غفرت لك ولا ابالي ( حديث قدسي ) - محمود شلبي
الحديث القدسي
( غفرت لك ولا أبالي )
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
قال الله تبارك وتعالى: (
يا ابن آدم ! إنك ما دعوتني ورجوتني ، غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي ،
يا ابن آدم ! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ، ثم استغفرتني ، غفرت لك ولا أبالي ،
يا ابن آدم ! إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ، لأتيتك بقرابها مغفرة .
) رواه الترمذي وصححه ابن القيم وحسنه الألباني )
Translation :
Hadith Qudsi
Anas (May Allah be pleased with him) said:
I heard the Messenger of Allah (ﷺ) saying,
"ALLAH , the Exalted, has said :
O son of Adam !
I shall go on forgiving you so long as you pray to Me and aspire for My forgiveness, whatever may be your sins .
O son of Adam !
I do not care even if your sins should pile up to the sky and should you beg pardon of Me , I would forgive you .
O son of Adam !
If you come to Me with an earthful
of sins and meet Me, not associating anything with Me in worship, I will
certainly grant you as much pardon as will fill the earth.
[At-Tirmidhi].
شرح الحديث القدسي الشريف :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تبارك وتعالى: (يا
ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو
بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني
بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي وصححه
ابن القيم وحسنه الألباني.
غريب الحديث
عنان السماء: وهو السحاب وقيل ما انتهى إليه البصر منها.
قراب الأرض: ملؤها أو ما يقارب ملأها.
إنك ما دعوتني ورجوتني: أي ما دمت تدعوني وترجوني.
ولا أبالي: أي إنه لا تعظم علي مغفرة ذنوبك وإن كانت كبيرة وكثيرة.
منزلة الحديث
هذا الحديث من أرجى الأحاديث في السنة، ففيه بيان سعة عفو الله تعالى
ومغفرته لذنوب عباده، وهو يدل على عظم شأن التوحيد، والأجر الذي أعده الله
للموحدين، كما أن فيه الحث والترغيب على الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله
سبحانه وتعالى.
أسباب المغفرة
وقد تضمن هذا الحديث أهم ثلاثة أسباب تحصل بها مغفرة الله وعفوه عن
عبده مهما كثرت ذنوبه وعظمت، وهذه الأسباب هي:
1)
الدعاء مع
الرجاء
:
فقد أمر الله عباده بالدعاء ووعدهم عليه بالإجابة ، فقال سبحانه: { وقال
ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } (غافر:
60) ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ( الدعاء هو
العبادة ، ثم قرأ هذه الآية ) رواه أحمد ، ولكن هذا الدعاء سبب مقتض للإجابة عند استكمال
شرائطه وانتفاء موانعه ، فقد تتخلف الإجابة لانتفاء بعض الشروط والآداب أو لوجود
بعض الموانع.
ومن أعظم شروط الدعاء حضور القلب، ورجاء الإجابة من الله تعالى، قال -
صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه الترمذي : ( ادعوا
الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ) ، ولهذا أُمِر العبد أن يعزم في المسألة وألا
يقول في دعائه اللهم اغفر لي إن شئت، ونُهِي أن يستعجل ويترك الدعاء لاستبطاء
الإجابة، وجُعِل ذلك من موانع الإجابة حتى لا يقطع العبد حبل الرجاء ولو طالت
المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء، وما دام العبد يلح في الدعاء ويطمع في
الإجابة مع عدم قطع الرجاء، فإن الله يستجيب له ويبلغه مطلوبه ولو بعد حين، ومن
أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له.
2)
الاستغفار مهما عظمت الذنوب :
السبب الثاني من أسباب المغفرة المذكورة في الحديث، هو الاستغفار مهما
عظمت ذنوب الإنسان، حتى لو بلغت من كثرتها عنان السماء وهو السحاب أو ما انتهى
إليه البصر منها، وقد ورد ذكر الاستغفار في القرآن كثيراً فتارة يأمر الله به
كقوله سبحانه: { واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } (المزمل:
20)، وتارة يمدح أهله كقوله تعالى: { والمستغفرين
بالأسحار } (آل عمران: 17)، وتارة يذكر جزاء فاعله كقوله تعالى: { ومن
يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } (النساء:
110)
.
والاستغفار الذي يوجب المغفرة هو الاستغفار مع عدم الإصرار على
المعصية والذنب، وهو الذي مدح الله تعالى أهله ووعدهم بالمغفرة في قوله: { والذين
إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب
إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } (آل
عمران: 135)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أذنب عبد ذنبا
فقال اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر
الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى:
عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب
اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ
بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك) والمعنى أي ما
دمت على هذ الحال كلما أذنبت استغفرت من ذنبك، قال بعض الصالحين: "من لم يكن
ثمرة استغفاره تصحيح توبته فهو كاذب في استغفاره"، وكان بعضهم يقول:
"استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار كثير".
وأفضل أنواع الاستغفار أن يبدأ العبد بالثناء على ربه، ثم يثني
بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - كما في
الصحيح: (سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك
بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال ومن قالها من النهار موقنا بها
فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات
قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة)، ومن
صيغ الاستغفار العظيمة ما ورد في الحديث الصحيح عند الترمذي أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قال أستغفر
الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف) .
3) التوحيد الخالص :
السبب الثالث من أسباب المغفرة تحقيق التوحيد، وهو من أهم الأسباب
وأعظمها، فمن فقدَه فقَدَ المغفرة، ومن جاء به فقَدْ أتى بأعظم أسباب المغفرة، قال
تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله
فقد افترى إثما عظيما} (النساء: 48)، والتوحيد في الحقيقة ليس مجرد كلمة تنطق باللسان من غير
فقه لمعناها، أو عمل بمقتضاها، إذاً لكان المنافقون أسعد الناس بها، فقد كانوا
يرددونها بألسنتهم صباح مساء ويشهدون الجمع والجماعات، ولكنه في الحقيقة استسلام وانقياد،
وطاعة لله ولرسوله، وتعلق القلب بالله سبحانه محبة وتعظيما، وإجلالا ومهابة، وخشية
ورجاء وتوكلا، كل ذلك من مقتضيات التوحيد ولوازمه، وهو الذي ينفع صاحبه يوم الدين.