وهل يكب الناس في النار على وجوههم الا حصائد السنتهم - محمود شلبي
اضغط على الصورة للتكبير
Click on photo to see it big
( الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يحذر المسلمين من الثرثرة وكثرة الكلام وينهى عن الثرثرة وكثرة الكلام دون تدقيق ودون مبرر و يوصي المسلمين بحفظ اللسان وينهى عن كثره الكلام الا كلاما ظهرت فيه المصلحة )
قال تعالى (ق 18): ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)
فيما يلي احاديث شريفة صحيحة ينهي فيهما الرسول الكريم عن الثرثرة وكثرة الكلام دونما تبين وتقدير لنتائج الكلام وعواقبه
فالمسلم يجب عليه أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه . ففي كثير من الاحيان قد يكون الكلام هو كلام مباح في حد ذاته ولكنه قد يؤدي الى منكر او حرام او مكروه والامثله على ذلك كثيره وعديدة .. فكثيرا ما نسمع بان شخص ما قال بضع كلمات بقصد طيب وبنية حسنة ولكن هذه الكلمات ادت بالنتيجة الى حدوث مشكلة كبيره بين الناس او ادت الى ارتكاب جريمة قتل او ايذاء بعض الناس او ادت الى الايقاع بين الناس ونشوب خلاف اوعراك يؤدي الى مقتل عدة اشخاص فيكون من قال هذه الكلمات هو السبب الذي ادى الى مقتل هؤلاء الاشخاص ويتحمل اثم كل الشر والفساد والقتل الذي نتج عن كلامه الذي قاله ، فيدخل من قال هذه الكلمات النار بسبب ما قاله من الكلام . ولهذا فان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في احاديث كثيره يوصى المسلمين بحفظ اللسان وينهى عن الثرثرة وكثره الكلام الا كلاما ظهرت فيه المصلحة
ومن هذه الاحاديث :
[1] عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه سمع النبي يقول:
(إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومعنى ( ما يتبين فيها ) اي ( لا يتفكر فيما يقوله من الكلام ان كان خيرا ام شرا ولا يحسب نتائج وعواقب كلامه وما يترتب عليه ان كان خيرا ام شرا )
وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان اللَّه تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه اللَّه بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اللَّه تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
[2] عن معاذ بن جبل رضى الله عنه انه قال :
كنتُ معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في سفَرٍ ، فأصبَحتُ يومًا قريبًا منهُ ونحنُ نَسيرُ ، فقلتُ : يا رسولَ اللَّهِ أخبرني بعمَلٍ يُدخِلُني الجنَّةَ ويباعِدُني من النَّارِ ، قالَ : لقد سألتَني عَن عظيمٍ ، وإنَّهُ ليسيرٌ على من يسَّرَهُ اللَّهُ علَيهِ ، تعبدُ اللَّهَ ولا تشرِكْ بِهِ شيئًا ، وتُقيمُ الصَّلاةَ ، وتُؤتي الزَّكاةَ ، وتصومُ رمضانَ ، وتحجُّ البيتَ ، ثمَّ قالَ : ألا أدلُّكَ على أبوابِ الخيرِ : الصَّومُ جُنَّةٌ ، والصَّدَقةُ تُطفي الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ ، وصلاةُ الرَّجلِ من جوفِ اللَّيلِ قالَ : ثمَّ تلا تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ، حتَّى بلغَ يَعْمَلُونَ ، ثمَّ قالَ : ألا أخبرُكَ بِرَأسِ الأَمرِ كلِّهِ وعمودِهِ ، وذِروةِ سَنامِهِ ؟ قلتُ : بلى يا رسولَ اللَّهِ ، قالَ : رأسُ الأمرِ الإسلامُ ، وعمودُهُ الصَّلاةُ ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ ، ثمَّ قالَ : ألا أخبرُكَ بملاكِ ذلِكَ كلِّهِ ؟ قُلتُ : بلَى يا رسولَ اللَّهِ ، قال : فأخذَ بلِسانِهِ قالَ : كُفَّ عليكَ هذا ، فقُلتُ : يا نبيَّ اللَّهِ ، وإنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فقالَ : ثَكِلَتكَ أمُّكَ يا معاذُ ، وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم .
الراوي : معاذ بن جبل | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 2616 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
[3] عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال المتكبرون رواه الترمذي وقال حديث حسن .
الثرثار هو كثير الكلام تكلفا والمتشدق المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه تفاصحا وتعظيما لكلامه والمتفيهق أصله من الفهق، وهو الامتلاء وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويغرب به تكبرا وارتفاعا وإظهار للفضيلة على غيره .
وروى الترمذي عن عبد الله بن المبارك رحمه الله في تفسير حسن الخلق قال: هو طلاقة الوجه .
وبذل المعروف وكف الأذى .
الشَّرْحُ
إن من أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاسنهم أخلاقا، فكلما كنت أحسن خلقا كنت أقرب إلى الله ورسوله من غيرك وأبعد الناس منزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون .
الثرثارون: الذين يكثرون الكلام ويأخذون المجالس عن الناس، فإذا جلس في المجلس أخذ الكلام من غيره وصار كأن لم يكن في المجلس إلا هو، ولا يدع غيره يتكلم وهذا لا شك أنه نوع من الكبرياء .
لكن لو فرضنا أن أهل المجلس فوضوه وقالوا أعطنا نصيحة، أعطنا موعظة فتكلم فلا حرج، إنما في الكلام العادي كونك تملك المجلس ولا تدع أحدا يتكلم حتى إن بعض الناس يحب أن يتكلم لكن لا يستطيع أن يتكلم يخشى من مقاطعة هذا الرجل الذي ملك المجلس بكلامه .
كذلك أيضا المتشدقون، والمتشدق هو الذي يتكلم بملء شدقيه تجده يتكلم وكأنه أفصح العرب تكبرا وتبخترا ومن ذلك يتكلم باللغة العربية أمام العامة فإن العامة لا يعرفون اللغة العربية لو تكلمت بينهم باللغة العربية لعدوا ذلك من باب التشدق في الكلام والتنطع أما إذا كنت تدرس لطلبة فينبغي أن تتكلم باللغة العربية لأجل أن تمرنهم على اللغة العربية وعلى النطق بها أما العامة الذين لا يعرفون فلا ينبغي أن نتكلم بينهم اللغة العربية بل تكلم معهم بلغتهم التي يعرفون ولا تغرب في الكلمات يعني لا تأتي بكلمات غريبة تشكل عليهم فإن ذلك من التشدق في الكلام .
أما المتفيهقون: فقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمتكبرين المتكبر الذي يتكبر على الناس ويتفيهق وإذا قام يمشي كأنه يمشي على ورق من تكبره وغطرسته فإن هذا لا شك خلق ذميم ويجب على الإنسان أن يحذر منه لأن الإنسان بشر فينبغي أن يعرف قدر نفسه حتى لو أنعم الله عليه بمال أو أنعم عليه بعلم أو أنعم عليه بجاه ينبغي أن يتواضع وتواضع هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بالمال والعلم والجاه أفضل من تواضع غيرهم ممن لا يكون كذلك .
ولهذا جاء في الحديث من الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم: عائل مستكبر لأن العائل لا داعي لاستكباره والعائل هو الفقير فهؤلاء من الله عليهم بالعلم والمال والجاه كلما تواضعوا صاروا أفضل ممن تواضع من غيرهم الذين لم يمن الله عليهم بذلك .
فينبغي لكل من أعطاه الله نعمة أن يزداد شكرا لله، وتواضعا للحق وتواضعا للخلق وفقني الله والمسلمين لأحاسن الأخلاق والأعمال وجنبنا والمسلمين سيئات الأخلاق والأعمال إنه جواد كريم .
[4] عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وهذا الحديث صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم.
[5] وعن أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قلت: يا رَسُول اللَّهِ أي المسلمين أفضل قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وعن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ما بين لحييه يعني ( لسانه )
ما بين رجليه يعني ( فرجه )
[6] وعن أبي عبد الرحمن بلال بن الحارث المزني رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللَّه تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب اللَّه له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللَّه ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب اللَّه له بها سخطه إلى يوم يلقاه) رواه مالك في الموطأ والترمذي وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صحيح.
[7] وعن سفيان بن عبد اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قلت: يا رَسُول اللَّهِ حدثني بأمر أعتصم به، قال: (قل: ربي اللَّه، ثم استقم) قلت: يا رَسُول اللَّهِ ما أخوف ما تخاف علي فأخذ بلسان نفسه ثم قال: (هذا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صحيح.
[8] وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال، قال رَسُول اللَّهِ : (لا تكثروا الكلام بغير ذكر اللَّه فإن كثرة الكلام بغير ذكر اللَّه تعالى قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من اللَّه القلب القاسي!) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
[9] وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ : من وقاه اللَّه شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
[10] وعن عقبة بن عامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قلت: يا رَسُول اللَّهِ ما النجاة قال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
[11] وعن أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي قال: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتق اللَّه فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
معنى (تكفر اللسان): أي تذل وتخضع له.
[12] وعن معاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قلت: يا رَسُول اللَّهِ أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال: (لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره اللَّه تعالى عليه: تعبد اللَّه لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال: إلا أدلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل من جوف الليل) ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعملون} (السجدة 16). ثم قال: (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ) قلت: بلى يا رَسُول اللَّهِ، قال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد) ثم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله ) قلت: بلى يا رَسُول اللَّهِ، فأخذ بلسانه قال: (كف عليك هذا) قلت: يا رَسُول اللَّهِ وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال: (ثكلتك أمك! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صحيح وقد سبق شرحه.