جرى من جعْل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إماماً لهذه البشرية بإمامته للرُّسل جميعهم في الصّلاة، لتكونَ بذلكَ رسالته عالميةً ناسخةً لجميع الرسالات مِنَ الشّرق إلى الغرب، فهو خاتِمهم وأفضلهم، ووَصَل إلى منزلةٍ عاليةٍ لم يصلها أحدٌ سواه، لا مَلَكٌ مُقرب ولا نبيٌ مرسل، فهو خير البَرِيّة وأفضلُ الخلق -صلواتُ الله وسلامه عليه-.[١٣]
ما هي الاحداث العظيمة التي حدثت في هذه الليلة المباركة العظيمة ؟
الاحداث العظيمة التي حصلت في هذه الليلة المباركة هي الآيات الكبرى التي رآها رسول الله في ليلة الاسراء والمعراج واثناء رحلته الى السماوات العلا ،[١٤] ودليلُ ذلكَ ما جاءَ في القُرآنِ الكريم في قوله -تعالى-: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)،[١٥]
ونذكرُ من هذه الآيات ما يأتي:
اولا : رحلة الاسراءوالمعراج بكاملها (ذهابا وايابا) تمت في ليلة واحدة فقط وهي ليلة الاسراء والمعراج المباركة.
من الثابت شرعا ان عملية الاسراء بالرسول الكريم من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ثم العروج به من المسجد الاقصى الى السموات العلا ثم الهبوط به الى المسجد الاقصى ثم عودته الى المسجد الحرام في مكة ،جميعها تمت في ذات الليلة المباركة.
عظمة هذا الحدث وعظمة مدلولاته :
اول مظاهر العظمة والاعجاز في معجزة الاسراء والمعراج ان الرسول الكريم قد اسري به من المسجد الحرام في مكة المكرمةالي المسجد الاقصى في فلسطين ثم رجع الى المسجد الحرام في ذات الليلة والمسافة بين المسجد الحرام والمسجد الاقصى تبلغ 1235 كيلومتر وكانت القوافل في عهد الرسول تحتاج اكثر من شهر لاتمام هذه الرحلة ذهابا وايابا، والاعظم اعجازا من ذلك هو ان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد عرج به من المسجد الاقصى الى السموات العلا ثم هبط الى المسجد الاقصى ومنه رجع الى المسجد الحرام في نفس الليلة المباركة، ولا احد يعلم سوى الله تبارك وتعالى كم يلزم من الزمن لاتمام عملية العروج في السماء في مقاييس البشر، وكل ما نعلمه بهذا الصدد هو ما ورد في القرأن الكريم في الاية الكريمة
بسم الله الرحمن الرحيم
تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة
( المعارج : 4 )
ولكن بقدرة الله تبارك وتعالى فان رحلة الاسراء والمعراج ذهابا وايابا تمت في ليلة واحدة اي خلال مدة تتراوح بين 6 الى 8 ساعات فقط ( ملاحظة :المدة الزمنية بالساعات تم التوصل لها بحسب التقدير المرتكز عل المنطق وهذا مجرد تقدير وتخمين بحسب المنطق وقد يكون هذا التخمين غير صحيح والله اعلم )
ثانيا : اجتمع الرسول الكريم مع جميع الانبياء والرسل الكرام وصلى بهم إماما في المسجد الاقصى المبارك :
من الثابت شرعا ان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد اجتمع بجميع الانبياء في المسجد الاقصى وام بهم في الصلاة في المسجد الاقصىفقد ثبت في السنَّة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلَّم أمَّ إخوانه الأنبياء في رحلته إلى بيت المقدس .
1) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
( ... وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّى فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَائِمٌ يُصَلِّي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَائِمٌ يُصَلِّى أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ – يَعْنِي : نَفْسَهُ - فَحَانَتِ الصَّلاَةُ فَأَمَمْتُهُمْ . رواه مسلم ( 172) .
2) عن ابن عباس قال : فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي فَالْتَفَتَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ . رواه أحمد ( 4 / 167 ) وفي إسناده كلام ، لكن يشهد له ما قبله .
وقداختلف العلماء هل كانت تلك الصلاة قبل عروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء أم بعد أن هبط منها ، والراجح : الأول .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
قال عياض : يحتمل أن يكون صلَّى بالأنبياء جميعاً في بيت المقدس ، ثم صعد منهم إلى السماوات مَن ذُكر أنه صلى الله عليه وسلم رآه ، ويحتمل أن تكون صلاته بهم بعد
أن هبط من السماء فهبطوا أيضاً ... .
والأظهر : أن صلاته بهم ببيت المقدس كان قبل العروج .
" فتح الباري " ( 7 / 209) .
جميع المسلمين يعلمون بان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد اجتمع بجميع الانبياء والرسل في المسجد الاقصى وانه لما حان وقت الصلاة صلى الرسول الكريم معهم وكان الرسول الكريم هو الامام في هذ الصلاة وجميع المسلمين يعلمون هذه الحقيقة الثابتة شرعا كما جاء في احاديث كثيرة ولكن البعض يعتقد مخطئا بان عدد هؤلاء الانبياء والرسل الكرام هو 25 فقط (وهو عدد الانبياء الذين ذكروا في القران ) ، ولهذا فان الكثير من الناس سيشعر بالصدمة عندما يعلم بان عدد الانبياء والرسل الذين أمهم رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) في الصلاة في المسجد الاقصى هو ( 124000 نبيا ورسولا منهم 315 رسول )
عندما تعلم هذه الحقيقة الصادمة ستدرك حتما مدى عظمة هذا الحدث
فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد صلى اماما بهذا العدد الكبير من الانبياء والرسل الكرام عليهم السلام اجمعين وهم جميع الانبياء والرسل الكرام الذين بعثهم الله تبارك وتعالى لهداية الناس منذ عهد ادم عليه السلام وحتى بعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فاجتماع جميع هؤلاء الانبياء والرسل الكرام معا في وقت واحد هو بحد ذاته حدث عظيم ورؤية الرسول الكريم لجميع هؤلاء الانبياء والرسل الكرام هو ايضا حدث عظيم
ان صلاة الرسول الكريم مع جميع الانبياء والرسل في المسجد الاقصى هو بحد ذاته حدث عظيم لان هذه الصلاة هي اعظم صلاة لله تبارك وتعالى تمت على وجه الارض وعظمة هذه الصلاة يعود الى حقيقية ان جميع المصلين هم من الانبياء والرسل الكرام والامام في هذه الصلاة هو الرسول الكريم الحبيب واشرف الخلق وخاتم الانبياء والمرسلين . وعظمة هذه الصلاة تعود الى عظمة عدد المصلين فيها حيث بلغ عددهم 124 الف مصلي والاهم من ذلك هو مكانة ومنزلة هؤلاء المصلين ، فهم ليسوا اناسا عاديين وانما هم جميعهم انبياء ورسل كرام اصطفاهم الله تبارك وتعالى من خيرة الناس والبشر فهم من افضل واحسن الناس في الايمان والاخلاق واصطفاهم الله عز وجل ليقوموا بهداية الناس الى طريق الهداية ولكي يكونوا قدوة للناس في الايمان والتقوى والاخلاق، ومن مظاهر عظمة هذا الحدث هو ان هؤلاء الانبياء والرسل الكرام قد ارسلهم الله تبارك وتعالى في عصور وازمنة مختلفة ومتتالية من تاريخ البشرية منذ عهد ادم عليه السلام وحتى عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ولهذه الصلاة مدلولا عظيما ومعنى كبير جدا ، فالرسول الكريم صلى الله عليه هو وسلم هو خاتم الانبياء والرسل ، واجتماع الرسول الكريم مع جميع هؤلاء الانبياء والرسل الكرام هو بمثابة اشارة الى ان البشرية جمعاء قد دخلت في المرحلة الختامية من الوجود وان يوم القيامة بات قريبا جدا ، فالله تبارك وتعالى قد ارسل جميع الرسل والانبياء وارسل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الانبياء والمرسلين ولا نبي بعده وهذا يعني بان وجود بني ادم و البشرية اصبح في المرحلة الختامية وان يوم القيامة اصبح قريبا جدا . وهذا يعتبر امرا عظيما ومن اعظم الامور .
وهذا ثابت في الاحاديث الشريفة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْن ) يعني : إصبعين ،
وجاء عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه مرفوعا بلفظ ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعة هكذا - ويشير بأصبعيه فيمدُّ بهما - ) رواه البخاري ( 6138 ) ومسلم ( 2950 )
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه ( 867 ) عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرَّت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول " صبَّحكم ومسَّاكم " ويقول ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ ) ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى .
وخرج الإمام أحمد ( 38 / 36 ) بإسناد حسن من حديث بريدة ( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة جَمِيعاً إِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي ) .
ثالثا : رُؤيةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- لجبريل ؛
جبريل -عليه السلام- هو المَلكُ الذي كانَ يَنزِلُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لِيُبَلِّغُه القرآنُ الكريم، وفي السُّنّة الشريفة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى جبريل على هيئته الحقيقية في حادثةِ الإسراءِ والمِعراج، حيث أخرج التِرمذي في سُننه عن عبد الله بن مسعود ما يأتي: (رَأَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جبرائيلَ في حُلّةٍ من رفرفٍ قد ملأ ما بين السماءِ والأرضِ)،[١٦] وجاءَ في مسند الإمام أحمد: (رأى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ جبريلَ في صورتِه وله ستُّمائةِ جَناحٍ كلُّ جَناحٍ منها قد سدَّ الأفُقَ يسقُطُ مِنْ جَناحِه مِنَ التهاويلِ والدُّرِّ والياقوتِ ما اللهُ به عليمٌ).[١٧][١٨]
رابعا : بلوغُ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لسدرةِ المُنتهى؛
وهي منزلةٌ تقعُ في السّماءِ السّابعة، وقد جاءَ ذِكرُها في القرآنِ الكريم في سورة النَّجم؛ قال -تعالى-: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى)،[١٩] وفي حديثِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمّا جرى في حادثةِ الإسراء والمعراج قال: (ثُمَّ ذَهَبَ بي إلى السِّدْرَةِ المُنْتَهَى، وإذا ورَقُها كَآذانِ الفِيَلَةِ، وإذا ثَمَرُها كالْقِلالِ، قالَ: فَلَمَّا غَشِيَها مِن أمْرِ اللهِ ما غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَما أحَدٌ مِن خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أنْ يَنْعَتَها مِن حُسْنِها).[٢٠][١٨]
خامسا : بلوغه -صلى الله عليه وسلم- البيت المعمور؛
والبيتُ المعمور هو مكانٌ يُصلِّي فيه سبعونَ ألفاً من الملائكة، جاءَ في حديثِ الإسراء والمعراج قوله -صلى الله عليه وسلم-: (فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بإبْراهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلى البَيْتِ المَعْمُورِ، وإذا هو يَدْخُلُهُ كُلَّ يَومٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إلَيْهِ).[٢٠][١٨]
سادسا : رُؤيته لأنهارٍ أربعة؛
إذ جاءَ في حديثِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ليلةِ الإسراء والمِعراج أنّه قال: (رُفِعْتُ إلى السِّدْرَةِ، فإذا أرْبَعَةُ أنْهارٍ: نَهَرانِ ظاهِرانِ ونَهَرانِ باطِنانِ، فأمَّا الظّاهِرانِ: النِّيلُ والفُراتُ، وأَمَّا الباطِنانِ: فَنَهَرانِ في الجَنَّةِ)،[٢٠] ولعلَّ من الأنهار الباطنة المقصودة في الحديثِ نهرُ الكوثر، إذ أخبرنا عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (بيْنَما أنا أسِيرُ في الجَنَّةِ، إذا أنا بنَهَرٍ، حافَتاهُ قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلتُ: ما هذا يا جِبْرِيلُ؟ قالَ: هذا الكَوْثَرُ، الذي أعْطاكَ رَبُّكَ)،[٢١] ولعلَّ النّهر الآخر هو عَينُ السلسبيل الواردُ ذكره في القرآنِ الكريم، قال -تعالى- في كلامه عن نعيمِ الجّنّة: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا* عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا).[٢٢][١٨]
سابعا : كلّم الله -سبحانه وتعالى- رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فيها؛
إذ جرى حوارٌ بين الله -عزَّ وجلَّ- ورسوله الكريم، حيثُ فُرِضتِ الصّلاةُ حينها، وقد روى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنا هذا الحوار، فقال: (فأوْحَى اللَّهُ إلَيَّ ما أوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إلى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: ما فَرَضَ رَبُّكَ علَى أُمَّتِكَ؟ قُلتُ: خَمْسِينَ صَلاةً، قالَ: ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فإنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلكَ، فإنِّي قدْ بَلَوْتُ بَنِي إسْرائِيلَ وخَبَرْتُهُمْ، قالَ: فَرَجَعْتُ إلى رَبِّي، فَقُلتُ: يا رَبِّ، خَفِّفْ علَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى، فَقُلتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قالَ: إنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلكَ، فارْجِعْ إلى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، قالَ: فَلَمْ أزَلْ أرْجِعُ بيْنَ رَبِّي تَبارَكَ وتَعالَى، وبيْنَ مُوسَى عليه السَّلامُ حتَّى قالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَواتٍ كُلَّ يَومٍ ولَيْلَةٍ).[٢٠][٢٣]
ثامنا : رُؤيةُ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- للجَّنَّة والنّار؛
رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجنّة وشيئاً مِن نَعيمها، كما رأى جَهنّم وشيئاً من عذابِها.[٢٤]
تاسعا : رُؤية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنبياءِ الله المرسلين؛
فبالرجوعِ إلى حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رحلته في الإسراء والمعراج؛ كان كلّما صَعِدَ سماءً التقى بأحدِ الأنبياء وصولاً إلى السّماءِ السابعة حيثُ سِدرة المُنتهى، فنجد أنَّه التقى بالمسيحِ عسيى ابنُ مريم وبزكريا -عليهمُ السّلام- أولاً، إذ قال: (فإذا أنا بابْنَيِ الخالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ويَحْيَى بنِ زَكَرِيّا، صَلَواتُ اللهِ عليهما، فَرَحَّبا ودَعَوا لي بخَيْرٍ).[٥][٢٥] ثمّ التقى بيوسف -عليه السلام-، فمن قوله: (فَفُتِحَ لَنا، فإذا أنا بيُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذا هو قدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ، فَرَحَّبَ ودَعا لي بخَيْرٍ)،[٥] ثمّ إدريس -عليه السلام-، حيث قال: (فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بإدْرِيسَ، فَرَحَّبَ ودَعا لي بخَيْرٍ)،[٥] ثمّ هارون -عليه السلام-: (فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بهارُونَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَرَحَّبَ، ودَعا لي بخَيْرٍ)،[٥] ثمّ موسى -عليه السّلام-، قال: (فَفُتِحَ لَنا، فإذا أنا بمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَرَحَّبَ ودَعا لي بخَيْرٍ)،[٥] ثمّ سيدنا إبراهيم -عليه السلام- نهايةً، إذ قال: (فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بإبْراهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلى البَيْتِ المَعْمُورِ).[٥][٢٥]
وجميع هذه الاحداث العظيمة حدثت مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولم تحدث مع اي واحد من البشرولم تحدث حتى مع احد الانبياء والرسل الكرام وان دل ذلك على شيء فانما يدل على فضل الرسول الكريم ومدى عظم مكانته ومنزلته بين الرسل والانبياء الكرام .
تبارك وتعالى الله العلى العظيم و الصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق واشرفهم وخاتم الانبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه اجمعين